علاء الدين ظاهر
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن العالم قدّر قيمة طيبة القديمة واعتبرها قيمة عالمية استثنائية لا مثيل لها وسجلت تراث عالمى باليونسكو منطقة طيبة ومقبرتها (الأقصر) عام 1979 بناءً على ثلاثة معايير وليست معيارًا واحدًا وهى المعيار الأول والثالث والسادس.
حيث تمثل طيبة نموذجًا للروائع فى تكوينها الفريد كمدينة للحكم بمبانيها على البر الشرقى والغربى، وتقف شاهدًا فريدًا على معتقدات خاصة بالحياة والموت فى عهد المصريين القدماء وفى فترة وجود طيبة كعاصمة واستثنائيًا على حضارة المصريين القدماء ككل، كما اقترن اسمها بعديد من الأحداث والمعتقدات المرتبطة بتاريخ المصريين القدماء وتعتبر طيبة عاصمة مصر فى الدولة الحديثة من 1570 إلى 1070 قبل الميلاد
طريق الكباش وحدة عقائدية
ويضيف الدكتور ريحان أن الأقصر حملت العديد من الأسماء عبر تاريخها الطويل فعرفت باسم "دواست" أى الصولجان رمزًا لقوتها وعظمتها ثم أطلق عليها "نوث" أى المدينة ثم "طيبة" وأطلق عليها الأقصر فى زمن المسلمين بعد أن بهرتهم قصورها، وقد جسّد تخطيط الأقصر الفكر المصرى القديم الذى يقسّم الحياة إلى أولى وآخرة من الشروق إلى الغروب، ففى البر الشرقى يقع معبد الكرنك المقر الرسمى للمعبود آمون ومعبد الأقصر.
ويربط بينهما طريق الكباش كوحدة عقائدية واحدة، على حين توجد فى البر الغربى المعابد الجنائزية وأهمها الدير البحرى والرمسيوم ومدينة هابو ومعبد القرن وكذلك مقابر وادى الملوك والملكات، وقد زار منطقة وادى الملوك العديد من الرحّالة والباحثين، فقد ذكر الجغرافى استرابو فى القرن الأخير قبل الميلاد وادى الملوك وذكر وجود 40 مقبرة به تستحق الزيارة. أمّا العدد الحالى المكتشف فهم 62 مقبرة منها المقابر الملكية والغير ملكية
طيبة تتزين فى يوم عرسها
ويرصد الدكتور ريحان مراحل تطوير شاملة بالأقصر لاستقبال الحدث العالمى بناءً على توجيهات من القيادة السياسية وتكليفات من الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ومجهودات من المهندس أسعد مصطفى مدير مشروع تطوير الأقصر بجهاز التعمير بالتنسيق مع وزير السياحة والآثار واللواء محمود شعراوى وزير التنمية المحلية تمثلت فى تطوير ساحتى معبد الكرنك الخارجية والداخلية والطرق المؤدية إلى المعبد وإنشاء بوابة رئيسية لمعبد الكرنك تحتوى على مدخل ومخرج للحافلات السياحية وأماكن تمركز لأفراد الأمن والحراسة وعمل البرجولات الخشبية أمام البازارات السياحية بشكل يليق بمكانة المعبد ليصل عددها حوالى 80 برجولة.
وتغيير جميع الأرضيات المتهالكة بالساحة الخارجية للمعبد بعمل أرضيات من الخرسانة المطبوعة بالأشكال الحجرية مطعمة بشرائح البازلت الأسود وتغيير أرصفة ساحة معبد الكرنك وتزيينها ببلاط الانترلوك وإعادة زراعة وتأهيل أحواض الزراعة وإضافة الزراعات والأشجار المزهرة بساحة المعبد الداخلية المؤدية إلى بهو المعبد بشكل جمالى يليق بمكانة المعبد وزواره وزراعة أشجار نخيل حول سور الساحة الخارجية لمعبد الكرنك علاوة على أعمال تهذيب الأشجار والنخيل الموجود داخل ساحات المعبد الداخلية والخارجية كما تم الانتهاء من إنشاء ثلاثة ميادين هى ميدان أمام بوابة مطار الأقصر الدولى وميدان أمام نافورة المطار وميدان الشيخ موسى
ويتابع الدكتور ريحان رصد ما قام به المهندس أسعد مصطفى، منسق حياة كريمة التابع لجهاز تعمير البحر الأحمر ومدير مشروع تطوير محافظة الأقصر بالتعاون مع إدارة الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة وإدارات المحافظة كاملة من إنشاء كورنيش النيل بطول 1.7 كيلو وإنارة جبل البر الغربى ليتماشى مع أعمال التطوير التى تمت بكورنيش النيل العلوى والسفلى وتطوير أربعة ميادين رئيسية وتطوير ساحة سيدى أبى الحجاج الأقصرى وتطوير شارع السوق السياحى وإنشاء نصب تذكارى يخلد ذكرى شهداء المحافظة وانشاء حديقة للطفل وتطوير شامل للمرسى السياحى بالبر الغربى وإنشاء مرسى سياحى جديد بمنطقة مستشفى الكرنك يستخدم كمرسى سياحى للفنادق العائمة
هوية الأقصر البصرية
وينوه الدكتور ريحان إلى حرص القيادات المحلية على المحافظة على هوية الأقصر البصرية بإنشاء جدارية بطول 25 متر وارتفاع 6 متر ووضع شعار الهوية البصرية الخاصة بالأقصر باللغتين العربية والانجليزية وتطعيم الجدارية بالأحجار وعمل أحواض زهور أسفلها وإضاءتها بإضاءات حديثة غير مباشرة وعمل جداريات من الفنون الجميلة تعتمد فكرتها على الدمج بين الخط العربى وصور الرجل والمرأة المصرية من مصر القديمة ومن صعيد مصر مع توظيف المناظر الطبيعية الخلابة ورموزها الجميلة كالنخيل والمراكب الشراعية، هذا بالإضافة إلى عمل جداريات البوليستر تقوم بشكل أساسى على مشاهد من حياة المصرى القديم فى الحضارة المصرية القديمة.
وهى مزودة بإضاءة لإبراز جمالها ليلًا وإنشاء وفتح طرق حول طريق الكباش ابتداءً من كوبرى الكباش وصولًا إلى معبد الكرنك وإعادة تأهيل الجزيرة الوسطى بطريق المطار وجانبى الطريق بطول 7 كم بداية من بوابة المطار وصولًا إلى كوبرى المطار وعمل بردورات حدائق بطول الطريق ونجحت المحافظة فى إنشاء أربع حدائق جديدة حول معبد الكرنك وتزيين الطريق الدائرى الواصل بين طريق المطار إلى معبد الكرنك على طريق الكباش بمسطح حوالى 2000 متر، وأعمال تطوير كورنيش النيل من قاعة المؤتمرات الدولية حتى نهاية معبد الكرنك على النيل وتشمل ترميم الأعمدة المصنوعة بالحجر الصناعي.
طريق الكباش
وأشار الدكتور ريحان إلى أن طريق الكباش هو الطريق الذي يربط معبد الأقصر بمعبد الكرنك وكان يبدأ من الشاطئ شارع فسيح تحف به تماثيل لأبي الهول نجدها في معابد الكرنك مثلت على شكل أبي الهول برأس كبش والكبش هنا يرمز للإله آمون، ربما لحماية المعبد وإبراز محوره وقد أطلق المصري القديم على هذا الطريق اسم " وات نثر WAt-nTr " بمعنى طريق الإله، أما طريق الكباش في معابد الكرنك فقد عرف باسم " تا ـ ميت ـ رهنت " وترجمتها طريق الكباش أيضًا ويوجد علي طول الطريق البالغ 2.7 كم 1200 تمثال وعرض هذا الطريق 76م وكانت هذه التماثيل تنحت من كتلة واحدة من الحجر الرملي ذات كورنيش نقش عليه اسم الملك وألقابه وثناءً عليه مقامه على قاعدة من الحجر مكونة من أربعة مداميك من الحجر
والطريق عبارة عن ممشى من الحجر الرملى على جانبيه تماثيل على هيئة أبو الهول فمن الصرح العاشر بالكرنك إلى «معبد موت» يأخذ شكل جسم أسد ورأس الكبش، والجزء الأمامى من معبد خنسو يأخذ شكل الكبش الكامل، أمّا الجزء الممتد من معبد موت إلى معبد الأقصر فيأخذ شكل جسم أسد برأس إنسان وهو الجزء الأكبر من الطريق.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن الملك توت عنخ آمون كان له دور محورى فى تغيير رؤوس تماثيل أبو الهول من الشكل الآدمى إلى شكل الكبش وذلك تقربًا للمعبود آمون وهو يعد أقدم ملك عثر على اسمه محفورًا على قواعد التماثيل الخاصة بطريق الكباش خلافا لما قام به سلفه من الملوك وعلى رأسهم الملك إخناتون، فهو أول من قام بعمل رؤوس آدمية لبعض التماثيل وأقام تماثيل طريق المواكب الكبرى بين الصرح العاشر ومعبد موت شرق الكرنك وتمت أعمال ترميم فى فترة الملك آى وحور محب والملك رمسيس الثانى وسيتى الثانى وكبير الكهنة حرى حور شاركا فى أعمال ترميم الطريق
ويبلغ وزن كل كبش من خمسة إلى سبعة أطنان ويمثل الإله آمون رع ورمزه الكبش فى مصر القديمة وكان رمز القوة والإخصاب عند المصريين القدماء
ستون عامًا من الاكتشافات
ويرصد الدكتور ريحان ستون عامًا من الاكتشافات من خلال دراسة أثرية للدكتور مصطفى الصغير مدير معبد الكرنك وقد بدأت أعمال الحفائر الأولى على يد الآثارى زكريا غنيم فى 18 مارس 1949 بمعبد الأقصر وظهر أول تمثال واكتشف بعد ذلك أول أربعة تماثيل ثم وصل العدد إلى ثمانية تماثيل، وعرف أن الطريق يتجه جنوبًا، ثم كشف الدكتور محمد عبد القادر فى الفترة من 1956 - 1958 عن 14 تمثالًا أخر أعقبه اكتشاف الدكتور محمد عبد الرازق 1961 – 1964 لعدد 64 تمثالًا آخر لأبو الهول.
ومنذ منتصف السبعينيات حتى عام 2002 اكتشف الدكتور محمد الصغير والد الدكتور مصطفى الصغير الطريق الممتد من الصرح العاشر حتى معبد موت بمجموعة معابد الكرنك، والطريق المحاذى باتجاه النيل.
وفى الفترة من 2005 حتى 2006 قام الآثارى منصور بريك مدير الآثار وقتها بإعادة أعمال الحفر للكشف عن باقى الطريق والذى قام بصيانة الشواهد الأثرية المكتشفة ورفعها معماريًا وتسجيل طبقات التربة لمعرفة تاريخ طريق المواكب الكبرى عبر العصور وإعادة أعمال الحفر للكشف عن باقى الطريق بمناطق خالد بن الوليد وطريق المطار وشارع المطحن،وقام الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر الأسبق، بنزع جميع الأراضى ووضعها تحت بند منفعة عامة، مما أسرع من عجلة العمل وتسهيل عملية الحفر وفى 2017 تم استكمال الطريق بعد توقفه لعدة سنوات بعد عام 2011
ويتابع الدكتور ريحان بأنه تم الكشف عن 55 تمثالًا بواسطة الدكتور محمود عبد الرازق، وعاود الآثارى الدكتور محمد الصغير العمل على مسار الطريق والتى انطلقت من بداية الثمانينيات حتى أوائل الألفية الجديدة وشملت طريق حجرى مرصوف يتفرع من طريق المواكب الرئيسى أمام الصرح العاشر وأحواض دائرية بين قواعد التماثيل كانت مخصصة لزراعة الزهور وأحد تماثيل أبى الهول برأس كبش كاملًا وسور ومنطقة صناعية كبيرة لصناعة الأوانى الفخارية.
وبقايا مقصورة مبينة من الطوب الأحمر المختوم الذى يحمل اسم الملك ( من خبر رع ) من ملوك الأسرة الحادية والعشرين ومعاصر للنبيذ وهو أيضًا أول من حدد مسار الطريق واستمرت الاكتشافات منذ عام 1984 إلى عام 2000، والذى كان همها الأول والأخير الكشف عن طريق المواكب الكبرى، وتم الكشف عن الطريق الحجرى وعدد معصرتين للنبيذ فى حالة جيدة تعود إلى العصر الرومانى وكانت مرتبطة بالاحتفالات الخاصة على هذا الطريق حيث كان يتم توزيع النبيذ على جموع الشعب
كما كشف عن مبنى لغسل العنب مزودًا بأحواض ومواسير للصرف، كما تم الكشف عن مقياس للنيل يعود للأسر الـ 25 و 26، وتم الكشف عن مناطق صناعية خاصة بحفظ النبيذ والأنابيب الخاصة بنقل المياه فقد كانت هناك شبكة رى تروى الأراضى الزراعية من الجانبين تروى جميع النباتات مما يؤكد استخدام المصرى القديم للطوب الأحمر إلى عصر الأسرة الحادية والعشرين على الأقل خلافًا لما كان معروفًا قبل ذلك عن معرفته الطوب الأحمر فى العصر اليونانى الرومانى
طريق المواكب
ويوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان أن طريق الكباش أطلق عليه هذا الإسم نسبة إلى تماثيل أبى الهول ذات رؤوس الكباش أحد رموزالمعبود آمون المتراصة على جانبيه فيما بين معبد الكرنك و معبد موت وأطلق عليه طريق أبى الهول نسبة إلى تماثيل أبى الهول المتراصة على جانبيه بين معبد موت ومعبد الأقصر وأطلق عليه طريق المواكب الكبرى نسبة إلى الغرض الفعلى الذي من أجله أنشئ الطريق حيث استخدمه ملوك مصر القديمة كطريقًا مقدسًا للمواكب الدينية كما في عيد الأوبت وهى التسمية الأكثر دقة فى رأى الدكتور مصطفى الصغير مدير معبد الكرنك من حيث شمولية هذا الاسم على الطريق من بدايته إلى نهايته بعكس التسميتين السابقتين اللتين اختصتا بأجزاء بعينها من الطريق دون الأخرى
ويتابع الدكتور ريحان بأن ملوك مصر القديمة ساهموا فى طريق المواكب الكبرى بالبناء أو الترميم ومنهم حتشبسوت، توت عنخ آمون، آي، حورمحب، مرنبتاح، سيتي الثاني، رمسيس الثالث، نختنبو الأول، حيث أشارت حتشبسوت إلى قيامها ببناء ست مقاصير لاستراحة الزورق المقدس لآمون على جانبي طريق المواكب وسجلت ذلك على جدران مقصورتها الحمراء بالكرنك
وقام توت عنخ آمون بوضع رؤوس كباش على التماثيل الموجودة بين معبدى الكرنك وموت وسجل اسمه على قواعد التماثيل قبل أن يقوم كل من آي وحورمحب بوضع اسميهما على نقوش توت عنخ آمون كما سجل كل من مرنبتاح وسيتي الثاني ورمسيس الثالث أسمائهم على قواعد التماثيل فى مواضع مختلفة بينما قام كبير كهنة آمون "حريحور" الذى تم تنصيبه ملكًا بعد ذلك بعمل ترميمات للتماثيل وسجل ذلك بنص على مقدمة قواعد التماثيل كما قام الملك نختنبو الأول ببناء الطريق فيما بين معبد موت ومعبد الأقصر
ويشير الدكتور ريحان إلى أن طريق الكباش الحالى ينتهى عند البيلون الأول وهو أضخم بيلون فى مصر كلها وأسهم فى بنائه عددًا كبيرًا من الملوك، والطريق فى شكله الحالى وما يحف به من كباش يرجع إلى عصر رمسيس الثانى ويبلغ عدد الكباش فى كل صف من الطريق فى الجزء الخارجى الذى يمتد من المرسى حتى الصرح الأول 20 كبشًا، والجزء الداخلى عدد 13 فى الناحية الجنوبية و19 كبشًا فى الجهة الشمالية ولا يزال طريق الكباش يحتفظ بجماله
احتفالية عيد الأوبت
ولفت الدكتور ريحان إلى أهمية عيد الأوبت فى تاريخ مصر القديمة حيث أن مهرجان الأوبت أو الإبت هو احتفال مصري قديم كان يقام سنويًا في طيبة (الأقصر) في عهد الدولة الحديثة وما بعدها، وفيه كانت تصطحب تماثيل آلهة ثالوث طيبة - آمون وموت وابنهما خونسو - مخفيين عن الأنظار داخل مراكبهم المقدسة في موكب احتفالي كبير من معبد آمون في الكرنك إلى معبد الأقصر في رحلة تمتد لأكثر من 2كم وما يتم إبرازه في هذا الطقس هو لقاء أمون رع من الكرنك مع أمون الأقصر وتجديد الولادة هو الموضوع الرئيسي في احتفال الإبت، وعادة ما يتضمن احتفالية لإعادة تتويج الملك كذلك.
وأضاف الدكتور ريحان بأن الاحتفالات الأولى من مهرجان الإبت، كانت تماثيل الإله تؤخذ عبر طريق الكباش الذي يربط بين المعبدين، وتتوقف في المعابد الصغيرة التي شيدت خصيصًا في طريقها، وهذه المعابد الصغيرة أو الأضرحة كان يمكن أن تكون مليئة بالقرابين، المهداة للآلهة أنفسهم وللكهنة الحاضرين للطقوس كذلك. وفي نهاية الاحتفالات في معبد الأقصر، تغدو المراكب المقدسة عائدةً مرة أخرى إلى الكرنك، وفي الاحتفالات المتأخرة من تاريخ مصر، كان يتم نقل التماثيل من وإلى الكرنك عن طريق القوارب في النهر وليس عبر طريق الكباش البري ويُعقد احتفال إبت في الشهر الثاني من فصل أخت وهو موسم فيضان نهر النيل.
كما كان يبحر قارب ملكي كذلك مع قوارب الآلهة المقدسة، وكانت الطقوس في ما يعرف بـ "غرفة الملك الإلهي" تعيد الاحتفال بتتويج الملك وبالتالي تؤكيد أحقيته بالمُلك.
ويوضح الدكتور ريحان أن مدة الاحتفال كانت عشرة أيام تترك خلالها قوارب المعبودات مقاصيرها بالكرنك فى الشهر الثاني من موسم الفيضان وتذهب إلى معبد الأقصر، ثم تعود إلى الكرنك بعد عشرة أيام، وقد اختلفت عدد أيام الاحتفال بهذا العيد، ففي الأسرة 18 كان الاحتفال به لمدة 11 يوم، وفي الأسرة 19 كان 21 يوم وفي الأسرة 20 كان 27 يومًا.
وتبدأ المناظر بعيد الأوبت من الركن الشمالي الغربي من صالة الأعمدة بمعبد الكرنك وتنتهي في الركن الشمالي الشرقي، حيث نجد توت-عنخ-آمون وهو يحرق البخور ويقدم القرابين والزهور لآمون والصور المقدسة للأرباب بعدها تحمل القوارب لتخرج من الصرح أو بوابة المعبد الذى بناه أمنحتب الثالث، "هو حاليًا الصرح الثالث لمعبد الكرنك" حتى تصل إلى شاطئ النهر حيث توضع على متن المراكب التى تجر بالحبال فى اتجاه الجنوب حتى تصل إلى معبد الأقصر يصاحبها حملة الأعلام وكبار الموظفين والجنود والموسيقيون من عازفى الطبول والأبواق والمغنيين والراقصين النوبيين.
ولفت الدكتور ريحان إلى استقبال الموكب عندما يصل إلى معبد الأقصر بواسطة قادة العجلات الحربية والجنود والراقصون والموسيقيون وحملة القرابين والجزارون الذين يذبحون الثيران المقدمة كقرابين، ثم يحمل الكهنة القوارب ثانية ليمروا بها بين القرابين المكرسة والرقصات الأكروباتية والموسيقيين حتى يضعوها على قواعدها في داخل مقاصيرها.
وأوضح أن مظاهر الاحتفال مصورة بمعبد الأقصر فى عدة مناظر على الجدار الغربى من الفناء الأول لرمسيس الثانى وعلى الجدار الغربى لبهو 14 العمود الخاص بالملك أمنحتب الثالث والذى ربما أكمله الملك توت عنخ آمون ونقشه بمناظر عيد الأوبت وهناك مناظر على المقصورة الحمراء للملكة حتشبسوت بمعبد آمون رع بالكرنك ومعبد الرامسيوم الخاص برمسيس الثانى
أعمال الترميم والتطوير
ويرصد الدكتور ريحان مجهودات وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العنانى والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيرى وفريق العمل من آثاريين ومرممين ومهندسين ومصورين فى أعمال الترميم والتطوير التى مهدت لهذا الافتتاح العالمى وقد بدأت أعمال الترميم والتطوير منذ نوفمبر 2019،وقد تم ترميم 19 كبشًا من الكباش داخل فناء معابد الكرنك فى الجهة الشمالية والذى أعاد الحياة فى الجهتين الشمالية والجنوبية بالفناء والبالغ عددها 48 كبشًا تم إنقاذها بالكامل.
كما تم مشروع قومى لإنقاذ 29 تمثالًا للكباش داخل معابد الكرنك، وذلك بعد نقل أربعة تماثيل كانت متواجدة خلف الصرح الأول بالمعبد لتزيين ميدان التحرير، وقد تبين أن باقى التماثيل تعانى من ضرر ودمار كبير نتيجة سوء نقلها وتخزينها فى تلك المنطقة من السبعينات وقت افتتاح عروض الصوت والضوء وتقرر ترميمها وحمايتها من الدمار بعد التصوير الفوتوغرافى لها ورسم توثيقى لإظهار مظاهر التلف
وأشار الدكتور ريحان إلى أخطاء الترميم السابقة من رفع هذه الكباش على طبقة من الرديم الحديث المغطى بمونة من الأسمنت والطوب الأحمر وقطع صغيرة من الأحجار الأمر الذى أثر سلبًا عليها وسمح بتسرب المياه الجوفية فيما بين الجزء السفلى لها والوصول إلى قاعدة الكبش ومصدرها من نهر النيل لقرب المعبد من نهر النيل والتى أدت إلى تحويل بعض أجزاء منها إلى بودرة رملية
كما أدى ظهور بعض النباتات فى فواصل الأحجار للكباش وجذور النباتات إلى زيادة الضغط فى الفواصل مما ساهم فى زيادة الشروخ علاوة على نمو للبكتيريا فى الأماكن الرطبة بالحجر وظهور بعض التعفنات، ومن أخطاء الترميم القديم وضع مونة أضرت بالتماثيل مكونة من الأسمنت الأسود المحفز للأملاح علاوة على أن صلابته أشد من صلابة الحجر نفسه مما أدى لانفصال وتدهور القشرة الملامسة للأسمنت الأسود
وعن مجهودات مرممى المجلس الأعلى للآثار يوضح الدكتور ريحان بأنهم قاموا بالمعالجة لكل هذه الأمور بوضع هذه التماثيل على مخدات أعلى قواعد حجرية متجاورة كلًا على حده، كما تم عمل معالجة أرضية هذه القواعد وحمايتها من المياه الجوفية تم التنظيف الميكانيكى لكل كبش لإزالة الأتربة وتقوية الأجزاء الضعيفة منها باستعمال المواد المخصصة لها والمتعارف عليها عالميًا، أمّا الأجزاء الكبيرة فتم استعمال الاستانلس المقاوم للصدأ لتجميعها وبعد الانتهاء من أعمال الترميم، تم وضع تلك الكباش على مصاطب كبرى تتحمل ثقل كل كبش والذى یتراوح وزنه ما بين 5 إلى 7 أطنان.
كما وجد الكبش الأول مفصول لعدة أجزاء بالإضافة إلى فقد فى الأجزاء السفلية، وتم عمل تدعيم بالأسياخ الستانلس للأجزاء المنفصلة وإعادة لصقها ببعض مواد اللصق الكيميائية المتعارف عليها فى ترميم الآثار حول العالم حاليًا والمطابقة للمواصفات، وتم عمل رفع مقاسات للأرض لعمل تربة إحلال وعزل للتربة لتجنب عملية الرطوبة مرة أخرى لحماية الكباش بعد إعادتها لموقعها الأصلى من جديد.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن فكرة الترميم اعتمدت على محورين الأول نقل الكباش من مكانها وحفر خندق بعرض 2 متر تقريبًا وعمق متر ونصف وردم أرضية هذا الخندق بالزلط والرمال الحديثة لمنع المياه الجوفية من التأثير السلبى على التماثيل لأنها منحوتة من الحجر الرملى، والذى يتأثر بسرعة بالماء والرطوبة الموجودة فى التربة مع عمل قاعدة خرسانية حديثة لوضع التماثيل عليها بعد انتهاء أعمال الترميم والصيانة وكل هذه الأعمال تمت بواسطة فريق متخصص من الأثريين والمصورين والمرممين والفنيين التابعين لوزارة السياحة والآثار وتحت إشراف الوزارة مباشرة وبالتنسيق مع منطقة آثار الكرنك.
وقد أشادت بهذا العمل المبهر السيدة ميتشيلد روسلر، مديرة مركز التراث العالمى، التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) وخبراء المنظمة، حين زيارتهم لمعبد الكرنك وهناك أسماء عديدة من آثارى ومرممى وزارة السياحة والآثار يستحقون تسجيل أسماءهم فى لوحة شرف ومنهم الدكتور مصطفى الصغير والدكتور صلاح الماسخ وخبراء الترميم بوزارة السياحة والآثار محمد جاد وسعدى زكى
وتابع الدكتور ريحان بأن العالم كله يشهد بهذه الإنجازات التى أنقذت تماثيل الكباش ورفعها بالكامل وإظهار جمالها ووضعها على وسائد جديدة صممت خصيصًا لحمايتها وزيادة عمرها الافتراضى لمئات السنين المقبلة كما تم ترميم ورفع كفاءة 29 تمثالًا من الكباش فى الجهة الجنوبية وعدد 19 تمثالًا فى الجهة الشمالية، وتجهيز معرضًا للصور النادرة من القرن الـ 19 تروى تاريخ معابد الكرنك والأقصر وطريق المواكب الذى يربط بين المعابد، وأهم الاكتشافات الأثرية وصور ومناظر للأعياد والاحتفالات التى كانت تقام فى العصور القديمة
وسيتم تصوير فيلم خاص بهذه الاحتفالية من إخراج تامر محسن يسجل به جميع مراحل الترميم بمعبد الأقصر والكرنك و معبد خنوم بإسنا، وتصوير جميع الأماكن الأثرية فى محافظة الأقصر، كما تم تزويد هذه الصور ببطاقات تعريفية وعمل كيو آر كود (QR Code) لها لتحويل الزائر على الموقع الإلكترونى للوزارة لمزيد من المعلومات عن الصور والمعرض والطريق كما جاء فى تصريحات الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار
ويطالب الدكتور ريحان بعمل فيلم روائى يسجل هذا الحدث على غرار فيلم " الحقيقة العارية " الذى سجل بالصوت والصورة وأصبح وثيقة تاريخية لبناء السد العالى بطولة ماجدة وإيهاب نافع وعبدالمنعم إبراهيم من تأليف محمد عثمان وإخراج عاطف سالم.
وتدور أحداثه حول قصة ماجدة تعمل مرشدة سياحية وهى مضربة عن الزواج، لأنها معقدة من طلاق أمها تذهب مع وفد سياحى لزيارة السد العالى وهناك تلتقى بالمهندس إيهاب نافع ويحدث سوء تفاهم في أول الأمر لأن إيهاب كان يعتقد أن عبدالمنعم إبراهيم أحضر له عروسة من مصر وتتوالى الأحداث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق