حوار .. علاء الدين ظاهر
أهل مكة أدري بشعابها..حكمة تنطبق بشدة علي الخبرات البشرية التي باتت متألقة في الآثار من الأثريين والمرممين،وهو ما ظهر جلياً في عدة مشروعات كبري في الآثار والمتاحف،ومنها المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط،والذي يستعد الفترة المقبلة لإستقبال مومياوات ملوك وملكات مصر،في موكب مهيب تسعي مصر لأن يخرج بالشكل الذي يليق بملوكها عبر التاريخ.
وفي الوقت الذي سيري العالم كله ملوك مصر في موكبهم المهيب،لا يعلم كثيرون أنه وراء ذلك مجموعة متميزة جدا من شباب المرممين المصريين في متحف الحضارة،والذين تصدوا بقوة وشجاعة لعملية صيانة المومياوات وترميمها وإعدادها للنقل،ونجحوا في ذلك لدرجة أبهرت الجميع،مما دعانا لزيارة متحف الحضارة ولقاء الدكتور مصطفي إسماعيل مصطفي مدير مخزن المومياوات ورئيس معمل صيانة المومياء بالمتحف القومي للحضارة المصرية،وتعرفنا معه علي قصة نجاح تضاف الي سجل المصريين الناجحين في حقل الآثار.
فريق العمل
في البداية قال الدكتور مصطفي إسماعيل أن فريق العمل الذي قام بتغليف وصيانة المومياوات من متحف الحضارة،وفي متحف التحرير غلفنا المومياوات ووضعناها في الفتارين وكبسولات النيتروجين بعد عمل الترميم والصيانة اللازمة،واستعنا بالدكتورة سامية الميرغني وهي من افضل الشخصيات في مصر في مجالها،ومتخصصة في البقايا الآدمية وكانت مساندة لنا، والفريق يضم مصطفي إسماعيل والدكتورة إيمان ابراهيم وولاء صلاح والدكتورة سامية الميرغني،أما الفريق الذي قام بالتغليف وعمل الكبسولة مصطفي إسماعيل وايمان ابراهيم وولاء صلاح ومحمود عبد الله.
تقارير حالة
وتابع:الناس تعتقد أن هذا الحدث سهل رغم أنه أخذ وقت طويل من العمل،وفي البداية كان لا بد من عمل تقارير حالة عن كل مومياء،لمعرفة مناطق القوة والضعف في كل منها وتحديد من أين سيتم حملها،ومعرفة شكل كل جسم مومياء لاصنع له السرير المناسب تحته ومعرفة طبيعة العظام والجسد،والبيئة المحيطة والرطوبة والحرارة ودرجة التكثيف.
وكنا في حاجة لمعرفة كل هذا لأن التقارير التي كانت متوفرة لدينا عن المومياوات ترجع لعام 1886 م،والتقارير الحديثة لا تتناول الأثر بشكل كافي ولا تجاوب علي الاسئلة التي لدي عن المومياوات كي تتم عملية النقل بشكل ناجح ودقيق،فالنقل يحتاج لمعرفة حالة كل جسم ومواطن الضعف والقوة والبيئة المحيطة وبيئة الأثر والموازنة بينهما بحيث لا تحدث أي صدمة لجسد المومياء عند إخراجها من فاترينة عرضها.
عام ونصف
في هذه الفترة كنت أنا وولاء وإيمان فقط واستغرق العمل في الفحص وإعداد تقارير الحالة سنة و8 شهور،منها سنة كنت بمفردي،وهذه المدة بدأت اول عام 2017،وخلالها كنا فقط نجري دراسة علي ال 22 مومياء لإعداد تقارير الحالة فقط والتي بناءا عليها تم إعداد خطة الترميم والنقل،واستعنت بإيمان وولاء لانهما قويتان في تخصصهما وهو ما كانت تتطلبه المعلومات التي نسعي لها لتكون بمنتهي الدقة.
والمومياوات منها 18كانت معروضة و4 مومياوات في المخازن ستعرض لأول مرة،وتقارير الحالة كنا نعدها لكل المومياوات سواء المعروضة أو المخزنة وهي مسألة صعبة جدا،خاصة أنه في 1881 اكتشفوا خبيئة المومياوات وبعضها كانت منزوع منها الأجزاء الذهبية ومقطوع معها أجزاء من الجسم.
مومياء مفككة
وهناك مومياء رمسيس السادس ريزنر نفسه برأ للمصريين من حالتها وقال انه ساعة إكتشافها وعندما فك لفائفها هو وماسبيرو وجدا الفك عند الكاحل،أي أن المومياء كانت مفككة منذ القدم وهي 187 قطعة وكانت في المخزن، كذلك مومياء أمنحتب الثاني اكثر من 170 قطعة،وبعض المومياوات المعروضة بها أجزاء منفصلة لكنها ليست ظاهرة للعين لأن المومياء ملفوفة،لكنني لا بد أن أضع هذا في الإعتبار،وبعد السنة و8 شهور وضعنا خطة العمل وأخذنا اراء بعض خاصة في المواد التي سنستخدمها،وان تكون خالية من الحموضة تماما وهي المواد التي ستتلامس مع الأثر سواء في الترميم أو التغليف،وتمت عمليات الصيانة والترميم لكل مومياء حسب حالتها.
مدرسة مصرية
وأكد أن كل الترميم الذي تم كان علي أسس وقواعد المدرسة المصرية في الترميم امتداداً لطريقة المصري القديم،بأقل تدخل يعطي افضل نتائج لا تؤثر علي المومياء أثناء النقل،ولتجميع الأجزاء بشكل آمن،والمواد المستخدمة لا بد أن تكون استرجاعية بحيث تكون سهلة استرجاعها بعد فترة دون أي تأثير سلبي علي الأثر، كما أن رفع الأثر له مواد معينة تستخدم في ذلك وتكون وآمنة،والكبسولات كذلك والسرير الذي يتم وضع المومياء عليه ليمتص الاهتزازات.
وهذا السرير له مواصفات وخصائص معينة ومواد يصنع منها،والصيانة لها مواد معينة،والنيتروجين المستخدم له خصائص ولم نستخدم النيتروجين العادي، بل أحضرنا جهازاً خاصا بالمواصفات التي أردناها وتتناسب مع حالة الأثر الذي لدينا،وهذا الجهاز تم تصنيعه خصيصا لنا بإمكانياتنا طبقا للدراسة التي قمنا بها،وكنا نسهر حتي الرابعة فجرا لنقوم بهذه الدراسة علي أكمل وجه،وربنا اكرمني وعملت تصميم الكبسولة نفسها وهي من جزئين الأول السرير الداخلي والثاني الجزء الخارجي بمثابة غلاف،وصندوق يتم فكه وتجميعه وتقفيله بحيث لا يضر ذلك بالكبسولة أو يؤدي إلي انفجارها.
دعم قوي
وقال:وزير السياحة والآثار يدعمنا بقوة في كل ما نطلبه، والقيادة السياسية لولا دعمها وتقديرها للمتحف ضمن اهتمامها بالآثار لما نجح المشروع،من جانبنا أعددنا التقارير والدراسات اللازمة ولولا الإرادة السياسية لكان هذا كله مجرد ورق ولم يتحول إلي واقع،ومديري المتحف بداية من المهندس محروس سعيد المدير العام الأسبق وحتي الدكتور أحمد غنيم الحالي،جميعهم وثقوا فينا وكانت هذه الثقة دعما كبيراً لنا،وقمنا بتهيئة درجات الحرارة لتتناسب فيما داخل فاترينة عرض المومياوات بالمتحف المصري بالتحرير وما هو خارجها،بحيث عندما أخرجها لا تحدث لها صدمة ولو لم اضبط البيئة المناسبة لها لحدث لها تحل.
وهنا كنا في حاجة لفريق قوي من المتخصصين في الميكروبيولوجي والحشري، وعلي رأس هذا الفريق كانت الدكتورة سامية الميرغني ود.داليا المليجي،وكانوا يقومون بالتعقيم للمومياوات نفسها والا حدث لها تحلل أثناء العمل والتعقيم تم بمواد طبيعية كان المصري القديم يستخدمها،وفريق للفحص بالأشعة لمعرفة حال العظام ومناطق الضعف والقوة،برئاسة د.زاهي حواس ود.سحر سليم رئيس قسم الأشعة في طب القصر العيني ود.طارق عبد الأعلي وهو من المتخصصين المتمكنين في مجاله،وفي آخر 2018 بدأ التعقيم وقام به مركز بحوث وصيانة الآثار برئاسة الدكتورة داليا المليجي،ثم بدأ فريق متحف الحضارة في العمل بحالة كل مومياء علي حدة.
المخاطر صفر
ولأول مرة في التاريخ يقوم مرمم آثار مصري بترميم مومياء ويقوم بالعمل كله فريق مصري كامل ولأول مرة يتم نقل مومياء في كبسولة وحاول البعض من قبل لكنها لم تنجح،وقد حافظنا علي الطبقات تحت جلد المومياوات واعدنا مقاومة كل جسم لما كانت عليه،وقمنا بعمل الصناديق لتلائم جسد كل مومياء والا كان يحدث ضعف وانفصال في بعض الأجزاء،والحمد لله نسبة المخاطر والخسائر أثناء النقل والتحرك وآية طوارئ صفر في المية،وذلك بناءا علي دراسات الحالة التي قمنا بها في السابق لكل مومياء،حيث كان السرير قابلا لامتصاص الصدمات الأفقية والرأسية ،كذلك التثبيت باحزمة مناسبة تماماً تمنع أي اهتزاز للمومياء والسرير الموضوعة عليه.
وهذا السرير داخله صندوق مبطن ومدعم داخلياً ضد أي حركة او اهتزاز،وكل سيارة بها وحدة اتزان تمنع الحركة الأفقية والرأسية مع التدعيم،وكل هذا أوصل لنسبة امان 300٪،وتعاملنا في الخطة منذ البداية مع أسوأ الإحتمالات،ومنها نقل المومياوات علي العجلات الحربية وهنا سيكون أعلي معدل صدمات،لذلك كانت الخطة تضمن نسبة امان 300٪،وكان يهمنا المحافظة علي أجدادنا وأثر لا يتكرر ،كما أننا أمام ملوك عظام حكموا مصر وحققوا لها سيادة وصنعوا حضارة وتاريخ،مما جعلنا نضع في الحسبان أن تكون نسبة المخاطر صفر.
معجزة مصرية
وما فعله فريق متحف الحضارة معجزة حرفيًا،وحاليا المومياوات داخل الكبسولات في أمان،حيث استقدمنا جهازاً هو الاحدث في العالم يعطينا نيتروجين آمن يحفظ المومياء في كبسولتها لمدة خمس سنوات كاملة واستخدمنا أعلى تكنولوجيا في العالم،ونسب ترطيب النيتروجين متوافقة مع محتوى كل مومياء وغير متصل تمامًا بالبيئة الخارجية مما سيحافظ على المومياء بشكل تام.
وبلاستك الكبسولة 3 أضعاف الحماية المعتادة ويفصل تمامًا ما بين المومياء والبيئة الخارجية،وغلق الكبسولة بإحكام أكثر 15 مرة من العادي مما يعطي حماية مضاعفة،وهذا الإتقان في العمل أعطى الارتياحية للقيادة السياسية أن تختار الموعد المناسب لنقل المومياوات الملكية،والذي سيكون له اعتبارات كثيرة منها عوامل الجو والظروف العالمية،ولن ينطلق الموكب إلا مع الظروف الملائمة التي تدرسها القيادة السياسية بمنتهى الدقة.
آخر الرحلة
وفريق ترميم وصيانة المومياوات قام بدراسة نقاط رفع كل مومياء بدقة،وسنستخدم نسيج قوي لا يضر المومياء بأي نسبة،وكل مومياء على السرير داخل الكبسولة تخرج من قاعة 55 بالمتحف المصري بالتحرير حتى الباب الرئيسي،وسيتم تجهيز المدخل بمنصة توازي ارتفاع عربات النقل،والكبسولة داخل صندوق مجهز وعلى العربة سيكون الاثنان داخل صندوق مجهز بطريقة حصلنا منها على صفر صدمات.
والفريق سيشرف على وضع المومياوات على العربات ويصاحبها طوال الطريق إلى المتحف القومي للحضارة المصرية،حيث ستوضع أولًا في الحضانات ليتم تجهيز كل مومياء،وطبقًا للخطة، أول مرحلة فتح الكبسولة لإخراج المومياء، وسيتم تجهيز البيئة المحيطة لتناسب المومياء حتى لا يحدث للجسد صدمة،وتم عمل صيانة وقائية في المتحف المصري، وسيتم عمل صيانة دائمة في الحضارة، وستستغرق من 10 إلى 15 يوم قبل أن توضع في قاعة العرض النهائية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق