11‏/10‏/2014

حواس يكتب... الهرم المدرج بين العلم والجهل



الشرق الأوسط
الخميس 8 ذو الحجة 1435 هـ - 02 أكتوبر 2014 مـ , الساعة: 22:48 رقم العدد [13092]
عانى الهرم المدرج بسقارة من مشكلات كثيرة وخطيرة؛ وكانت أحجاره قد بدأت تنهار من جميع جوانبه الأربعة، وازدادت الشقوق والشروخ العميقة داخل حجرة الدفن التي يصل ارتفاع البئر التي تضمها داخل الهرم لمسافة 29 مترا وهو معجزة معمارية باهرة. ولم تُرمم الحجرة والبئر سوى في عصر الأسرة 26 الفرعونية والمعروفة باسم العصر الصاوي؛ أي إن الهرم المدرج لم يرمم منذ 2500 سنة! وكان كل ما جرى في القرن الماضي هو قيام المهندس الفرنسي الراحل جان فيليب لوير بتدعيم وصلب المدخل الجنوبي للهرم.
والغريب أنني عندما توليت مسؤولية الآثار في مصر وجدت أن الدكتور حسن فهمي - أستاذ العمارة والترميم المعماري بكلية الهندسة - جامعة القاهرة - تقدم بمشروع لترميم الهرم المدرج وحمايته ظل حبيس الأدراج لمدة 20 سنة، تطور خلالها العلم وتطورت المعدات والأدوات ولكن ظلت الفكرة تمثل أفضل الحلول للحفاظ على الهرم.. وهنا بدأنا في تطبيق العلم في ترميم أقدم هرم في مصر؛ بناه المهندس العبقري «إيمحوتب» للملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة والدولة القديمة.
وعقدت لجان علمية من الأساتذة والمتخصصين لمناقشة مشروع الترميم، واتفقوا على كل خطوات ترميم الأثر من الداخل والخارج. بعدها طرح مشروع الترميم في مناقصة عامة بين الشركات المتخصصة. وجرى اختيار إحدى الشركات المصرية لتنفيذ مشروع الترميم.. واختير للمشروع مدير يساعده مهندسون معماريون ومرممون مع وجود الاستشاري لمتابعة التنفيذ. وبدأ ترميم الجانب الشمالي وعاينه الكثير من علماء الآثار الأجانب ووافقوا على تنظيف الأحجار من الأتربة، وبعد ذلك بدأت عملية التدعيم باختيار أحجار جديدة سواء من أحجار الهرم نفسه الساقطة على الأرض أو من أحجار الهضبة بسقارة أي من نفس المحجر الذي استخدمه إيمحوتب في بناء الهرم.. وبعد ذلك جرى البدء في تنظيف حجرة الدفن وإظهار أجزاء التابوت الجرانيتي لأول مرة، وكذلك تنظيف الممرات الداخلية وعثرنا على ممرات جديدة، وأصبح مؤكدا أن طول الأنفاق والممرات أسفل الهرم يصل إلى نحو 7 كيلومترات! هذه الأنفاق والسراديب والممرات تمثل فكرة المصري القديم عن العالم الآخر.
وقد قامت الشركة المنفذة للمشروع بالاتفاق مع شركة إنجليزية بعمل السقالات الحديدية داخل حجرة الدفن، والتي عن طريقها يجري تدعيم جدران حجرة الدفن، بالإضافة إلى سقف الحجرة التي رُممت في العصر الصاوي، وعثر على نقوش تؤكد عملية الترميم، وبعد ذلك جرى ترميم الجانب الشرقي والجنوبي بعد إزالة أعمال الترميم القديمة التي غيرت في النسب التشريحية للهرم المدرج.

إذا كان ما سبق يمثل استخدام العلم في الترميم وحماية آثارنا؛ فإن الجهل كان هو ما نشرته صحيفة مصرية على لسان شخص لم أسمع عنه أو عن عمل له من قبل، ويدعي أنه أثري ويقول إن الهرم يرمم بأسلوب خاطئ؛ وإن اليونيسكو رفعته من قائمة التراث العالمي؛ وغيرها من الأكاذيب. بعدها بدأت زمرة من النصابين يعرفهم كل أثري ومرمم في مصر؛ في ترويج إشاعات عن انهيار الهرم بسبب الترميم الخاطئ!! وعجبت لأمر الصحف ووسائل الإعلام الأخرى التي انساقت وراء أخبار مثيرة يطلقها نصابون ودون محاولة اللجوء إلى فريق المهندسين والمرممين؛ وعلى رأسهم كما ذكرت الأستاذ الدكتور حسن فهمي؛ والاستشاري الأستاذ الدكتور مصطفى الغمراوي وذلك لتبين الحقيقة. الكارثة التي تواجه تراثنا الأثري في مصر ليست تدخل النصابين الباحثين عن الشهرة؛ فهؤلاء كزبد البحر، ولكن المشكلة هي أن يتوقف مشروع ترميم كهذا لما يقرب من السنوات الثلاث؛ ولأسباب غير واضحة أو منطقية! هذا جانب صغير من قصة الهرم المدرج بين العلم والجهل، وللحديث بقية إن شاء الله.

هناك تعليقان (2):

  1. كتبت- مها صلاح الدين:

    بعد كثرة الأقاويل والتصريحات، بخصوص هرم زوسر، أقدم هرم في تاريخ البشرية، الذي يتكوّن من 6 درجات تغطّي آبار دفن بعمق أكثر من 28 مترًا ويقع في سقارة، ارتعد الشارع المصري خوفًا من فكرة انهياره، وتناثرت التصريحات من غير الأثريين، والأثريين غير المتخصصين في الترميم، ذاكرين الأخطاء الجسيمة التي نتجت عن عملية ترميمه، دون الإشارة إلى ماهية تلك الأخطاء، أو حلولها.

    وبالإضافة للمخالفات الإدارية، والاتهامات الموجّهة للشركة المُسند إليها تنفيذ مشروع ترميم الهرم، أكّد المهندس الاستشاري حسن فهمي، المسؤول عن خطة ترميم الهرم المدرج، في مؤتمر صحفي، عقده وزير الآثار الأسبوع الماضي، أن شركة "الشوربجي" نفّذت فقط الخطة التي اعتمدتها الوزارة للترميم.

    وأجرى "دوت مصر" حوارًا موسعًا مع أستاذ ترميم الآثار المصرية، بجامعة القاهرة، عبدالفتاح البنا، بعد تأكيده أنه يعلم بالأدلة، أسباب ما آل إليه الهرم المدرج، وحلول ذلك، وردّ عليه المهندس الاستشاري، والمسؤول عن خطة ترميم الهرم، مفنّدا اتهاماته.

    ردحذف
  2. «تمارا تنشيفيللى» لـ«الوطن»: لم نرسل خطاب شكر لوزير الآثار على ترميم «هرم زوسر»
    مديرة مكتب «اليونيسكو» بالقاهرة: تجاهل ملاحظات المنظمة الدولية يهدد برفع منطقة «دهشور» من قائمة التراث العالمى
    كتب : رضوى هاشم
    الإثنين 06-10-2014 12:30
    فى ظل سيل من الأنباء المتضاربة حول هرم «زوسر» المدرج وأعمال الترميم التى تتم به، بالتنسيق بين الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الآثار من جهة، وأثريين وخبراء من جهة أخرى، وتأكيد كلا الفريقين على وجود تقارير رسمية من «اليونيسكو» تساند موقفه، بل وتثنى عليه، كان لزاماً علينا أن نتوجه إلى الجهة المسئولة عن حماية التراث الثقافى والأثرى على مستوى العالم، وهى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو»، وتحديداً مكتب الهيئة فى مصر. «الوطن» حاورت مديرة مكتب «اليونيسكو» فى مصر «تمارا تنشيفيللى» لمعرفة حقيقة توجيه خطاب شكر إلى وزير الآثار يثنى على أعمال الترميم بهرم «زوسر» وحقيقة ما يقال عن وجود تقارير عن تعرّض الهرم لمخاطر الانهيار وتهدد برفع منطقة دهشور من قائمة التراث العالمى.
    ■ فى البداية.. ما حقيقة تصريحات الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار، عن توجيه «اليونيسكو» خطاب شكر يثنى على أعمال ترميم هرم «زوسر»؟
    - لا، ربما كان الوزير يتحدث عن التقرير الصادر فى سبتمبر 2011، وهو التقرير الوحيد الصادر عن «اليونيسكو» فيما يتعلق بهرم «زوسر» والمعروف باسم هرم سقارة، ولم يوجه هذا التقرير أى شكر، بل كان به بعض الملاحظات على أعمال الترميم التى تمت وقتها من الشركة الأجنبية التى كانت تعمل داخل الهرم، وربما كان هناك نوع من التشتيت لدى وزير الآثار.
    ■ ذكرت وجود بعض الملاحظات فى التقرير الصادر عام 2011 عن «هرم سقارة» للشركة الأجنبية «سنتاك».. هل يمكن سرد أبرز تلك الملاحظات؟
    - كان هناك بعض الاقتراحات والملاحظات التى طالبنا الحكومة المصرية بتنفيذها للحفاظ على الهرم، من بينها وضع دعامات وسد الفجوات التى أحدثتها عوامل الزمن وبفعل الإنسان، بالإضافة إلى الأضرار الناجمة عن إزالة الكتل التى خلقت تجاويف كبيرة فى عدة مناطق، وظهر كثير من الكتل معلقة بشكل خطير دون وجود أى دعائم لحملها.
    ■ وهل اطلع «اليونيسكو» على ما تردد مؤخراً عن وجود مخاطر تهدد الهرم؟
    - أغلب ما ورد إلينا هو ما تردد عبر وسائل الإعلام، ومن جانبنا لم نرسل أى خبراء سوى فى 2011، وهناك تضارب فى الأنباء التى ترد إلينا، وأنا بشكل شخصى سألت بعض الخبراء وأكدوا لى أن الشركة المصرية التى تعمل فى الهرم «غير متخصصة» فى أعمال الترميم، وهناك معلومات غير واضحة أو مؤكدة فيما يتعلق بأعمال الترميم.
    ■ فى حال ثبوت تجاوزات فى أعمال الترميم.. هل يهدد بخروج هرم «زوسر» من قائمة التراث الإنسانى العالمى؟
    - هرم «زوسر» جزء من منطقة أثرية ضخمة تضم آثار سقارة بالكامل، ودهشور، وأبوصير، وهرم زوسر جزء من الجزء، ومكتب اليونيسكو ما هو إلا سكرتارية لمتابعة تلك المواقع، وفى حال وجود مشكلات يتم طرح الأمر على الاجتماع السنوى لهيئة الدول الأعضاء، ويجرى التصويت على إجراء مثل ذلك، ويستغرق سنوات طويلة من المخاطبات والمكاتبات بين الحكومة و«اليونيسكو»، للتأكد مما إذا كانت الدولة نفّذت التوصيات من عدمه، ثم تمنح المنظمة مهلة للحكومة وإذا ما تأكد تعمّد الحكومة إهمال الأثر نطرح اسم الموقع كاملاً وتتخذ الدول الأعضاء القرار، وبشكل عام فإن هرم زوسر جزء من المنطقة الأثرية إلا أنه لو تأكد لدينا إصرار الحكومة على إهماله فإن ذلك يهدد بإزالة المنطقة كاملة من قائمة التراث العالمى.
    ■ وما الإجراء المتبع فى تلك الحالة؟
    - أعدّ زملائى فى المكتب الرئيسى لـ«اليونيسكو» خطاباً وأرسلوه إلى وزارة الآثار طالبوا فيه بتقرير فنى مفصل حول حالة الهرم وما تداولته وسائل الإعلام مؤخراً عن وجود مشكلات فى ترميم الهرم ومدى التزام الحكومة المصرية بتنفيذ توصيات التقرير الصادر فى 2011، وبناءً عليه ستتخذ «اليونيسكو» قراراتها، وفى حال استمرار الوضع على ما هو عليه قبل 2011 من الممكن أن تتخذ إجراءات تصعيدية وتنضم منطقة دهشور بأكملها إلى قائمة التراث المهدد بالخطر.

    ردحذف