25‏/03‏/2021

من يلوث النيل سيصيبه غضب الآلهة..خبير آثار يرصد دور مصر لإستكشاف منابع النهر منذ القدم

علاء الدين ظاهر

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن الوثائق التاريخية تؤكد حقيقة الدور المصرى لاستكشاف منابع النيل منذ عصر مصر القديمة نتيجة الاتصال ما بين مصر القديمة وبلاد كوش ويام وبونت وتوغلوا في النوبة والسودان.



 وظهر رحّالة ومستكشفون في الأسرة السادسة معظمهم من أمراء أسوان جنوبي مصر وقد نظّم حاكم الجنوب "حرخوف" أربع حملات استكشافية إلى أفريقيا بناءً على أوامر من الملكين "مر-إن-رع" و"بيبي الثاني" ح 2200 قبل الميلاد، وحرص "حرخوف" على تسجيل وقائع رحلاته في مقبرته في أسوان.



وينوه الدكتور ريحان إلى تقديس النيل فى مصر القديمة واستخدام مياهه للتطهر من أجل الطقوس الدينية وغسل المتوفى وكانت عملية الاغتسال بماء النيل علاوة على المعنى الملموس للنظافة تمثل رمزًا لطهارة النفس روحيًا من كل شائبة والتى استمرت فى الحضارة القبطية فيما بعد.



ويشير نص قديم إلى أن "من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة" وهناك اعترافات للمصرى القديم في العالم الآخر بما يفيد عدم منعه جريان الماء درءًا للخير، كما ورد في الفصل 125 من نص "الخروج إلى النهار (كتاب الموتى) "لم أمنع الماء في موسمه، لم أقم عائقًا (سدًا) أمام الماء المتدفق".



وفي نص مشابه على جدران مقبرة "حرخوف" في أسوان عدّد صفاته أمام الإله من بينها "أنا لم ألوث ماء النهر...لم أمنع الفيضان في موسمه...لم أقم سدًا للماء الجاري...أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى" وارتبطت أسماء معبودات بنهر النيل أشهرهم الإله "حعبي"، الذي يمثل فيضان النيل سنويًا ومصدر الحياة الأولى (بداية الخلق) ومصدر الحياة الأولى للمصري القديم.



وفى ترنيمة دوّنها المصري القديم في نصوصه الأدبية تبرز قدر عرفانه لنهر النيل جاعلًا منه الإله الخالق لمصر، واهب الحياة والخُلد لها منذ القدم."فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل امريء أن يحيا الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه.



 وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر" ماذا تعني كلمة "النيل" أطلق المصريون على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة "إيترو عا" بمعنى (النهر العظيم) وخصصوا عددًا من الأرباب ارتبطوا بنهر النيل أشهرهم الإله "حعبي"، الذي يمثل فيضان النيل سنويًا، ومصدر الحياة الأولى عمومًا (بداية الخلق) ومصدر الحياة الأولى للمصري القديم.



 ووصف "سيد القرابين" وورد ذكره كثيرًا فيما يعرف بـ "أناشيد النيل" وضمن فقرات في "نصوص التوابيت" كما أُطلق عليه أيضا "سيد الفيضان" و"رب أزلي" و"خالق" و"رب الأرباب" و"أقدم الأرباب"، كما وصف بـ "سيد الكل" الذي يحدث التوازن في الكون.




ويشير الدكتور ريحان إلى أن التقويم المصرى وهو أقدم تقويم عرفته البشرية مرتبط بنهر النيل ونتج عن شغف المصرى القديم بنهر النيل وحرصه على رصد فيضانه ونتيجة مراقبة المصرى القديم لنجم "سبدت" أو سيروس وهو نجم الشعرى اليمانية لعدة سنوات توصلوا إلى تحديد طول دورته الفلكية بدقة متناهية .



وقد حددوا طولها أو طول السنة الشمسية 365 يوم و 5 ساعات و49 دقيقة و 45 ونصف ثانية أى بفارق يوم كل 127 سنة وبذلك وضعوا المقياس الزمنى الذى يعلن ميعاد الفيضان وهو يوم ميلاد العام والذى أطلقوا عليه التقويم التحوتى نسبة إلى المعبود تحوت إله المعرفة وقياس الزمن.




ولفت الدكتور ريحان إلى ما جاء في الكتاب المقدس أنه حين أراد الرب أن يصف أرضًا خصبة قال عنها (كجنة الرب كأرض مصر) "تك ١٣:١٠" ولقد اختصت الكنيسة القبطية بصلوات القداس الإلهي الخاصة بمياه الأنهار حيث يصلي الكاهن "اصعد المياه كمقدارها كنعمتك؛ فرح وجه الأرض؛ ليروى حرثها؛ ولتكثر أثمارها؛ أعدها للزرع والحصاد؛ ودبر حياتنا كما يليق.



بارك اكليل السنة بصلاحك؛ من أجل فقراء شعبك؛ من أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف من أجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب اسمك القدوس لأن أعين الكل تترجاك لأنك أنت الذي تعطيهم طعامهم في حين حسن؛ أصنع معنا حسب صلاحك يا معطيا طعاما لكل ذي جسد؛ أملأ قلوبنا فرحا ونعيما لكي إذ يكون لنا الكفاف في كل شيء؛ نزداد في كل عمل صالح".




ويتابع الدكتور ريحان بأن نهر النيل تجسّد بشكل فعلى ورمزى فى الفن القبطى وقد رتبت الكنيسة صلوات اللقان في ثلاث مناسبات كنسية فى عيد الغطاس المجيد وصلوات خميس العهد وصلوات عيد الرسل وفي هذه المناسبات يوضع اللقان وهو حوض ماء مملوءًا بمياه النيل .




ففي لقان عيد الغطاس يصلي الكاهن ويقول (نهر جيحون "اي النيل " أملأه من بركاتك ؛بارك اكليل السنة بصلاحك؛ يارب اسمعنا وارحمنا) حيث آمنت الكنيسة أن نهر جيحون وهو أحد أنهار الجنة الأربعة التي ورد ذكرها في سفر التكوين "تك 2 : 10 – 14 " هو بعينه نهر النيل ولكل صلاة دعوات خاصة.



ويوضح الدكتور ريحان أن نهر النيل كان له مكانة كبرى فى العصر الإسلامى واهتم به حكام مصر للحفاظ على جريانه وضبطه بما يكفل لهم حياة آمنة فأقاموا السدود والجسور عندما كان يطغى ويزيد عن الحد الذي يكفل لهم حياة وزراعة آمنة وأنشأوا مقاييس للنيل أشهرها مقياس النيل بالروضة واحتفلوا الاحتفالات البهيجة الرائعة بمواسم فيضانه.



 وأقاموا النظم لربط سنتهم الهجرية بالسنة الشمسية التي تسير عليها مواعيد فيضان النيل والزراعة ودعا الإسلام إلى الحفاظ على الأنهار ومنها نهر النيل، فقد أجمع فقهاء المسلمون على أنه لا يجوز البناء على شاطىء النهر للسكنى ولا لغيرها إلا القناطر المحتاج إليها ولا يجوز التعدى على النهر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق