علاء الدين ظاهر
مفاجأة تاريخية كشفها محمود توني شعبان كامل باحث دكتوراة بكلية الأثار جامعة الفيوم عن خريطة لمدينة القصير وضعها الألماني كارل بنيامين كلوسنجر 1875م،حيث أن هذه الخريطة مزيفة طبقا لما توصل إليه الباحث.
وقال الباحث:في بادئ الأمر يجب أن أشير إلى أن الطبيب الألماني كارل بنيامين كلونسنجر KLUNZINGER هو طبيب ألماني قامت الحكومة المصرية بتعينه سنة1864م كطبيب في الحجر الصحي بمدينة القصير في عهد الخديوي إسماعيل نظراً لكثرة الأوبئة وتفحش الكوليرا في مواسم الحج, وخاصة بعد أن اشتدت الكوليرا في بلاد الحجاز عام 1858م, وهلك بسببها عشرات الآلاف من الحجاج, وانتقلت إلى مصر واستانبول بواسطة الحجاج.
لذا حرصت الدولة المصرية على فرض الحجر الصحي على القادمين من الخارج, ومن تلك التدابير تعيين طاقم طبي للحجر الصحي بمدينة القصير وعلى رأسهم الطبيب الألماني كارل بنيامين كلونسنجر.
وتابع:عاش الطبيب الألماني عشرة سنوات يعمل في الحجر الصحي ما بين القصير وقنا, وسجل ووثق العديد من المشاهدات والأحداث أثناء فترة عمله في كتابه الموسوم"Upper Egypt " والمنشور عام 1878م.
وعندما بدأت في مشروعي البحثي حول مدينة القصير صادفت خريطة القصير المنسوبة إلى الطبيب الألماني كارل بنيامين كلونسنجر والمؤرخة بعام 1875م, وتظهر بهذه الخريطة أغلب البيوت والمساجد والقباب والوكالات والقنصليات والشوارع والحارات القديمة بالمدينة.
وقد صادفت العديد من الدراسات السابقة والتي تناولت هذه الخريطة بشكل مفصل, وقد لعبت تلك الخريطة دوراً محورياً في تلك الدراسات العلمية, فقد شكلت تلك الخريطة سنداً أثرياً ووثائقياً لهم في تأريخ العمائر والمنشآت التي تخلو من وجود نصوص إنشاء بها والتي لم يرد لها ذكر في الوثائق الرسمية للدولة.
فقد ظهرت هذه الخريطة في بعض الدراسات العلمية المحكمة منها رسالة ماجستير عن مدينة القصير, كما ظهرت الخريطة في العديد من الكتب المؤلفة عن مدينة القصير وأثارها القديمة, وحالياً هناك بعض الباحثين يعملون على هذه الخريطة في أبحاثهم ودراساتهم, وللأسف بالبحث والتحري تبين لي أن هذه الخريطة ليس لها أي أساس.
وعندما تعرضت بدوري البحثي لهذا الخريطة للاستعانة بها في دراستي العلمية انتابني الشك في أصولها وهويتها وذلك ل3 أسباب،اولها التناقضات بين ما نصت عليه الوثائق الرسمية للدولة ومضمون هذه الخريطة،وثانيا تعريب الخريطة باللغة العربية دون تسجيل وتوقيع اسم معرب الخريطة.
والسبب الثالث عدم ذكر المصدر الأصلي الخاص بهذه الخريطة ورقم الصفحة, والذي يُفترض أنه كتاب الطبيب الألماني الموسوم"Upper Egypt " لأن من قام بتعريب الخريطة سجل عليها أنها نقلاً عن الطبيب الألماني كارل بنيامين كلوسنجر دون توثيق اسم المصدر ورقم الصفحة.
الألوان الحديثة وتنوعها في هذه الخريطة للتمييز بين بعض الحارات القديمة.
وإستكمل الباحث قائلا:عندها قررت العودة إلى المصدر الأصلي للحصول على الخريطة الأصلية, لأن هذه الخريطة بهذه الحالة أصبحت مشوهه وتالفة ومنقوصة, وعندما طالعت كتاب الطبيب الألماني كانت المفاجأة, لم أجد هذه الخريطة به, وعندها بدأت الشكوك تتزايد, أحسنت الظن بعض الشيء حتى انتهي من تتبع هذه الخريطة.
وإعتقدت في البداية أن الطبيب الألماني كلوسنجر ربُما لم يرسمها بنفسه, وأنه رُبما تم رسم الخريطة من خلال وصف هذا الطبيب لمدينة القصير عام 1875م, وعندها طالعت متن الكتاب(Upper Egypt) فوجدت أن الطبيب الألماني لم يتحدث عن تلك الأبنية والمنشآت أو يذكر أسمائها أو مواقعها أو أوصافها أو حتى تاريخ إنشائها أو أي شيء يخصها, وهنا تأكدت أن هذه الخريطة مزورة ولا تخص الطبيب الألماني كارل بنيامين كلوسنجر.
وبدأت في مرحلة أخرى وهي مرحلة تتبع الوثائق الرسمية لمحكمة القصير الشرعية ومطابقتها بتواريخ انشاء بعض العمائر والمنشآت القديمة الواردة بالخريطة, ومدى ظهورها في الخريطة من عدمه, فوجد العديد من التناقضات الكثيرة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ظهور ضريح الشيخ المهدلي في وثائق بيع بعض المنازل بمدينة القصير, حيث ظهر الضريح في الوثائق كأحد الحدود المتاخمة لهذه المنازل, منها وثيقة بيع منزل قائم البناء ببندر القصير وهذه الوثيقة مؤرخة بعام 1276ه/1859م, ووثيقة بيع منزل أخر مؤرخة بعام 1278ه/1861م.
ويتضح من تاريخ الوثيقة الأولى والثانية أن ضريح الشيخ المهدلي كان موجود قبل عام 1875م, كما توجد وثيقة رهن لمنزل آخر بالقصير مؤرخة بعام 1300ه/1882م كان ضريح الشيخ المهدلي متاخم له, وهذه الوثيقة تؤكد أن ضريح الشيخ المهدلي كان قائماً وموجود بعد عام 1875م, وبالرغم من ذلك لم يظهر ضريح الشيخ المهدلي في خريطة مدينة القصير المؤرخة بعام 1875م والمنسوبة للطبيب الألماني كلوسنجر, بالرغم أن الوثائق الرسمية أثبت وجود الضريح قبل تاريخ 1875م وبعد تاريخ 1875م فكيف اختفى الضريح ولم يظهر في هذه الخريطة.
مثال أخر هو ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي تم انشائه بعد تاريخ الخريطة بــــــ17عام, وبالرغم من ذلك ظهر الضريح في هذه الخريطة, فقد ذكر الأستاذ كمال الدين حسين( المرحوم همام) أن تاريخ انشاء الضريح1310ه وهو الموافق 1892م وبالرغم من ذلك ظهر الضريح في خريطة القصير 1875م؟
وبمقارنة الوثائق الرسمية الصادرة عن محكمة القصير الشرعية بما ورد في خريطة القصير المنسوبة للطبيب الألماني كلوسنجر والمؤرخة بعام 1875م, يتضح أن الخريطة ليس لها أي أساس, نتيجة الكثير من التناقضات بين الخريطة وبين نصوص الوثائق الرسمية الخاصة بمحكمة القصير الشرعية, وهو ما يؤكد عدم صحة هذه الخريطة وزيفها, فالوثائق الرسمية تُمثل وثائق وحجج غير قابلة للطعن أو التشكيك فيها.
وقد خلفت هذا الخريطة الكثير والكثير من الأثار السلبية في تاريخ وأثار مدينة القصير, فقد اعتمدت عليها الدراسات العلمية بشكل يفتقد إلي المنهجية العلمية, وتم تداول الخريطة في العديد من الدراسات العليمة والأبحاث والكتب التي تناولت تاريخ وأثار مدينة القصير, وعجت تلك المؤلفات بالكثير من الأخطاء التاريخية والعلمية.
واضاف الباحث:وحالياً يعكف الكثير من الباحثين على دراسة مدينة القصير من واقع تلك الخريطة, ومنعاً لمزيد من الأخطاء والحد من تلك الكارثة, قررت أن أعلن عن هذه الكارثة العلمية بالرغم أنها تمثل أولى النتائج الهامة في دراستي العلمية لدرجة الدكتوراه في الأثار, فالمصلحة العامة والحد من تداول هذه الخريطة, وعدم تضليل الباحثين والعامة هو هدف أسمى من أي درجة علمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق