14‏/06‏/2021

أقدم أثر إسلامي في مصر مهندسه يقف حارساً عليه.. قصة تاريخية

علاء الدين ظاهر 

"تحية لك يا حعبي، أخرج من هذه الأرض واحضر لتهب مصر الحياة، إنك تخفي مجيئك في الظلمات، وتغطي أمواجك البساتين، أنت واهب الحياة لكل ظمآن..هكذا قدس المصري القديم النيل، واعتبره مصدر الحياة، لدرجة أنه احتج في الآخرة أنه لم يلوثه أو يسده أو يعطل جريانه.


حيث قال حسام زيدان الباحث الأثري وعضو مؤسس فريق سراديب للوعي الأثري أنه في النصوص المصرية القديمة التي تمثل المحاكمة في الحياة الآخرة، وضمن الكلمات التي يقولها المتوفي لكي يدلل على أنه من الصالحين، كلمة "لم ألوث النيل أو أعطل جريانه" 


وقد نقل لنا المؤرخون العرب بعض مظاهر الاهتمام بالنيل والتي وصلتهم رواياتها عن المصريين، وكان أهم تلك المظاهر هي بناء المقاييس التي تحدد مستوى المياه في النيل والتي تعتبر بشرى بوفائه أو نذير بجفافه لا قدر الله. 


وتشير المصادر العربية إلى العديد من المقاييس التي أنشئت في مصر بعد الفتح منها مقاييس عمرو في أسوان ودندرة،ومقياس أنصنا من إنشاء معاوية بن أبي سفيان، ومقياس عبد العزيز بن مروان في حلوان 80 هـ، ومقياس جزيرة الروضة بناه أسامة بن زيد بأمر من الوليد بن عبد الملك عام 92 هـ،وأقام بن زيد مقياس آخر بعد إبطال العمل بالأول عام 97 هـ. 


وفي عام 247 هـ أمر الخليفة المتوكل على الله العباسي، ببناء المقياس الحالي الموجود في جزيرة الروضة، والذي إلى جواره قصر المانسترلي، ومتحف أم كلثوم، وهو المقياس الوحيد الباقي، ويُعد اقدم أثر إسلامي في مصر، وعُرف بالمقياس الهاشمي أو  الكبير أو مقياس الروضة. 


وقال زيدان:مهندس المقياس كان حوله خلاف كبير بين علماء الآثار، وحسب رواية ابن خلكان فهو أحمد بن محمد الحاسب، ولكن ذكرت بعض المصار أن مهندس المقياس عراقي تم استقدامه خصيصًا لبناؤه، واسمه محمد بن كثير الفرغاني، وقيل أنه ابن كاتب الفرغاني وكان قبطيًا.

 

وكريسويل رجح أن الشخصين ماهما إلا شخص واحد "محمد بن أحمد الحاسب، وابن كثير الفرغاني" كما نفى أن يكون  الفرغاني قبطيًا، إذ أن -حسب كريسويل- الرجل ينتسب إلى فبيلة فرغانة والتي كانت جزءً من أعمال فارس، أوزبكستان حاليًا، فلا يمكن أن يكون قبطيًا، وحسب ما توصلت إليه آخر الأبحاث فإن مهندس المقياس هو  الفرغاني وله تمثال في مدخل مقياس النيل إلى جانب قصر المانسترلي. 

 


وأشار المؤرخ ابن خلكان إلى النص الكتابي الذي كان يحمل اسم الخليفة المتوكل وتاريخ 247هـ، وهذا النص فُقد أثناء إصلاحات أحمد بن طولون على المقياس، وهذا النص لم يذكر اسم المهندس صراحة، ومن المرجح أن أحمد بن محمد الحاسب كان المشرف على البناء وليس المهندس، فهو أحد مشاهير علم الحساب، صاحب كتاب الجمع والتفريق. 


ومقياس الروضة عبارة عن عمود رخامي مثمن الشكل، طوله 19 ذراع، ومدرج  بحفر علامات عليه بالأذرع والقراريط،والعمود يعلوه تاج روماني، ويتوسط بئر، وتصميم هذا البئر عبقري، حيث تم تصميمه من اسفل إلى أعلى بشكل يناسب وظيفته تمامًا.


فتم عمل قاعدة للعمود من جذوع النخل، الذي يشارك في حفظ توازنها، ثم بناء بئر حول العمود من 3 مستويات، المستوى الأول دائري، وهو الأضخم، ثم يليله مستوى أعلى اقل سمكًا، وهو مربع الشكل، ثم مستوى أخير مربع من سمك أقل، وهذا التصميم يجعلنا ندرك أن المهندس كان مدركًا لهندسة البناء تحت ضغط الأتربة وكيف يجعل المبنى يقاومها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق