05‏/12‏/2022

باحثة درست تصورات المصري القديم عن العالم الآخر ونالت دكتوراة بمرتبة الشرف الأولي..صور

علاء الدين ظاهر 

تعددت تصورات المصري القديم حول مكان العالم الآخر حيث لجأ للإشارة له في نصوص الأهرام بالعالم السماوي الأخروي كمكان للمثوى بعد الموت، وقد تنوعت النصوص التي تصف العالم الآخر وكيفية وصول المتوفى إليه، وحمايته مما قد يواجهه من شرور فى ذلك العالم.




ما سبق حقائق تاريخية مهمة جاءت في معرض رسالة دكتوراة متميزة صاحبتها الباحثة إيمان السعيد علي مصطفي بدوي،وتمت مناقشتها في قسم الآثار المصرية بكلية الآداب جامعة المنصورة،والرسالة جاءت بعنوان"وصف العالم الآخر علي توابيت ملوك الدولة الحديثة-دراسة تحليلية".







ضمت لجنة المناقشة والحكم كل من أ.د.نهاد كمال الدين شعبان أستاذ الأثار المصرية ورئيس قسم الأثار المصرية بكلية الأداب جامعة المنصورة ،وأ.د.محمود الزراعى الصاوى الحمراوى أستاذ اللغة المصرية القديمة- بكلية الأثار بجامعة سوهاج،وأ.د.مفيدة حسن عبد الواحد محمد الوشاحى أستاذ الأثار المصرية القديمة بقسم الإرشاد السياحى ووكيل كلية السياحة والفنادق لشئون الدراسات العليا والبحوث بجامعة السويس.




# فرحة النجاح 

وقد كانت رسالة الدكتوراة ثرية بالمادة العلمية فيما يتعلق بموضوعها،وقد أشادت اللجنة بجهد الباحثة وما قامت به من عمل،وعليه قررت اللجنة منحها درجة الدكتوراة بإمتياز مع مرتبة الشرف الأولي،مع التوصية بطبع الرسالة ونشرها وتداولها مع الجامعات الأخري،وذلك لتعظيم الاستفادة منها،وهو ما قوبل بعاصفة من التصفيق والفرحة من زملاء وأقارب الباحثة الذين حضروا المناقشة وهنأوها.







ومن ضمن ما جاء بالرسالة أن العالم الآخر أشارت له نصوص التوابيت بأنه العالم الأخروي السفلى نظرا لغلبة الطابع الأوسيرى، حيث أصبح الحديث عن العالم الأخروي السفلى أكثر من الحديث عن العالم السماوي، وبعد أن كان يصور المتوفى على أنه "أوسير" يصعد للسماء، أصبح "رع" يصور ينزل للعالم السفلى "دوات".




# صورة مرئية 

وقد تطور الأمر بعد ذلك ولم يكتف المصري بالإشارة لذلك العالم في النصوص الدينية بل حاول رسم ما به من أحداث، ويعد كتاب الطريقين أول محاولة لوصف العالم الأخر جغرافيا،واكتملت الصورة في عصر الدولة الحديثة من خلال العديد من الكتب الدينية التي لجأ فيها المصري القديم إلى رسم صورة مرئية للعالم الآخر لتُشبع ما بداخله من إبداع فكرى في إظهار كافة جوانب هذا العالم الغامض بأدق التفاصيل، بداية بتخيله لمكان هذا العالم، وكيفية الوصول إليه ودخوله.






 والوصف الدقيق لمناطق هذا العالم، وما يدور فيها من أحداث والحوارات بين مركب الشمس وتابعيه وبين الحراس، والمخلوقات والمعبودات الموجودة في هذه الأماكن، والوسائل التي تساعد "إله الشمس" وأتباعه من الأرواح المبرأة على اجتياز المخاطر الكثيرة التي تعوق المركب أثناء رحلتها الليلية حتى تصل إلى نهاية الرحلة والخروج منها ليضمن بذلك إعادة الميلاد في الأفق الشرقي، وتُعرف هذه النصوص بأنها كتب العالم السفلى أو العالم الآخر، وتهدف هذه النصوص لإمداد المتوفى وتزويده بالمعرفة الضرورية عن العالم الآخر.




# جدران المقابر 

وإنتقل تصوير هذا العالم من على جدران المقابر إلى جوانب التوابيت وأغطيتها، لما للتابوت من أهمية بالغة في تجسيد العالم الآخر بذاته أو من خلال المناظر والنصوص التي سجلت عليه من كتب العالم الآخر، كما اعتقد المصريون أن التابوت يمثل الكون كله، قاعدته هى الأرض و يمثل عليها المعبود "جب" أو التلاوات الخاصة به.






 وغطاؤه هو السماء حيث كانت تصور "نوت" على الغطاء من الداخل وحولها نجوم السماء، بالإضافة إلى أن الغطاء كان يصور على شكل مقبى حتى يماثل قبة السماء، وأن ما يتم بداخله من أحداث يلخص رحلة المتوفى بين العالم السفلى وبين السماء.

 ‏

 ‏

 ‏وهدفت الدراسة إلى إلقاء الضوء على وصف مشاهد العالم الآخر بداية من الدخول لهذا العالم والمخاطر التي تواجه "إله الشمس" وأتباعه وكيفية التغلب على قوى الشر، مناطق الجحيم والنعيم، وكيفية وصف مشاهد بعث "أوسير" من خلال الإتحاد بينه وبين الإله "رع" وغيرها من أماكن العالم الآخر حتى ينتهى بوصف الخروج من ذلك العالم بإعادة ميلاد إله الشمس في الشروق.

 ‏

 ‏

# توابيت الملوك 

 ‏وتتبع تلك المشاهد على جوانب التوابيت وتوضيح مغزى تصوير تلك المشاهد في مناطق معينة فبالرغم من تعدد الدراسات السابقة التي تناولت التوابيت إلا أنها ركزت على العالم بشكل عام دون التركيز على توضيح مغزى تصوير تلك المشاهد من العالم الأخر تحديدا دون سواها على جوانب التابوت، وتم الاقتصار على توابيت ملوك الدولة الحديثة حتى يمكن تغطية الموضوع من كافة الجوانب.







وتضمنت الرسالة 5 فصول،ناقشت خلالها الباحثة تصورات المصري القديم المختلفة عن العالم الآخر،ومسميات العالم الآخر عند المصري القديم وكيفية ارتباطه بالتابوت وأهميته في تجسيد العالم الآخر بذاته أو من خلال المناظر والنصوص التي سجلت عليه من كتب العالم الآخر.




 وجاء الفصل الأول بعنوان"وصف الدخول إلى العالم الآخر" وتناول دراسة للنقوش والمناظر المصورة على توابيت ملوك الدولة الحديثة والتي عبر فيها المصري القديم عن كيفية دخوله العالم الآخر سواء عن طريق فتح أبواب السماء أو عن طريق البوابة الغربية فى الأفق الغربي.




# جحيم وعقاب 

والفصل الثاني"وصف الجحيم والنعيم"تناول دراسة للنقوش والمناظر المصورة على توابيت ملوك الدولة الحديثة والتي تصف مناطق العالم الآخر من بحيرات لهب وجزر نار وتصف جحيم وكيفية عقاب المدانين والمذنبين من خلال التقييد والذبح أو الحرق، ومناطق النعيم وحقول الجنة وما يتنعم به الأبرار حيث قامت هذه البحيرات بأدوار مزدوجة ومن خلال النصوص يتضح دورها فى كل منطقة من مناطق العالم الآخر.







أما الفصل الثالث"وصف التغلب على قوى الشر"تناول دراسة للنقوش والمناظر المصورة على توابيت ملوك الدولة الحديثة والتي تصف كيفية مواجهة قوى الشر المتمثلة فى الثعبان "عابب" "أبوفيس" بصوره المختلفة وهو يحاول عرقلة مركب الشمس ومنعها من التقدم في مناطق مختلفة من العالم الآخر ودور الآلهة المختلفة فى مساعدة مركب الشمس ودرء وهزيمة هذا الخطر.  




والفصل الرابع"وصف البعث"تناول دراسة للنقوش والمناظر المصورة على توابيت ملوك الدولة الحديثة والتي تصف المناطق التي يتم بداخلها أحداث بعث "اوسير" والموتى الأبرار،والفصل الخامس جاء بعنوان"وصف الخروج من العالم الآخر"وتناول دراسة للنقوش والمناظر المصورة على توابيت ملوك الدولة الحديثة والتي عبر فيها المصري القديم عن كيفية الخروج من العالم الآخر. 




# عدة صعوبات 

وواجهت الباحثة عدد من الصعوبات،منها تدمير عدد من التوابيت سواء تدمير كامل أو جزئى، وصعوبة تمييز النقوش والمناظر المصورة عليها، بجانب استخدام مراجع بلغات أجنبية متعددة وأستغرق وقت طويل للترجمة، بالإضافة أن بعض المراجع تكتفى بعرض النقوش دون ترجمة، والبعض الآخر يكتفى بذكر تاريخ التابوت دون توضيح النقوش أو المناظر المصورة عليه وكان على الباحثة مقارنتها بتوابيت أخرى في عصور لاحقة،كما تعذرت رؤية نقوش بعض المناظر المصورة على التوابيت لذا تم الرجوع لمصدر الكتاب الدينى مثل كتاب الإمى دوات. 






وإعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي عبر تقديم حصر شامل لتوابيت ملوك الدولة الحديثة،وترتب على هذا الوصف دراسة تحليلية للوصول إلى صورة متكاملة لمناطق العالم الآخر ومايتم بداخلها من أحداث، وتتبع أهم المشاهد التي حرص المصري القديم على تصويرها من بين الكتب الدينية المختلفة على توابيت ملوك الدولة الحديثة.




# حياة خالدة 

وقد لعب التابوت دوراً هاماً فى معتقدات المصريين الميلاد الجديد إذ اعتبر التابوت تجسيداً للمعبودة الأم "نوت" التى تضم المتوفى داخل رحمها لتلده من جديد وتمنحه بذلك الميلاد حياة إلهية خالدة، ولذا أرتبط التابوت بالمعبودة "نوت" التى صورت داخله وخارجه وهى ناشرة ذراعيها كأنها تحتضن المتوفى كى تلده مرة أخرى فى العالم الأخر.



 وهذا التشبيه يتناسب مع تعريف المتوفى باعتباره "أوسيرفلان" سيد الموتى الذى لقب بأبن "نوت" كما يتناسب أيضا مع إعتبارة "رع" الشمس الذى تقوم المعبودة "نوت" بابتلاعه وولادته كل يوم أثناء مسيرته داخل جسدها فى المركب المسائية msktt، كما كان يأمل المتوفى بأن تحمله على جسدها بين النجوم، وتلك النجوم كانت تمثل أرواح الأبرار من الموتى ولذلك فإن ولادة "نوت" للمتوفى تعنى تحوله إلى نجم بين نجوم الشمال التى لا تفنى، إلى جانب المعبودة "نوت". 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق