24‏/11‏/2025

صرخة أثريين سودانيين من القاهرة:تراثنا ينهب من الدعم السريع بانتظام..وحصر مبدئي يكشف 100 ألف قطعة أثرية فقدت بسبب الحرب

تحقيق .. علاء الدين ظاهر 

السودان بلد شاسع يتسم بتنوع طبيعي وثقافي،وقد تعرض تراثه خلال فترات طويلة للعديد من المهددات والتحديات،وقد تصاعد خطر هذه التحديات في الفترة الأخيرة ليصل لمرحلة التهديد المسلح،حيث تعرض الكثير من المواقع الأثرية للنهب والتدمير المتعمد،ومن هنا جاءت مشاركة عدد من خبراء وأساتذة الآثار السودانيين في مؤتمر إتحاد الأثريين العرب الذي اختتم أعماله مؤخراً،حيث جاءت مشاركتهم بمثابة صرخة من قلب القاهرة إلي العالم لإنقاذ تراث وتاريخ السودان.



في البداية قالت شاذلية حسن عبد الهادي عثمان،وتعمل محاضر في قسم الآثار بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الجزيرة في السودان أن الحصر المبدئي كشف أن 100 ألف قطعة أثرية فقدت من السودان بسبب الحرب والحصر مستمر والعدد الرسمي سيكون أكثر بكثير،مشيرة إلي أن شاحنات محملة بكنوز أثرية سودانية تعبر الحدود من حين لآخر،وذلك في طريقها للبيع وذلك كله علي يد قوات الدعم السريع.



قلب العاصمة السودانية


من جانبه قال د.عبد الناصر سر الختم حسن أمين مدير متحف القصر الجمهوري بالسودان:يعد المتحف الذي يقع في قلب العاصمة السودانية الخرطوم من أبرز المعالم التاريخية والثقافية،والتي توثق المسيرة الحكم في السودان وعلاقاته السياسية والدبلوماسية مع محيطه الإقليمي والعالمي،ويحتوي المتحف على مقتنيات ثمينة تمثلت في هدايا رؤساء السودان السابقين، بما في ذلك السيارات التاريخية، والأوسمة والميداليات والهدايا التذكارية النادرة التي تعود لفترات مبكرة من تاريخ السودان الحديث.


وتابع:وبعد إعادة تأهيله في السنوات السابقة، أصبح المتحف مركزا مهما للزوار والباحثين من مختلف المجالات خاصة في دراسة تاريخ الحكم والادارة والرؤساء السودانيين الذين حكموا السودان،غير أن الحرب الأخيرة تسببت في أضرار جسيمة للمتحف،حيث تعرضت هياكل المباني للتدمير، وسرقت العديد من القطع المتحفية الثمينة.


واضاف:مع عودة الخرطوم لسيادة السودان، باشرت لجنة متحف القصر الجمهوري عملية تقييم شاملة لحجم الخسائر، ووضعت رؤى وخططاً لإعادة المتحف إلى سابق عهده، تشمل ترميم المبنى وصيانة المقتنيات، إضافة إلى وضع استراتيجيات مستدامة للحفاظ على هذا التراث النادر وحمايته من الضياع.



متابعة الآثار المسروقة


بدورها كشفت د.إخلاص عبداللطيف إدريس مديرة إدارة قسم المتاحف بالسودان ورئيس وحدة متابعة الآثار المسروقة بمكتب الطوارئ بإتحاد الآثاريين العرب ما آلت إليه حالة الآثار والمتاحف بالسودان من جرّاء الصراعات المسلحة وأعمال النهب والسرقة،وأثر الحرب على الآثار وتخفيف المخاطر وحماية المتاحف والمجاميع المتحفية السودانية،مشيرة إلي أنه أظهرت هذه الحرب أن السودان مستهدف في هويته الثقافية،من خلال تدمير المواقع الأثرية والمتاحف وكل ما يتعلق بثقافته وهويته وتراثه،وكان لا من العمل السريع لحماية ما يمكن حمايته قبل ان تطاله يد غدر العدو،حيث تم إنشاء وتأسيس مكتب طواري القاهرة في يونيو ۲۰۲۳، اي بعد شهر من اندلاع الحرب بواسطة مليشيا الدعم السريع.


وقالت أن متحف مروي يقع في الولاية الشمالية، وقد تم توثيق مقتنيات المتحف وإخلائها باستخدام الأساليب المتحفية العلمية وحفظها في مكان آمن خارج المتحف، ومتحف البركل يقع في الولاية الشمالية،وقد تم وضع خطة لتأمين وحفظ مقتنيات المتحف،وهناك متحف كسلا وهو مشروع متحفي تم ايقاف العمل فيه الي فترة ما بعد الحرب،حيث تم تخزين المجاميع الأثرية في المتحف في مكان آمن ولم يتم عرضها بعد ولا تزال مخزنة وموثقة.


أما متحف قصر السلطان بحر الدين،فيعد القصر ذاته مبنى أثريا وتاريخيا، وقد تعرض للتدمير، كما تعرضت مقتنيات المتحف للسرقة، كما تمت سرقة كافة الوثائق والملابس الملكية من منازل أسرة السلطان بحر الدين، التي تنتمي لقبيلة المساليت، والتي استهدفتها قوات الدعم السريع، ومتحف نيالا يقع في ولاية جنوب دارفور وقد تعرض للتخريب وتمت سرقة جميع مقتنيات المتحف بالإضافة إلى جميع الأثاث وصناديق العرض الجديدة.



ومتحف الجزيرة يقع في وسط السودان وهو محتل من قبل قوات الدعم السريع،ومتحف الإثنوغرافيا حيث يعد مبناه مبني تاريخي،وكان مقرا لنادي الجيش الإنجليزي خلال الفترة الاستعماريةوقد تعرض هذا المبنى للتدمير في مبانيه الواقعة على الجانب الشرقي، بالإضافة إلى تدمير المجاميع المتحفية،والمتحف الحربي يقع في مدينة الخرطوم بحري وهو مبنى تاريخي يعود إلى فترة الاستعمار البريطاني،وتعرض للقصف من الجهة الجنوبية، كما تم تدمير سيارات تاريخية.


ومتحف السودان القومي أهم وأكبر المتاحف ويعتبر المستودع الرئيسي لكل مقتنيات الحضارة السودانية، وللأسف فهو حتى الآن تحت سيطرة الدعم السريع ووصلتنا معلومات بأنهم حطموا أبواب المخازن وسرقوا الكثير من مقتنيات المتحف التي تباع في أسواق الخرطوم وعلى حدود جنوب السودان وحدود أخرى"2024"،وقوات الدعم السريع وزعت مقتنيات المتحف على حدود السودان بغرض الاتجار بها،ومتحف بيت الخليفة الواقع في أم درمان تعرض لتدمير بعض مبانيه وسرقة العديد من مقتنياته المتحفية.



تخريب وتدمير ومخاطر


من جانبها أ.م.د.هويدا محمد ادم احمد أستاذ مساعد بقسم الآثار جامعة الخرطوم قسم الآثار:في ظل تغيير الظروف المناخية والبيئية من جهة والظروف الانسانية المختلفة من جهة اخري تتعرض الآثار في كل بقاع العالم للكثير من التخريب والتدمير والمخاطر ووالكوارث المتزايدة والتي لا يمكن تجنبها أو الحد منها او السيطرة عليها الا بعد وضع وتنفيذ خطط واستراتيجيات ممنهجة، مدروسة،وممولة يمكن الاعتماد عليها،والضعف والخلل الذي تتعرض له اثار البلاد العربية المنكوبة بويلات الحروبات كفيل بمحو اجزاء كبيرة منها من الوجود الآثار القائمة، وضياع وتلف كثير من معروضات المتاحف والمخازن من ادوات مخطوطات، وحتي مجسمات القطع النادرة.


وقالت أن الظروف السيئة التي تتعرض لها معظم البلدان النامية تكمن أسبابها في عدم وضع الحلول الحاسمة أو تنفيذها وربما يرجع السبب الاساسي في ذلك الي ضعف النواحي المادية والفنية،وهذا الوضع هو ما ينطبق فعلا على الاثار السوادنية خاصة في غضون العاميين السابقين فقد ازاقت الحرب قطاع الآثار بالكثير من الدمار النهب والضياع، وربما نحمل انفسنا بعض من ذلك بسبب ضعف وضع خطط واستراتيجيات الحماية وتطبيقها علي ارض الواقع.


وأضافت:لا بد من تدارك تلك المخاطر من خلال وضع مبادئ عامة يمكن أن تطبق علي كل انواع التراث الانساني، كما يمكن الاستفادة منها بعد بتحويلها الي مجموعات من الخطط والمنهجيات والتي بدوها يمكن ان تصبح استراتيجيات نتمكن بها من مجابهة كل ما يتعرض له التراث الانساني من اخطار، كما يمكن تطبيقها حسب الحاجة اليها في كل زمان ومكان.



تقنيات علم الفضاء


الدكتورة ناهد عبد اللطيف حسن محاضر بكلية العلوم الإنسانية جامعة بحري الخرطوم قدمت بحثاً مهماً بعنوان"استخدام تقنيات علم آثار الفضاء لمراقبة وحفظ المواقع الأثرية في السودان في ظل الصراع المسلح"،وقالت فيه أنه في ظل هذه الظروف الأمنية الصعبة يبرز دور علم الآثار الفضائي كأداة فعاله لرصد وتقييم حالة المواقع الأثرية،حيث يلعب هذا العلم دورا مهما في دعم الحفاظ على تراث السودان الثقافي وإدارته، وتحديد وتوثيق المواقع الأثرية التي يصعب الوصول إليها على الأرض، وتخفيف المخاطر التي شكلتها التحديات الحديثة ذلك من خلال تطبيق تكنولوجيات متقدمة للرصد والتحليل والتوثيق باستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات الاستشعار عن بعد.


وتستكشف هذه الدراسة كيفية استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد وتحليل البيانات الفضائية لرصد المواقع الأثرية في السودان وتتبع التغييرات والأضرار التي تلحق بها خلال فترات النزاع باستخدام صور الأقمار الصناعية عالية الدقة ودمجها مع بيانات المسح الأرضى والمعلومات الميدانية نحصل على صورة شاملة عن حالة المواقع الأثرية.


وأكدت النتائج أن علم الآثار الفضائي يمكن من رصد نطاق الأضرار والتدمير الذي يهدد بزوال المواقع الأثرية في مناطق النزاع المسلح وخارجها مما يساعد في وضع خطط اسعافيه منظمة توجه جهود الحماية والترميم للمواقع الأكثر ضررا وعلى الرغم من التحديات التقنية والبيانية، فإن هذه التقنيات تعد أداة قيمة للمساعدة في الحفاظ على التراث الأثري في ظل الظروف الأمنية الصعبة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق