02‏/05‏/2015

باحث:الفراعنة قدسوا العمل والإنتاج فبنوا حضارة عظيمة


علاء الدين ظاهر

أكد الباحث الآثري أحمد عامر، أن كل بلدان العالم تحتفل بيوم العامل تقديراً لما يبذله من جهد، إذ يمثل إعلاء لقيمة العمل للإنسان في كل مكان سعياً لبناء حضارته ورقيها والمضيّ بها قُدماً في طريق التطور,موضحا أن مصر تعد من أوليّ دول الحضارات التي قدست العمل والإنتاج وحققت إكتفائها الذاتي بنفسها، ومن ثمّ قدست العامل والمهن الحرف وبفضل هؤلاء المهرة من الصُناع والفنانين والمثالين والنحاتين الذين كانوا يعملون في الخدمات العامة فقد شيدت، وقامت روائع الأعمال المعمارية من العمائر الدينية والجنائزية والتي تُعد من أهم خصائص الحضارة المصرية القديمة، وتمثل فئة العمال والمزارعين الكثرة الغالبة من الشعب.

وأضاف: كان الملك "أمنحوتب الأول" هو أول من فكر في تكوين طائفة خاصة من العمال والنحاتين والفنانين، ولهذا أصبح محل تقديس بعد وفاته، وفي عصر الدولة الحديثة بدأ العمال يستقرون في قُرى خاصة بهم ليكونوا بالقرب من عملهم فاستقروا بقرية "دير المدينة"، والتي يرجع إسمها إلي "الدير القبطي" الذي أُنشئ في القرن السابع الميلادي أما الأسم القديم لها فكان "مكان الحق".

ويبدو أن أقدم قرية في دير المدينة قد شُيدت في عهد "تحوتمس الأول"الذي عُثر علي اسمه مختوماً على قوالب من الطوب اللبن التي استُخدمت في بناء السور الذي أحاط بأول قرية، وقد أدي حريق إلي تدمير تلك القرية الأولي فأعادت الدولة بناءها قبيل عهد الملك "تحوتمس الأول"وعندما جاء الملك "إخناتون"استعان بأهل هذة القرية ليساعدوه في تأسيس عاصمته الجديدة بـ "تل العمارنة" بالمنيا، ولكن ازدهار القرية ظهر واضحاً في عصر الرعامسة.

و أشار "عامر" إلي أن اللقب الكامل لأي عامل في الجبانة الملكية خلال الأسرة الثانية عشرة هو "الخادم في المكان العظيم"أو"الخادم في المكان الجميل لجلالة الملك"،وكان يطلق عليهم في عصر الرعامسة لقب"خُدام ساحة الحق"وكانوا ينقسمون إلي مجموعتين هما اهل اليمين وأهل اليسار وربما كان إنقسامهم عائداً إلي طريقة عملهم في المقابر الملكية التي كانوا يعملون بها حيث كان يقسم العمل إلي مجموعتين إحداهما تعمل إلي يمين المقبرة والأُخري تعمل إلي اليسار،وكان المسئول عن كل مجموعة سواء في المقبرة أو المدينة شخص يحمل لقب "كبير العمال"، وكان يُعينه وزير يقوم بتوزيع العمل علي العمال وكان يشرف علي توزيع الحصص التموينية"الأجور"، ويساعده في عمله "نائب كبير العمال"، ثم يأتي في المرتبة الثالثة "كاتب المقبرة"، الذي كان يسجل العمل المنفّذ في المقبرة الملكية ويوزع مواد وأدوات البناء من المستودعات الملكية ويسجل المتغيبين عن العمل.

وقد عُثر علي "أوستراكا" مؤرخة بالعام الأربعين من حكم الملك "رمسيس الثالث"محفوظة بالمتحف البريطاني كُتب عليها رئيس العمال أسماء عماله البالغ عددهم ثلاثة وأربعين عاملاً وأمام كل اسم عدد أيام الشهر التي غابها عن العمل كما كُتب أعذار التخلف بالمداد الأحمر أمام كل تأخير وكان من ضمن هذه الأسباب المرض، لدغة العقرب، الذهاب إلي تقديم القرابين للمعبودات وكان بعض العمال يوصفون بالألقاب التي تدل علي مهنتهم الأصلية فنجد من بينهم قاطع الأحجار،الحفار،النحات،النقاش والرسام.

وتابع أنه إلي جانب العمال الحرفيين نجد أنه كان يوجد فريق من العمالة المساعدة من العاملة والمموليين الذين كانوا أساساً من المزراعين وقاطعي الأخشاب والسقائين والصيادين وكانوا مسئولين عن نقل المواد الغذائية ومعدات العمل،كما تذكر النصوص أيضاً حُراس المقابر الملكية التي لم ينته العمل بها،وطانت الأجور تصرف في شكل مواد غذائية من الصوامع أو المخازن الملكية وأحياناً ما كانوا يمنحون مكافأت تشجعية من الملك في مناسبات مختلفة مثل الجعة المستوردة،اللحوم،ملح النطرون،قطع من القماش أو النحاس كما كانوا يمتّعون بالأجازات وعطلات الأعياد الكثيرة فكانوا يُمنحون ثلاثة أيام كعُطلة كل شهر،وكان هناك مكتب لإدارة شئون طائفة العمال الذي كان يحتوي علي أرشيف يقوم الكتبة بوضع التقارير فيه عن حياة العمال الجماعية ومشاكلهم في القرية.

وقد تألف مجتمع العمال أيضاً من زوجات وأطفال العمال وكان بعض الأولاد الصغار يمارسون الأعمال المؤقتة مثل توصيل الرسائل ولذلك عُرفوا ب "أطفال المقبرة"بالرغم من أنهم لم يُدرجوا رسمياً ضمن قوة العمل وإذا لم يحالفهم النجاح في العثور علي مكان ما بين الشباب الذين أُدرجت أسمائهم كعمال فقد كان يتعين عليهم مغادرة القرية والبحث عن عمل في مكان آخر،ويجب علينا أن نتذكر مدى التقدير الذي كان يناله العمل في مصر القديمة علي مر العصور حيث نجد ما جاء في نصين من عصر الدولة الوسطي أحدهما نقش لقائد حملة يذكر فيه بعد أن أكد أنه لم تحدث آية وفاة أثناء العمل "لقد عاملتُ جميع رجالي بكثير من الطيبة ولم أنادِ العمال صائحاً علي الإطلاق"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق