19‏/09‏/2020

خليك في البيت واترك الطعام..هكذا واجه المصريون القدماء سوء الطالع في أيام النحس

 

الباحثة آيات حسيب

علاء الدين ظاهر

أسرار كثيرة عن حياة المصري القديم وكيف كان يربطها بالحظ والنحس كشفتها دراسة متميزة قامت بها آيات حسيب الباحثة و رئيس قسم التسجيل والتوثيق بالمتحف المصري الكبير،وهذه الدراسة جاءت ضمن رسالة أعدتها الباحثة بعنوان"المفهوم العقائدي والإجتماعي لأيام الحظ والنحس في النصوص المصرية خلال عصر الدولة الحديثة"دراسة لغوية مقارنة"،وحصلت بها علي الدكتوراة بإمتياز مع مرتبة الشرف من كلية آثار جامعة القاهرة.

 

ومن ضمن ما جاء في دراسة الباحثة أنه لم يكتف المصري القديم بما حققه من تقدم في  العلوم والفنون وأسرارها،ولم يقتنع بما وصل إليه في العلوم الطبيعية كالطب والفلك ولجا إلي ما فوق الطبيعة، فانشأ العلوم السحرية ومهر فيها،وقام السحرة بالشفاء من بعض الأمراض والعاهات،بل جدوا في تلافيها قبل وقوعها ومحاربتها قبل وجودها.

 

وساقت الباحثة دليلا علي ذلك بما قاله"ديودور الصقلي"المؤرخ اليوناني: "انه لا يوجد بلدة في العالم كمصر لوحظ فيها بكل دقه نظام الكواكب وحركتها، دونت فيها المؤلفات الفلكية منذ عدة قرون وحوت المعلومات الخاصة بعلاقة الكواكب بالمواليد الحيوانية، وتأثير الكواكب في الخير والشر، وربط أيام السنة بالتفاؤل والتشاؤم" . 

 

    ونلاحظ أن المصري القديم كان يتمم واجباته نحو المعبودات ويبدأ العطلة الدينية،لكنه لا يستطيع أن يستمتع بالملذات أو يؤدي أعمالا نافعة دون أن يحتاط لأمره، بسبب ما يعرف بتقاويم أيام الحظ والنحس،فاعتقد أن بعض أيام من السنة قد تكون سعيدة والبعض الأخر شؤم،وعليه قسموا السنة بفصولها وشهورها إلي أيام خير وأيام نحس.

 

وقد أبقت لنا الوثائق علي برديات واوستراكا تحتوي نصوص في هذا الصدد وعرفت بـ(تقاويم أيام الحظ والنحس)،كما انه من خلال قراءة الطالع أيضا نجدها تلقي لنا الضوء علي ارتباط المعبودات المصرية القديمة بالكواكب والنجوم وحركتها بشكل كبير،ويتضح ذلك من خلال النعوت الخاصة بالكواكب،مثل(حورس الثور=هو زحل)، حورس الأحمر=هو كوكب المريخ)، نجم الصباح(الزهرة) هو المعبود (حورس) ابن الربة ايزيس" .

 

     وبذلك ابتكر المصري القديم تقويم ينظم على أساسه شئون حياته، معتمداً على الظواهر الطبيعية المحيطة به من فيضان وزراعة ثم حصاد، وبالتالي كان لابد وأن يتطور علم الفلك ليربط بين ظهور نجم سوبدة قبيل شروق الشمس، وهي ظاهرة لا تتكرر سوى مرة واحدة في العام، وتتوافق مع بداية وصول مياه الفيضان.

 

وهكذا كان شروق نجم سوبدة بشيراً بقدوم الفيضان فجعله المصريون بداية للسنة والتي قسمت إلى ثلاثة فصول كلاً منها يضم أربعة أشهر، وهي الفترة التي يستغرقها كل فصل قبل بداية الفصل التالي,ثم أضافوا في نهاية السنة خمسة أيام,ليكتمل عدد أيام السنة المصرية إلى ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً إلى أن تتكرر ظاهرة شروق نجم سوبدة مرة أخرى وبالتالي تبدأ سنة جديدة.

 

وورد في هذه التقاويم 46 إشارة لكمة (pr) تليها أسماء المعبودات والكائنات الأسطورية، والتي تترجم بمعني (الخروج) وتأتي محددة بأيام معينة في كل شهر من شهور السنة،وهذه المواعيد هي نفسها ترتبط باحداثاً فلكية في السماء.

 

وكان الشخص الذي يستعين بهذه التقاويم،بالطبع كان يتصرف وفقا لها، لأنه يعرف أن الكهنة أو السحرة الذي وضعوا هذه التقاويم كانت عندهم أسبابا جيدة لتصنيفهم للأيام،ووضعت تلك الأيام بعدد أيام السنة كنتيجة مقسمة طبقاً لفصول السنة وشهورها في قائمة،وكان طالع أو فأل كل يوم مبني علي أحداث ميثولوجية خاصة،وكانت تتأثر هذه الأيام بظروف خيرة أو سيئة قد تعرضوا لها ،وربطوها بأحداث مماثلة حدثت في عالم المعبودات،وذلك من خلال الأساطير التي تناولت الأحداث السعيدة أو الكريهة.

 

 وفي حالات سوء الطالع لا بد من إتباع نصائح معينة لعبور هذه المحنة،وكانت النصيحة الأكثر شيوعا هي البقاء في المنزل وعدم القيام بأي نشاط،وذلك طول اليوم و حتى غروب الشمس، وهناك حالات أخري يُنصح فيها بالصيام أو الامتناع عن أفعال معينة مثل المضاجعة،أما خلال أيام النسيء الخمس ،من الضروري تعليق تميمة في الرقبة مكتوب بها "تعويذة" لحماية من يرتديها .

 

وقد أشار المصريون القدماء إلي الأحداث السماوية بشكل غير مباشر من قبل ربطها بالأحداث الأسطورية،فقد تم ربط العديد من التكهنات والأحداث الفلكية بالتقاويم أيام الحظ وسيئ الحظ، واعُتبر المصريين القدماء من أوائل الناس في معرفة التقويم الشمسي،ولاحظوا أن الفيضانَ السنويَ لنهرِ النيلَ جاءَ مباشرة بعد كوكب الشعري.

 

وكان التقويم المصري في عصر الدولة الحديثة الخاص بمصر العليا أو السفلي يرتبط بظواهر السماء، كما أن أول شهور العام القمري يكون بعد ظهور نجم الشعري،ويرتبط التقويم الخاص ببردية المتحف المصري الذي يتحدث عن الأيام السعيدة والمنحوسة بشكل كبير بالسطوع المبكر لنجم الشعري=سوتيس،الذي يعلن عن بداية الفيضان وهذا يعني بداية سنة جديدة. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق