16‏/02‏/2021

عالم آثار وترميم يضع خطة علمية لنقل المومياوات الملكية بأمان من التحرير إلي الفسطاط..تفاصيل وصور

 علاء الدين ظاهر

ينتظر العالم كله حاليا الحدث الأثري والثقافي الكبير والمؤجل بسبب كورونا،وهو نقل 22مومياء ملكية مع عدد من التوابيت لأشهر ملوك قدماء المصريين كرمسيس الثاني وسقنن رع  وتحوتمس الثالث وحتشبسوت من المتحف المصري بالتحرير إلي مقر عرضها الدائم بمتحف الحضارة بالفسطاط ، وذلك في موكبٍ مهيبٍ يشهده العالم أجمع عبر شاشات التلفزيون ومواقع الأخبار.

 

إلا أنه لامناص من التعرض لبعض النقاط التي تمس مسألة تأمين وحفظ هذه المومياوات من مخاطر نقلها ، والحديث عن بيئتها الجديدة في محطتها الأخيرة بمتحف الحضارة،وذلك في حوار مع عالم الأثار د.مدين حامد عبد الهادي محمود خبير الآثار ومدرس ترميم وصيانة الآثار والمخطوطات بكلية الآثار جامعة الفيوم


حامد قال:لتناول المسائل والنقاط المقدمة بإسلوب علمي وتقني ، كان لابد من تأصيل عملية النقل والعرض الجديدين تأصيلاً علمياً جملةً وتفصيلاً يرقي بتلك الإجراءات إلي إمكانية الوصول بها لبر الأمان وتحقيق السلامة لمفرداتها الثمينة والمهمة، إلا أن ذلك لن يتأتي إلا بتناول بيانات ومعلومات مهمة ذات صلة بأجساد قدماء المصريين المحنطة لحفظها لتمام مهمتها في العالم الآخر حسب معتقداتهم وقتئذٍ.

 

 ففكرة ونظرية الحفاظ علي الجسد كي لا يبلي قد تجلت منذ عصور ماقبل الأسرات Pre-dynastic periods حتي القرون الأولي من ميلاد السيد المسيح عليه السلام، تحقيقاً لفكرة النوم والراحة حسب تفسيرهم للموت ، فمن القرفصاء المحفوظة في الرمل الجاف وبأشعة الشمس في بدايات اهتمامهم بتلك المسألة إلي الأجساد المحنطة تحنيطاً كاملاً والمحفوظة في توابيت اختلفت خامات صنعها وعمارتها حسب شخصية ودرجة ثراء ونفوذ قاطنها أو القابع الراقد بقيعانها، بيد أن الشرارة الأولي لحدوث هذا الكمال النسبي مطلع العصر العتيق  Ancient eraبمقابر الأسرة الأولي في نقادة وأبيدوس بصعيد مصر ، لتبلغ أوج عظمتها ورسوخها خلال فترة الدولة الحديثةNew kingdom  من مصر القديمة.

 

وقبل الإجابة علي أسئلة الكثيرين من المتابعين للحدث المرتقب بشأن سلامة المومياوات عند نقلها ثم عرضها ثانيةً كان لابد من التعرض بإيجاز إلي كيفية تحويل الجسد إلي مومياء للحاجة إليها في مناقشة تداعيات هذه الإجراءت مستقبلاً علي ديمومة وبقاء وثبات مكوناتها والحيلولة دون تلفها عاجلاً كان أم آجلاً، ولعل أشهر وسائل تحويله إلي مومياء Mummy يكون عبر عملية التحنيط  Mummificationومؤداها تخليص جسد المتوفي من عوامل ضعفه ونشاط مكوناته الرخوة وسوائله القابلة للتلف علي الصعيد الحيوي أو البيولوجي بفعل آلياته من الكائنات الحية الدقيقة Micro-Organisms كالفطريات Fungi والبكتيريا Bacteria فضلاً عن الحشرات Insects باختلاف أجناسها وأنواعها.

 


وتبدأ عملية التحنيط باستخراج المخ عبرالفراغ الأنفي بكسره أو بمساعدة ملوق أو قضيب معدني ليحل محله كوة من الكتان المشبع بالراتينج Resin ثم تفريغ البطن من موادها الرخوة القابلة للتحلل Biodegradable  مثل الأمعاء من خلال فتحة في الجانب الأيسر من البطن ، فضلاً عن الرئتين ، والكليتين في بعض الحالات ، وترك القلب لدوره في عملية الحساب ، حيث يتم حفظ الأحشاء المستخرجة في حاويات عرفت لاحقاً بالأواني الكانوبية Canopic jars بعد غسلها وتطهيرها. هذا حيث يغسل الفراغ البطني الناتج بنبيذ النخيل   Palm wine الحاوي لتركيزات مختلفة من الكحول الإيثيلي، ثم يطهر بالزيوت العطرية والراتنجات ، ليجفف الجسم والأحشاء بغمرهما المتناوب علي مراحل في الملح المقدس لديهم المعروف بملح النطرون Natron salt حتي انتهاء بلله وتميعه بفعل سوائل الجسد دلالة علي تمام جفافه.

 

وبعد انقضاء المدة المخصصة لذلك والتي تتعدي ال40 يوماً لتصل في أحايين كثيرة إلي 70 يوماً يحشي فراغ البطن بكورٍ أو كرات من الكتانLinen  المحشوة بخليطٍ من ملح النطرون،الزيوت العطرية،البابونج،القرفة،اللبان، الصمغ ونشارة الخشب، وذلك لحفظ البطن علي شكلها الطبيعي ومنع التصاقها بالظهر ، علي أن يخاط الشق البطني بأسلاك الذهب أو السبائك مث البراسBrass  أو خيوط الكتان، أو أن يتم لحام طرفيه بالراتينج وشمع عسل النحلBeeswax  ، مع سد فتحات الأنف والفم بكور الكتان الصغيرة المعالجة بالراتينج أو الشمع، ثم في معظم الحالات يدهن الجسد كليةً بالقارأو الراتينج لسد مسامه وهي سبب تسميته بالمومياء التي تحول إليها في هذه المرحلة، وفي النهاية تلف المومياء بالحصير أو ألياف البردي أو لفافات الكتان حسب المرحلة والظروف الراهنة.

 


وما تقدم يشير إلي تركيب تشريحي معقد تحكمه عظام وجلد ونسيج صاحبه فضلاً عن التنوع الهائل للمواد المستخدمة خلال عملية التحنيط علي الصعيد الكيميائي ، فاختلاف طبيعتها وخواصها يخلق اكتنافاً معقداً للتنبؤ بسيناريوهات التلف المحتملة حال توفر الظروف المناسبة من أكسجين نشط ، تلوث جوي من عوادم السيارات ، تذبذب معدلات الحرارة والرطوبة النسبية ، ما قد يوفر مسرحاً لنشأة تفاعل فيزيوكيميائي أشهر يعرف بالتلف البيولوجي عندما تتخذ الكائنات الحية الدقيقة من المومياء عائلاً لها وفق هذه الظروف المناسبة لنموها أو تكاثرها عبر جراثيمها Spores ، إلا إذا حالت تدابير الوزارة الوقائية دون حدوث ذلك بالعزل والتعقيم Sterilization، وفي كبائن معدلة البيئة وفق المقاييس الدولية في الحفظ والصيانة، وأن ذلك قد يستتبعه التنسيق الدائم مع الجهات المعنية كهيئتي الاستشعار عن بعد والأرصاد الجوية لتحديد الوقت والزمن المناسب للقيام بالمهمة ، فهل أعدت الوزارة مخططاً بهذا الشأن؟.

 

ولم يكن ما تقدم الباعث الوحيد علي قلق الاختصاصيين والمتابعين والمهتمين ، بل أن عملية النقل يجب أن تتم بحذر شديد مع تجنب الاهتزازات التي قد تؤثر سلباً علي الثبات الشكلي والفيزيائي التشريحي للمومياوات، كأن تصبح معه التوابيت Coffins الحاوية لها مصدراً للخطر علي خلاف وظيفتها الأساس من الحفظ والوقاية، لاسيما عند ارتفاع أوزانها وكبر أحجامها ، كما يعد ثبات المومياء والتابوت وعلي وضعه الطبيعي مطلباً ملحاً من قبل القائمين علي هذا الحدث من الآثاريين واختصاصيي الصيانة والترميم، ويقترح كذلك أن يتم النقل بواسطة سيارات مجهزة خصيصاً لنقلها، وتجنب نقلها بواسطة عجلات حربية تجرها الخيول كما هو مخطط له ، وإن استدعي الظرف كفاعلية ثقافية وسياحية يتم تصميم تلك السيارات علي هذا النحو لتجنب حدوث تمزقات أو قطوع بأربطة وأنسجة المومياوات بعد كسر عظامها أو تحرك حشواتها الكتانية والملحية ، والتي قد تمثل اجهاداً يضر بتماسك محيطها البطني المشقوق عند تعرضها دون قصد للصدمات أو الاهتزازات ، مع التأكيد الشديد علي أن تكون السرعة في أدني مستوياتها وعبر طرق واسعة خالية من الأشغال والمطبات ومخصصة لهذا الغرض ،وفي وجود أناسٍ قادرين علي مواجهة الظروف الطارئة....  فهل حُسبت من قبل المسئولين وفق هذا المنحي؟.

 


وفي هذا الصدد يجب التأكيد دوماً علي استخدام وسائل رفع ثابتة وآمنة ، وتجنب قيام العمال بهذه المسألة إلا إذا كانت لهم دراية بمثل هذه الممارسات وخبرة كافية بتدابيرها لتجنب سقوطها علي الأرض ، ما قد يترتب عليه تهشماً كاملاً لتلك البقايا الآدمية شديدة الحساسية علي الصعيدين الفيزيائي والكيميائي، والمطالبة باستخدام مواد جيدة للتغليف تتصف بالثبات ضد الاهتزازات ، ويفضل أن تسلح مناطق الغور والبروز باستخدام مخدات من الكتان أو القطن المضغوط المعالج ضد الحموضة Acid-free fabrics والخالي من الرطوبة إلا ما يحفظ عليه مرونته وثباته عند الضرورة ، وعلب من الكرتون المقوي الخالي من الحموضة وبسمك مناسب،وتجنب استخدام خامات البوليمرات والفيبر لضررها الكيميائي ، فهي قد تتسبب في جفاف اللواصق والأنسجة عبر فقد ماء الارتباط الكيميائي Chemical-coherent water من خلال ما توفره من تركيز لدرجات الحرارة حول المقتني الذي تغلفه، فهل شملت خطة الموكب الملكي هذه الاحتمالات والإجراءات؟.

 

هذا، ويجب أن تتوفر كل وسائل السلامة والأمان للمومياوات والتوابيت خلال رحلتها الشاقة في غرف أو كبائن تقبل التعديل الشكلي والمكاني ، فضلاً عن تصميمها بشكل يسمح بتعديل ظروفها الداخلية من قيم تركيز أيون الهيدروجينpH Values  ،حرارة،رطوبة نسبية.....وغير ذلك، مع توفر جو جاف خامل كيميائياً لضمان ثبات ظروف العرض الأصلية ومثيلتها عند النقل والعرض اللاحق بمتحف الحضارة، فالبقايا الآدمية والمومياوات والمحنطات والمصبرات تختلف كثيراً عن مواد الآثار الأخري، وهي أمور يعلمها القاصي والداني...لا ريب.

 

وفي هذا المضمار، فإن الدراسات المختلفة قد أشارت وأوصت بتوفير الظروف البيئية الملائمة لحفظ المواد العضوية الحساسة أو شديدة الحساسية  ومن بينها المومياوات والتوابيت الخشبية بصفة خاصة وللعرض المتحفي ، ويقترح أن تتراوح درجة حرارة غرف وكبائن العرض بين 22:20هم ، وأن يقل تركيز الأكسجين عن 1% ، وأن لايزيد مقدار الرطوبة النسبية عن 55% لكافة المعروضات وعن 40% لأنسجة الإنسان أو الحيوان ، علي أن لاتتعدي نسبة التلوث الجوي 44ميكروجراماً لكل مترٍ مكعب من المساحة الحاوية من خلال مرشحات مناسبة ، وفي ضوء قوته بين 50 إلي 150لوكس حسب حالة المومياء من خلال خفض قوته أو استخدام مرشحات الضوء المعتمدة،والحفظ في جو خامل باستخدام غازت خاملة كغاز النيتروجين الخاملInert-Nitrogen gas ، ووفق أساليب وظروف العرض المتحفي الموصي بها، فمفهوم العرض المتحفي يرتبط بتوفير البيئة المناسبة والظروف الملائمة والمثلي لحفظ الأثر والتصميم المناسب للمبني حسب بيئته والمقاوم للحرائق والاهتزازات والداعم لديمومة وبقاء اللقي الأثرية ونماذجها المختلفة دون تعرضها للخطر أو التلف أو الفناء ، مع سيناريو عرض مشوق وجاذب لمرتادي المتحف ودارسي الآثار وغيرهم دون الإخلال بمبادئ الصيانة والحفظ.

 


ومن التدابير والاحتياطات والإجراءات الواجب اتخاذها في هذا الصدد ، وقبل القيام بنقل المومياوات الملكية من مقرها إلي مثواها الأخير يجب دراسة حالة كل مومياء بشكل مستقل في بطاقة مستقلة أو ملف كامل به خطة نقلها حسب حالتها ، وذلك من خلال معلومات مستقاة من مجموعة من الفحوص والقياسات اللازمة كقياس درجة الأس الهيدروجينيpH value ،الفحص بالأشعة المقطعية CT Scanning لمعرفة الكسور والتمزقات ومدي انتظام أجزاء الجسم علي محوره...،تحديد جنس المومياء (ذكر أم أنثي) بتحليل المادة الوراثية DNA بتقنية PCR .

 

 ودراسة المعادن أو السبائك المستخدمة لخياطة الشق البطني الأيسر للمومياء بتقنيات SEM، وX ray radiography ،وفي هذه الحالة تفضل تقنيات التصوير وتقنيات التحليل غير المتلفة وغير الجائرة Non agrasive and destructive instruments كلما كان ذلك ممكناً، وأن تتم معالجة وعلاج ماتلف من المومياوات مع التعقيم المستمر قبل القيام بعملية النقل بوقت كاف لتجنب نشاط مواد العلاج عند تغير البيئة والظروف البيئية المحيطة.....فهل خططت وزارة اللآثار والجهات المعنية المكلفة بهذه المهمة تخطيطاً يضمن سلامة التوابيت والمومياوات ومواجهة أية احتمالات وطوارئ محتملة ؟ ....وأتمني أن يتم ذلك بسلام وأن تتم الفاعلية والحدث في أبهي وأجل صورة مشرفة لمصرنا الحبيبية مع كامل اعتبار سلامة المومياوات واستقرار حالتها في المقام الأول وقبل كل شيئ.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق