علاء الدين ظاهر
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء أن مدينة عقبة أيلة (بالأردن حاليًا) وقعت تحت السيطرة الصليبية فى أوائل حكم سلاطين المماليك، ولكن السلطان الظاهر بيبرس الذى حارب الصليبيين لمدة عشر سنوات نجح فى استرداد المدينة عام (665هـ / 1267م) واستعاد درب الحاج المصرى عبر وسط سيناء سابق عهده طريقًا للحج.
وقام الظاهر بيبرس بكسوة الكعبة وعمل لها مفتاحًا ثم أخرج قافلة الحاج فى البر على درب الحاج المصرى وانتهى بذلك طريق الحجاج عبر صحراء مصر الجنوبية الشرقية عن طريق قوص- عيذاب وفى عام (667هـ / 1268م) زار الظاهر بيبرس مكة عن طريق أيلة.
ويضيف الدكتور ريحان أن القاهرة فى هذه الفترة الزمنية من حياة درب الحاج المصرى قد أصبحت مجمع حضرى كبير يضم إلى جانب القاهرة المعزية قلعة الجبل والفسطاط وجملة من نواحى ظوهر القاهرة ومن ثم أصبحت صحراء الريدانية (العباسية) كأرض مكشوفة غير عامرة هى بداية الطريق نحو بركة الحاج وكان الركب ينزل بها قبل المسير إلى البركة ومنها إلى عجرود قاطعين 130كم.
ولقد أشار المؤرخ العبدرى إلى نظام السير اليومى للقافلة مع بيان كون حجم القافلة بلغ 80 ألف راحلة دون الدواب الأخرى وفيما يتعلق ببركة الحاج فيذكر أنها بلدة تضم آبار طيبة وتقوم بها سوق عظيمة يقضى فيها الحجاج يومين أو ثلاثة قبل بدء الرحلة ويتزود منها الحجاج بكل احتياجاتهم وأن المرحلة بين القاهرة وعجرود تستغرق ثلاثة أيام وكان الحجاج يعبرون خمس محطات من بركة الحاج إلى عجرود تبدأ من بركة الحاج ثم منها إلى البويب، الطليحات ، المنفرج ، مراكع موسى ومنها إلى عجرود وبها بئر مصنع.
ويشير الدكتور ريحان إلى مميزات عجرود لكونها مفترق عدة طرق تخرج منها أو تصل إليها من جهات متعددة وفى مقدمتها درب الحاج المار بها كما أنها تبعد 20كم شمال غرب مدينة السويس ومن ثم فقد كانت بعض قوافل الحاج تذهب إلى السويس قبل الدخول إلى سيناء طلبًا للماء ونظرًا لهذا التجاور ببين عجرود والسويس فقد كان تجار السويس يفدون على عجرود.
ويستكمل الحجاج طريقهم عبر سيناء وأول محطة بها وادى مبعوق حيث ذكر وجود ماء عذب طيب فى أحساء حيث يوضح الدكتور ريحان أن الأحساء هو الرمل المتراكم أسفل طبقة صخرية فإذا نزل عليه المطر تسربت المياه إلى الرمل و تحمى الطبقة الصخرية المياه من التبخر.
ومع شدة الحر يكشف الرمل عن ذلك الماء المختزن فيه فيصير الماء نبعًا باردًا عذبًا وأن الطريق من مبعوق إلى نخل بوسط سيناء يستغرق ثلاثة أيام وفى نخل أنشأ السلطان الغورى خان وقد قام بتنفيذ ذلك خاير بك المعمار أحد المقدمين فى عام (915هـ / 1509م) وكان الخان ضيقًا فتمت توسعته فى عام (959هـ / 1551م) وبنخل ثلاث فساقى وبئران إحداهما بساقية والأخرى بسلم .
ويشير الدكتور ريحان إلى أن نخل كانت تمثل سوقًا عربية مشتركة فى زمن الحج حيث ينصب بها سوق كبير وأفران لعمل الخبز وترد لهذا السوق الجماعات البدوية من سيناء وبذلك يتوفر للحجاج جملة خدمات بنخل من حيث الإقامة فى خان فى ظل حماية الحراس وتوفير الماء العذب الكافى من الآبار وفى الفساقى ، ويقوم بحراسة ركب الحجيج حتى عقبة أيلة وفد من قبيلة العائد من قبائل سيناء.
وقد وصف الرحّالة ومنهم الزيانى نخل فى رحلته الحجازية وتعجب من كثرة الفواكه الشامية بها من سفرجل ورمان وعنب والخيرات الكثيرة وما يحتاج إليه الحجاج من المؤن والقرب المملوءة بالماء البارد وبهذا يعطى صورة عن الحركة التجارية فى نخل زمن الحج وما كان يصلها من قوافل تجارية تجلب سلع الشام التى تلزم الحجاج.
ويتابع الدكتور ريحان الرحلة من نخل إلى حسد الحى، بئر بيدرا، ثمد الحصا، ظهر العقبة ، سطح العقبة وهو عرقوب البغلة كما وصف هذه المحطات المؤرخون ومنهم الجزيرى ذاكرًا المحطات من نخل إلى وادى الفيحاء ويسمى وادى القريص، عراقيب البغلة، ثمد الحصى ، سطح العقبة إلى عقبة أيلة .
كما ذكر أن مدة الإقامة بعقبة أيلة ثلاثة أيام وينصب فيها سوق كبير فيه من البضائع والفواكه من غزة والقدس والكرك وبها الأغنام والجمال والبغال والماشية والسمن والعسل والزيت وسائر الحبوب والأقمشة ،ويأتى إليها الحجاج والتجار مما يعد موسمًا فى كل عام.
ويوضح الدكتور ريحان أن هناك محطة هامة من محطات الحجاج ما بين نخل والنقب يطلق عليها دبة البغلة أو مقعد الباشا قامت منطقة جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية بترميمها منذ سنين وأحاطتها بسور بشكل إسلامى.
لدرجة أن الحجاج والمعتمرين المارين بهذا الطريق فى الطريق البرى الحديث إلى ميناء نويبع ومنها إلى العقبة وهو نفس الطريق البرى القديم يعتقدون أنه ولى من أولياء الله الصالحين وينزلون إليها ليقرأوا اللوحة الخاصة بالآثار ويعرفون حقيقة هذه العلامة الهامة فى طريق الحج القديم المستخدم حتى الآن.
ويشير الدكتور ريحان إلى أن دبة البغلة من المناطق التى تتسم بالصعوبة عند اجتياز الحجاج لها وقد قام السلطان قانصوه الغورى بتمهيدها ووضع علامة هامة تحدد معالم الطريق يطلق عليها صخرة الغورى وعليها نقوش صخرية تتضمن الآيات }إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا{
والنص الخاص بتمهيد الطريق (رسم بقطع هذا الجبل المسمى عراقيب البغلة.
ومهد طريق المسلمين الحجاج لبيت الله تعالى وعمار مكة المكرمة والمدينة الشريفة والمناهل عجرود ونخل وقطع الجبل عقبة ايلا وعمار القلعة والآبار وقلعة الأزلم والموشحة ومغارب ونبط الفساقى وطرق الحاج الشريفة مولانا المقام الشريف والإمام الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغورى نصره الله تعالى نصرًا عزيزًا)،وعلى الصخرة رنك للسلطان الغورى نصه (لمولانا السلطان الملك الأشرف أبى النصر قانصوه الغورى عز نصره ).
ومن عقبة أيلة تسير قافلة الحجاج بمحاذاة البحر الأحمر إلى الجنوب إلى حقل، مدين، ينبع، بدر، رابغ، بطن مر، مكة المكرمة ، وظل درب الحاج المصرى مستخدمًا حتى أبطل سيره وتحول إلى الطريق البحرى عام (1303هـ / 1885م )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق