علاء الدين ظاهر
تعد دراسة النقود الإسلامية من أهم فروع الفنون الإسلامية فى مجال البحث العلمى وذات طابع مميز وفريد فى ميدان علم الآثار، حيث أنها تستهوي العديد من الباحثين والهواة على حد سواء، لما تتمتع به من قدرة فائقة على التعبير عن المجتمع الذى سُكت به من عدة أوجه.
ومن هؤلاء الباحثين حمدي عبدالفتاح أحمد عيد الذي حصل علي درجة الماجستير في الآثار الإسلامية بتقدير ممتاز،وذلك عن رسالة علمية أعدها بعنوان"نقود السلطان الإيلخاني أولجايتو محمد خدابنده (703-716ه/1304-1316م) دراسة أثرية فنية"،مع توصية من لجنة الحكم والمناقشة بالطبع وتداول الرسالة مع الجامعات الأخرى.
ضمت لجنة الإشراف والمناقشة والحكم كل من أ.د.رأفت محمد النبراوي أستاذ المسكوكات والآثار الإسلامية وعميد كلية الآثار جامعة القاهرة سابقاً،وأ.د.عاطف سعد محمد محمود أستاذ الكتابات والآثار الإسلامية ووكيل كلية الآثار جامعة جنوب الوادي لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة،وأ.د.عزه عبد المعطي أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة،وأ.د.رمضان صلاح أستاذ الآثار والمسكوكات الإسلامية بكلية الآداب جامعة طنطا.
مجال السٌَكة
وأهمية دراسة النقود الإسلامية جعلت الباحث شغوفا باختيار مجال السكة بصفة عامة للبحث والدراسة،وكانت له أسبابه في ذلك،وأهمها كما قال أن هذا الموضوع لم تفرد له من قبل دراسة وافية متأنية تغطيه من كل جوانبه؛ على الرغم من كثرة المؤلفات والأبحاث العلمية فى مجال المسكوكات الإسلامية، إذ إن معظم ما نشر عن نقود السلطان أولجايتو كانت عبارة عن مجرد إشارات عابرة، إن غطت جانباً منها فاتها جوانب أخرى مهمة وكثيرة.
وقال الباحث:من الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع أيضا هو محاولة التطرق والعمل لوضع لبنة في صرح الدراسات الآثرية تجاه النقود الإيلخانية بصفة عامة ونقود السلطان أولجايتو محمد خاصة، والتي يوجد بها فراغ ينبغي للدارسين في مجال المسكوكات تركيز دراستهم نحوه،مما زاد الباحث تشجيعا على دراسة هذا الموضوع الجديد وجود مجموعة من قطع النقود التي سكت في عهد السلطان أولجايتومحمد، معبرة عن ديانته.
الإصلاح النقدي
فمنذ اعتناقه الدين الإسلامي انتمي إلي المذهب السني وبالأخص(الحنفي ثم الشافعي)، وتحوله إلى المذهب الشيعي، ثم المذهب السني في نهاية حياته تارة أخرى، مما جعل الباحث مولعا تجاه هذا السلطان، وعن الأسباب التي دعت لذلك،وهذا ما سرده ووصفه خلال رحلة بحثه.
وأوضح أن نقود هذا السلطان لم تأخذ قسطها ونصيبها من قبل الباحثين والدارسين في علم المسكوكات خاصة أنها تبعت الإصلاح النقدي الثاني؛ إذ مرت النقود الإيلخانية بمرحلتين من الإصلاح النقدي، كانت الأولي في عهد السطان أباقاخان في الفترة ما بين عامي(671-673ه).
والثانية في عهد السلطان غازان محمود سنة 696ه، مما جعل الباحث يختار هذه النقود، والوقوف علي أهم مركز دور الضرب في عهد السلطان أولجايتومحمد، والتي تنوعت مابين دار ضرب بغداد، تبريز، نيسابور، شيراز، تفليس، قونية، وغيرها من الدور المختلفة.
تصحيح الأخطاء
الباحث في الدراسة حاول جاهداً تصحيح أخطاء وتأريخ العديد من القطع سواء كانت في تاريخها، أو دار سكها، أو كتاباتها وما إلى ذلك،و تنوع اللغة التي ضربت بها نقود هذا السلطان، مابين اللغة العربية، واللغة الأويغورية،حيث تملكت الباحث رغبة في التعرف على النقود التي ضربها السلطان أولجايتو بعد إسلامه وإعتناقه المذهب الشيعي وذلك لتتبع التغيرات التي طرأت على نقوده، ولمعرفة أنواع وطرز النقود التي ضربت في العراق وإيران ومعرفة الأسباب التي أدت إلى ضرب تلك النقود.
ومن دوافع الباحث في الدراسة أيضا الكشف عن طرز جديدة قد تبرزها مجموعة الدراسة مما لم يسبق نشرها من قبل، ومن ثم تكون إضافة جديدة في مجال النقود الإسلامية بصورة عامة ولنقود السلطان أولجايتو والنقود الايلخانية بصفة خاصة، والتوصل أيضاً إلى معرفة الأسماء والألقاب والعبارات التي وردت على نقود هذه الدولة، ومحاولة تحليلها وبيان دلالاتها في ضوء الأحداث السياسية والدينية والاقتصادية التي شهدتها مدن الدراسة.
كما كان للخط نصيباً في هذا الدافع، إذ أن معرفة الخطوط المستعملة على نقود مجموعة الدراسة ومحاولة تتبع التطور الذي طرأ على الخط الكوفي، كما انفردت نقود السلطان أولجايتو بحملها الخط الأيغوري، والكتابات الشيعية التي لم تظهر على نقود إيلخانات المغول من قبل، ومتابعة ودراسة أثر الإسلام على نقود السلطان أولجايتو والكتابات الشيعية التي لم تظهر على نقود إيلخانات المغول من قبل.
بعض الصعوبات
ورغم تميز الدراسة التي قام بها الباحث،فلم يخل الأمر من صعوبات واجهته أثناء إعداد الدراسة،منها قلة المراجع العربية والتي كانت تتضمن في متنها إشارات عابرة حول هذا الموضوع وصعوبة الوصول إلى المتاحف العالمية، وصالات المزادات والمجموعات الخاصة.
وصعوبة استخراج تصاريح التصوير بالمكتبات العامة، ومكتبات الجامعات، والمتاحف المصرية والعالمية،وصعوبة ترجمة المراجع الأجنبية، وكذلك اللغة الأيغورية، مما تطلب مني الكثير والكثير من الوقت والجهد والمال للسير في دروب الدراسة المطلوبة.
وقال الباحث:كان من أشد الصعوبات المستجدة التي واجهت الدراسة وباء كورونا المستجد الذي هدد العالم بأكمله، مما صعب على الباحث المراسلات والتنقلات المختلفة من مكان لآخر، وغلق الكثير من الأماكن، وقلة وندرة الأبحاث، والمقالات العلمية في صدد هذا الموضوع، والتي لا تغطي جزء كافي للوقوف على جوانب الموضوع.
إشارة عابرة
وتابع الباحث قائلا:على الرغم من وجود العديد من الرسائل العلمية والمقالات والأبحاث التي تناولت النقود الإيلخانية ودور الضرب التي سكت بها؛ إلا أن الدراسات السابقة لم تتناول الموضوع من جميع جوانبه، حيث ما ذكر كان يقتصر على إشارة عابرة لبعض نماذج قطع نقود السلطان أولجايتو محمد، وبعضها كان يكتفي بذكر نموذج أو نموذجين أو ثلاثة فقط.
واضاف:فضلا عن إني حاولت الإطلاع قدر الإمكان على ما وقع تحت يدي من مصادر ومراجع ورسائل، وعلى حد علمي، فإني لم أجد بحثا متخصصا تناول نقود السلطان أولجايتو محمد بشكل مستفيض ، حيث اقتصرت أغلب الدراسات على إلقاء الضوء على حكام الدولة الإيلخانية بوجه عام، وتناولت معظم هذه الدراسات النقود الإيلخانية حتي الإصلاح النقدي الثاني الذي كان بحكم السلطان غازان محمود، وقامت هذه الدراسات بإلإشارة إلى نقود السلطان أولجايتو محمد ضمنياً وليس تفصيلياً.
خطة الدراسة
تضمنت الدراسة 4 فصول،تطرقت في الباب الأول لدراسة الدنانير الذهبية التي ضربها السلطان أولجايتو بداية من عام (703-7016ه). وامتازت الدنانير بالطرز المتنوعة والزخارف الكثيرة، فتضمنت (48)طرزا جاءت متمثلة ب(55) أخذت منهم (13) طرزا تمثلت ب (13) لوحة علي المذهب السني.
بينما جاء(35)طرزا تمثلت ب(42) لوحة علي المذهب الشيعي والذي انقسم بدوره إلي فترتين كان من نصيب الفترة الأولى(19)طرزا متمثلة ب(23)لوحة، بينما الفترة الثانية لحق بها(16)طرزا تمثلت ب(19)لوحة، درست من الدنانير (22) لوحة تدرس لأول مرة، ولوحة، تنشر لأول مرة، وأيضاً تضمنت دنانير الصلة والمناسبات التي تميزت بها دنانير أولجايتو.
أحداث تاريخية
أما الفصل الثاني فكانت دراسة مفصلة للدراهم الفضية التي ضربها السلطان أولجايتو (703- 716ه) تناولت فيها (93) لوحة، تمثلت ب(81) كان منهم (32) طرزا تمثلت ب (23) لوحة على المذهب السني، بينما حوت منهم(61) طرزا تمثلت ب(58) لوحة على المذهب الشيعي والذي انقسم بدوره إلى فترتين كان من نصيب الفترة الأولي(33)طرزا متمثلة ب(41)لوحة.
بينما تضمنت الفترة الثانية عدد(28) طرزا تمثلت ب(17)لوحة، درس من الدراهم جميعا (48) لوحة تدرس لأول مرة، ولوحة(1) تنشر لأول مرة، وقد سجلت عليها دراهم الصلة والمناسبات، اذ حملت عبارة (الحمد لله)، وامتازت الدراهم بأنها حملت أحداث تاريخية مهمة.
بينما تناولت في الفصل الثالث دراسة مفصلة للفلوس النحاسية التي ضربها السلطان أولجايتو (703- 716ه)، والتي اشتملت علي (49) طرازتمثلت في (61) لوحة، وقسمتها الدراسة إلي فلوس مصورة , وفلوس غير مصورة، تنوعت الفلوس المصورة إلي فلوس مصورة عليها رسوم آدمية، وأشكال فلكية وكتابات سنية تضمنت (8) طرز تمثلت في (15) لوحة، بينما ثانيها فلوس مصورة عليها رسوم آدمية، وأشكال فلكية وكتابات شيعية، ولم يصلنا منها سوى طرزا واحدا حملت لوحة واحدة.
أما النوع الثاني فلوس مصورة عليها رسوم حيوانية، وأشكال فلكية وكتابات سنية تضمنت (5) طرز تمثلت في (6) لوحة، بينما ثانيها فلوس مصورة عليها رسوم آدمية, وأشكال فلكية وكتابات شيعية، وتناولت (9) طرز تمثلت ب(9) لوحة، وثالثها فلوس عليها رسوم نباتية تمثلت بطراز واحد.
والقسم الثاني فهو فلوس غير مصورة تضمنت كتابات سنية وأخرى شيعية كان من نصيب الكتابات السنية(9) طرز تمثلت ب(9) لوحات، أما الكتابات الشيعية فظهرت ب(17) طرزا تضمنت (20)لوحة درس من الفلوس جميعا (32) لوحة تدرس لأول مرة، وحملت الرسوم النباتية طرازا واحدا تمثل بلوحة واحدة، وينشر في هذه الدراسة لأول مرة.
الفلوس النحاسية
واتسمت بأنها حملت الرسوم الأدمية والحيوانية والفلكية والنباتية، وسجلت الفلوس حوادث تاريخية مهمة غفلت عنها الدنانير والدراهم، وتعد من نقود الصلة، لذلك تكون دراسة الفلوس النحاسية على قدر كبير من الأهمية بغض النظر عن معدنها الرخيص ولا تقل عن أهمية الدنانير والدراهم.
وقد كان الأسلوب الذي اعتمدت عليه في هذه الفصول الثلاثة الأولى بدراسة هذه النقود علي حسب نوع المعدن، وقامت الدراسة بدارسة أوجه الشبه والإختلاف بينهم من حيث كتاباتها وترتيبها وأشكال الزخارف المختلفة والإطارات المحيطة بكتابات الوجه والظهر بكل طراز منها.
وقد تناولت دراسة كل طراز من هذه الطرز على حدة وصفت فيه الشكل العام الذي يحيط بكتابات وزخارف كل من الوجه والظهر وأتبعته بوصف لنصوص الكتابات من حيث عدد أسطرها وترتيبها وكتاباتها المركزية والهامشية، والزخارف التي وردت على كل طراز منها مع تحليل ودراسة الألقاب والعبارات المختلفة، وذكرت أوجه الشبه والإختلاف بين كل طراز، والطرز السابقة له، والتالية له، مع التركيز على المميزات التي ينفرد بها كل طراز عن غيره من الطرز الأخرى ثم الإشارة إلى النماذج التي تنتمي إلى كل طراز منها .
في حين خصص الباب الرابع لدور الضرب في عهد السلطان أولجايتو فتوصلت لدراسة (61) دار ضرب، وقد قامت الدراسة بترتيب هذه المدن ترتيبا هجائيا، وظهرت لدينا العديد من المدن الجديدة التي لم يسبق أن حملتها النقود الإيلخانية، والنقود الإسلامية بصفة عامة إذ ظهرت مدينة اختصت لضرب النقود الذهبية فقط، وهناك بعض المدن لم أستطع التعرف عليها لأنها غير موجودة في المصادر الجغرافية، كما وضحت لنا دراسة المدن مدى نفوذ وسيطرة السلطان أولجايتو وامتداد نفوذه إلى أماكن بعيدة أعلنت الخضوع له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق