30‏/01‏/2021

متحف النسيج خيط من التاريخ كان في شارع المعز.. حكايته وكنوزه في تقرير شامل بالصور

جولة وتصوير...علاء الدين ظاهر

 من منا لم يزره..من منا لم ينبهر بكنوزه..متحف النسيج أحد المتاحف المعدودة في العالم،كان موقعه متميز في شارع المعز،ولكن المحزن لعشاق التاريخ والتراث أنه تم نقل المتحف كاملا الي المتحف القومي للحضارة،وبعيدا عن جدل النقل والبقاء،نأخذكم في بوابة آثار مصر في جولة معنا بالصور،حيث قمنا عدة مرات في السابق بزيارة المتحف والتجول فيه"أيام ما كان في شارع المعز".


المتحف كان يقوده أثري محترم وشاطر هو الدكتور أشرف أبو اليزيد المدير العام قبل نقل المتحف،والذي تعد مجموعة القطع الأثرية التي يحويها المجموعة الأهم في العالم لقدمها وتنوعها واستمراريتها،والمحزن أنه رغم قصر مدة المتحف الذي تم إفتتاحه فبراير 2010،كان متميزاً بالعاملين فيه الذين أسماهم المدير العام"فريق الأحلام".


# سبيل ونسيج

كان المتحف في مقاما في مبني أثري وهو سبيل ومدرسة محمد علي وأنشئ عام 1828,وبعد الإنتهاء تماما من ترميم السبيل ضمن مشروع القاهرة التاريخية والذي إستمر من 2000حتي2004وطبقا لما نصت عليه مواثيق اليونسكو الدولية خاصة فيما يتعلق بإعادة إستخدام وتوظيف الأثر بما يليق به ويحافظ عليه، تم التفكير في تحويله لمتحف نسيج إسلامي.

ومن الأسباب القوية التي دعمت هذه الفكرة أن أغلب المتاحف سواء الصغري أو الكبري لا تعرض النسيج الأثري بنفس قوة وعرض الأثار الأخري,وكان مقترحا من البداية أن يكون متحفا للنسيج الإسلامي فقط،وتم في النهاية الاتفاق علي أن يكون للنسيج المصري بوجه عام عبر حلقات وعصور التاريخ المختلفة 

# تسلسل زمني
المتحف كانت به 11 قاعة مقسمة من العصر القديم حتي العصر الحديث,وأول 3 قاعات تقع في الدور الأول تحكي قصة النسيج في الحضارة المصرية القديمة والقاعة الرابعة النسيج اليوناني الروماني مع جزء من النسيج القبطي,وفي الدور الأعلي 7 قاعات للنسيج الإسلامي بحقبه المختلفة مرورا بالأموي والعباسي والطولوني والفاطمي،وهذا التقسيم يراعي التسلسل الزمني للتأصيل لصناعة النسيج المصري وتتبع العناصر الزخرفية,وكم كان المصري القديم لديه إنتماء لعناصره الزخرفية خاصة أنه حافظ عليها عبر الزمن وحقبه المختلفة 


المتحف كان يحمل رسالة قوية تتمثل في تأكيد تنوع وثراء النسيج المصري وكم أبدع المصريون القدماء في صناعة الأثواب حتي وصلوا لمرحلة الإعجاز، بأن يكون نسيج الكتان من الرقة لدرجة لا تستطيع معها رؤية تفاصيله إلا بالميروسكوب,وهي درجة عالية من الدقة والنعومة وكأنه حرير رغم أنهم لم يتوصلوا لصناعة الحرير وعرفوا فقط الكتان والصوف,كما وصل المصريون القدماء لطريقة جميلة جدا في الزخرفة بتقصير وإطالة المسافات بين الخطوط الطولية والعرضية في النسيج وهو مستوي كبير جدا من البراعة في الصناعة.

# أفكار براقة

ومع روعة المكان كانت روعة فريق العمل بقيادة الدكتور أشرف أبو اليزيد مدير عام المتحف،والذين كانوا ينفذون أفكارا براقة وخلاقة،منها قيام فريق المتحف بدراسة كل المناهج في المرحلة الابتدائي وحتى الصف الثاني الثانوي،وتم تنظيم زيارات لطلاب المدارس حيث تم ربط المنهج الدراسي بالقطع الأثرية بشكل مبسط وسهل،بحيث يعين الطالب على حسن استذكار دروسه بشكل عملي، ويخرج بمادة التاريخ من إطارها الجامد، إلى إطار الحكاية الحية،واستمر هذا البرنامج طوال فترة الصيف في احدي السنوات.


وربما يسأل أحدهم.. لماذا اصلا متحف للنسيج؟.. والإجابة تأتي عندما نشاهد أهرامات ومقابر ومعابد ومباني نرى عظمة الانتاج والحضارة التي قدمها المصري القديم،لكن النسيج والملابس هي التي تشير إلى تذوق المصري الفني،فدائمًا ما تصنف الحضارة اليونانية أكثر رقيًا من الحضارة الرومانية، لما اشتملت عليه من فنون وفلسفة، وعلوم عقلية عكس الحضارة الرومانية المليئة بالحروب، كذلك النسيج هو الذي أظهر الزوق والرقي المصري، فعندما نرى ملابس الملوك والنبيلات والخادمات والمواطن العادي،نجد أننا أمام شعب له زوق وموضه وتنوع في الألوان.

# زخارف الطبيعة

ومن أبرز ما كان يقتنيه المتحف قطع أثرية استمدت زخارفها من الطبيعة من مختلف فترات العصور الإسلامية منها النسيج الأموى والطولونى والمملوكى والعثمانى، وتظهر إبداع الفنان المسلم فى استخدام الأشكال النباتية كفروع الأشجار والأوراق والثمار والأزهار،حيث جرّد وحوّل جميع العناصر المستخدمة من شكلها الطبيعى حيث كان الفنان يميل الى شغل المساحات وملء الفراغات واستخدم فى ذلك الكثير من أنواع الأزهار مثل القرنفل والكرز والرمـان وزهـرة التيوليـب والسوسن وزهرة النسرين والزنبق والبنفسج والنرجس.


 أما اكثر النباتات التى تدخل فى الزخرفة النباتيه فهى أوراق الآكانتس وعناقيد العنب والعديد من الشجيرات والنباتات بأنواعها المختلفةوالتى استطاع ابرازها بأساليب متعددة من إفراد ومزاوجة وتقابل وتعانق وفى كثير من الأحيان تكون الوحدة مؤلفة من مجموعة من العناصر النباتية المتداخلة والمتشابكة والمتناظرة فى تكرار بصورة منتظمة.

# روعة المملوكي
ومن القاعات التي كانت بارزة في المتحف قاعة العصر المملوكي،حيث إجتاحت الفنون الإسلامية عامة وفن النسيج بصفة خاصة ثورة فنية وسياسية وإقتصادية عارمة،قضت علي كثير من الطرز الفنية والتطبيقية بل والمواد الخام التي كانت سائدة من قبل،وبعد أن أصبحت مصر منذ العصر المملوكي حلقة الإتصال التجاري بين الشرق والغرب ومن ثم تأثرت المنسوجات المملوكية بمنتجات الشرق الأقصي والأدني.


وقد تمكن أمراء الحرب من المماليك من إقامة مملكة تمتد من مصر إلي سوريا وفلسطين،حيث كانت التجارة تتدفق عبر هذه البلاد بين أوروبا والشرق،ونتيجة لذلك تمتعت القاهرة بثراء فاحش تحت حكم السلاطين المماليك،وأصبحت المدينة مركزا هاما للثقافة والفنون.

لذلك لم يكن من المستغرب أن أكثر ما وصل الينا من المنسوجات في العصور الإسلامية المتأخرة أنتج خلال الحكم المملوكي،حيث تركزت هذه الصناعة في ذلك في ذلك الوقت في القاهرة وأسيوط والإسكندرية ودمشق في سوريا،ووصل الأمر بمناطق معينة في الصين أن تخصص منتجاتها للتصدير للأسواق المصريةإبان حكم المماليك.




# طائر العنقاء

وكانت هذه المنسوجات تطرز برسومات تمثل التين الصيني أو طائر العنقاء جنبا إلي جنب مع نصوص عربية كتبت بخط رائع وبديع،ونظرا لدقة صناعتها وروعة تشكيلاتها وزحارفها،إكتسبت المنسوجات والأقمشة المصنوعة في مصر خلال العصر المملوكي شهرة واسعة في أسواق ودول البحر المتوسط حتي القرن 14 ميلادي.

وتدفق المنتجات الأسبانية و الإيطالية في هذه الأسواق ،إنعكس هذه بصورة سلبية علي هذه الصناعة في مصر وأدي لتدهورها،خاصة حينما عمد الصناع في هذه البلاد إلي تقليد المنسوجات المصرية نظرا لشهرتها وسمعتها في الأسواق المختلفة،حيث طرزت المنسوجات في العصر المملوكي بأشرطة مزينة بتشكيلات بديعة ورائعة من الخط العربي.













 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق