تحقيق .. علاء الدين ظاهر
واقع مرير تعيشه الآثار في وطننا العربي وما يتعرض له من مخاطر جسيمة،والتي أفقدته الكثير من مقدراته الأثرية بهدف طمس هويته العربية،وتشهد بذلك غزة ولبنان والسودان وما يحدث فيها من صراعات..كل هذا كان محوراً مهما لكثير من الأبحاث والدراسات التي تم تقديمها في المؤتمر السنوي لإتحاد الآثاريين العرب،الذي انتهت أعماله مؤخراً واستمرت علي مدار يومين في مقر الإتحاد بمدينة الشيخ زايد في الجيزة،ومنها قررنا إجراء تحقيقات صحفية عن تراث وتاريخ الوطن العربي المهدد بالفناء،والبداية مع فلسطين التي تئن تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.
# مخاطر محدقة بتراث غزة
البداية مع الدكتور أحمد محمد البرش مدير الآثار بقطاع غزة بوزارة السياحة والآثار،والذي تحدث عن حالة التدمير الشامل لآثار مدينة غزة وواقع التراث الثقافي في القطاع 2024،مشيرا إلي أن التراث المعماري يمثل الجانب المادي من التراث الحضاري وفي نفس الوقت يعكس الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرت بها الشعوب خلال المراحل الزمنية المختلفة، وهو أيضا استجابة مباشرة لما مرت به الأمم السابقة، ومرآة تعكس عراقة وأصالة المجتمعات المدنية ومدى ارتباطها بالمكان
وتابع قائلاً:يعتبر التراث المعماري في قطاع غزة خير دليل على ذلك، فهو كان شاهداً حياً يعبر بصدق عن الأرث الأدبي والثقافي والاجتماعي والحضاري للفلسطيينين في قطاع غزة،إلى أن جاءت حرب السابع من أكتوبر لعام ۲۰۲۳م والتي تعرض خلالها هذا التراث للتدمير والتخريب والاندثار علي يدي الاحتلال الاسرائيلي الغاشم،مما جعلنا نهتم بالدراسات والأبحاث التي تمكننا من حفظ حقوق الأجيال القادمة في التمتع بهذا التراث.
وقد قمت بدراسة للوقوف على واقع التراث المعماري في قطاع غزة وتوثيق الكثير من المعالم التاريخية التي تعرضت للتدمير خلال الحرب منذ السابع من اكتوبر لعام ۲۰۲۳ م،كما تركز الدراسة علي مكونات وانواع التراث المعماري في قطاع غزة والأخطار التي كانت تهدد بقاءه،مما استدعي مني عمل ميداني خلال السنوات السابقة للحرب،حيث قمت بحصر وتوثيق وتسجيل التراث المعماري في قطاع غزة ، وجمع المعلومات المتعلقة به والاطلاع على الواقع والتحديات التي تحيط به.
# تاريخ فلسطين مستهدف بالتخريب
د.سارة محمد الشماس مدير متاحف الجنوب في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية كشفت إستمرار إعتداءات المستوطنين والاحتلال الإسرائيلي على المواقع التراثية والتاريخية في الضفة الغربية،مشيرة إلي أنه في ظل مخططات التهويد التي يسعى وما يزال يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تنفيذها، أصبحت التراث التاريخي الفلسطيني دائم التعرض للخطر والتهديد.
وتابعت:فقد أصبحت المواقع الأثرية والتاريخية مستهدفة بالتخريب والإتلاف والاعتداء على المواقع الأثرية والتاريخية،ليس كمجرد رؤية حكومية عامة منهجية لدى الحكومة الإسرائيلية، ولكنه سلوك منتشر لدى العديد من الأفراد من المستوطنين الإسرائيليين،ويعكس ذلك حالة عامة لدى الاحتلال الإسرائيلي مفعمة بالسعي نحو تهويد كل ما هو فلسطيني وتحويل فلسطين إلى أرض يهودية،ليس فقط في حكومتها وهويتها ولكن أيضا في تاريخها وتراثها.
وقالت أنه من الملحوظ استهداف الاعتداءات ومخططات التهويد للمواقع التاريخية والأثرية بالضفة الغربية بشكل خاص، خاصة في ظل السعي دائم لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة نحو تهويد القدس،وقد تقدمت للإتحاد ببحث يسلط الضوء على الاعتداءات المرتكبة من قبل المستوطنين والاحتلال الإسرائيلي على المواقع التراثية والتاريخية بالضفة الغربية،من خلال مصادر المعلومات والبيانات المنشورة في الفترة من عام ١٩٤٨ إلى عام ۲۰۲٤، بهدف رصد وتناول أبرز حالات الاعتداء الإسرائيلي على التراث التاريخي والثقافي الفلسطيني بالضفة الغربية.
# محاولات طمس معمار القدس
من جانبه كشف د.يوسف سعيد النتشة مدير مركز دراسات القدس بجامعة القدس في فلسطين دور الجامعة في ترميم وصيانة أثار القدس المعمارية وإعادة تأهيلها والتحديات التي تواجهها،حيث تطور عبر العديد من السنين دور الجامعات من كونها مراكز لتعميق المعرفة ونشرها، وبناء شخصية الطلاب وصلقها، لتصبح مراكز تهتم بخدمة المجتمع ورفاهيته، ولتساهم في تأمين التنمية المستدامة والعناية ببقية فئات المجتمع من غير طلاب العلم.
وتابع:منذ نواة تأسيسها، ورغم تواضع الإمكانيات، فإن رؤية جامعة القدس وسياستها العامة اخذت بعين الاعتبار. الاهتمام بتطوير المجتمع المقدسي، بالتوافق والتوازي ما بين غرس المعرفة وتوفيرها حسب أفضل، وما بين الاهتمام بتراث القدس العربي الإسلامي، الذي يصون سردية ورواية القدس وفلسطين بالمفهوم الاعم للرواية والسردية،بحيث يشمل اغلب المظاهر الحضارية التي أسسها الإنساني الفلسطيني في وطنه عبر العديد من القرون وإن إطلاق اسم القدس على الجامعة، شكل المضمون والرسالة المتوخاة منها، مع ما جره هذا الاسم من صعوبات واعاقات لتطويرها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ولقد تنبهت إدارة جامعة القدس مبكرا الى ما تتعرض له المدينة من محاولات الطمس والتهميش والسيطرة فيما يخص تراثها الآثاري والمعماري، فقامت بتأسيس مراكز أبحاث وكليات تعنى بتراث المدينة، منها على سبيل المثال لا الحصر، المعهد العالي للآثار الإسلامية ومركز الترميم والصيانة بالتعاون مع مؤسسات إيطالية له خبرة في ادق أساليب الترميم، علاوة على تأسيس مركز خاص لدراسات القدس يمنح درجة الماجستير.
ولم تكتف الجامعة بذلك، بل حرصت رغم كل الصعوبات ان تتميز عن بقية الجامعات الفلسطينية المحلية بأن يكون لها تواجد ملحوظ في المدينة المقدسة، خاصة في انحاء البلدة القديمة، فحرصت على انشاء عدة مكاتب ومراكز داخل المدينة، منها مركز العمل المجتمعي، ومركز دراسات القدس، والمكتبة العامة، ومكاتب وقفية القدس، وذلك على سبيل المثال.
ولم يقتصر الأمر على البلدة القديمة فقط بل شكلت كلية هند الحسيني، ومشروع مركز ريادة الاعمال رافد مهم لما يوجد في البلدة القديمة من مكاتب،ومن أبرز اهتمامات الجامعة، كان المساهمة مع بعض المؤسسات المحلية مثل مديرية الأوقاف العامة والمسجد الأقصى، ومؤسسة التعاون والاتحاد الأوروبي، في أولا إشغال عدة مباني معمارية تاريخية وتراثية في البلدة القديمة،مثل مجمع خان تنكز الناصري وحمام العين وحمام الشفاء وكنيسة سانت جوليان والمكتبة العامة في عقبة رصاص، ودار القنصل البروسي، وثانيا أعادة تأهيل هذه المباني وإعادة استخدامها بعد عميلة إعادة تأهيلها، لتكون مراكز ومكاتب إدارية وثقافية رائدة في مدينة القدس.
وأضاف:إن عملية إعادة تكييف المباني التاريخية عملية معقدة في المدن التاريخية، فكيف إذا كانت تحتل احتلال هدفه طمس هذه المعالم، وعليه فان هذه الورقة تهدف بيان جهود الجامعة، ودورها في حماية وترميم وتأهيل هذه المباني، وتوضيح منهجية العمل، وجهود طواقم الجامعة في المتابعة والاشراف وبيان المعوقات التي واجهت هذه المشاريع من نواح تقنية ومادية وموقف السلطات البلدية الإسرائيلية من هذه الاعمال.
# تدمير مئات المواقع والمعالم الأثرية
د.روان عزمي الشيوخي أثرية فلسطينية شاركت في المؤتمر ببحث عنوانه"الإبادة الأثرية التاريخية والثقافية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة"،حيث قالت:لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي في حرب غزة الأخيرة بطمس الجغرافيا،في الوقت نفسه الذي محت فيه التاريخ إلى جانب تنفيذ مجزرة بحق شعب كامل حصدت أرواح أكثر من ٥٠ ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، في مخطط قديم لمحو الذاكرة والهوية الفلسطينية واستبدالها بأخري.
بهدف أن لا تعيد تاريخاً كان شاهدا على حضارات وتراث غزة هاشم التي لطالما كانت مركزاً مهماً للثقافة والتجارة على مدى قرون طويلة خلال الحكم الإسلامي والبيزنطي والروماني واليوناني والمملوكي والعثماني والمصري، وكل حضارة تركت فيها آثاراً تدل على عمق المكان والسكان و التي لا يمكن أن تحتوي على اثر واحد لوجود إسرائيل عبر التاريخ .
ومنذ حرب غزة ۲۰۱٤ حتى حرب طوفان الأقصى عام ۲۰۲۳ استهدف الكيان الإسرائيلي المجرم الكثير من المواقع الأثرية والتاريخية والمقدسات الدينية في قطاع غزة مما أدت هذه الحرب العنجهية إلى تدمير مئات المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية والتراثية التي تعرضت للدمار كلياً أو جزئيا بسبب الحرب مثل المسجد العمري الكبير و ومدرسة الكاميلية وقصر الباشا ومسجد الظفر دمري الاثري ومسجد السيد هاشم واكثر من ذلك بكثير.
ولم تنج الآثار والمقدسات المسيحية من هذا العدوان،حيث دمر الاحتلال عشرات المواقع الدينية والاثرية مثل كنيسة القديس برفيريوس ودير القديس هلاريون والكنيسة البيزنطية وحمام السمرة،فلم يكتف الاحتلال بابادة الاحياء فقرر إبادة رفات الأموات أيضا داخل المقابر التاريخية وسحق مقاماتهم فقد دمر مقام الخضر ومقام النبي يوسف ومقبرة دير البلح التي تعد من أهم المقابر الأثرية والتاريخية في غزة،والتي يعود تاريخها الى العصر البرونزي لقد بات قطاع غزة في عام ۲۰٢٤ خاليا من نحو ۲۰۰ معلم أثري وتراثي من أصل ۳۲۵ موقعا تاريخيا، نتيجة التدمير الممنهج المكرر الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي منذ عملية طوفان "الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي.
ووفق مصادر فلسطينية رسمية وباعتراف منظمة (عمق شبيه الإسرائيلية والمختصة بشؤون الآثار المنظمة اليسارية عبر منصة اكس ، فإن إسرائيل تتعمد تدمير المئات من المعالم الأثرية الفلسطينية بهدف طمس وتغيير هوية غزة، حيث دمرت خلال الحرب الحالية عشرات التلال والمتاحف التاريخية وأقدم المساجد وثالث أقدم كنيسة بالعالم، فضلا عن تضرر ١٤٦ بيتا قديما وعشرات المكتبات والمراكز الثقافية، وهو أمر يخالف اتفاقية لاهاي ١٩٥٤ الدولية التي تستوجب حماية الملكية الثقافية في الحروب والنزاعات المسلحة.
وأضافت في نهاية حديثها:من هنا لم يسلم البشر ولا الحجر ولا حتى التاريخ فإن الحرب الأساسية التي تشنها إسرائيل والتي قد تكون قد نجحت فيها هي حرب على الذاكرة والتاريخ والموروث الثقافي والحضاري والاثري والهوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق