26‏/09‏/2020

حكاية رجل كان يسقي الناس زمان من قربة جلد في كوب نحاسي جميل

علاء الدين ظاهر

في عام 1977 عرض فيلم السقا مات الذي تدور أحداثه في حي الحسينية عام 1921،وكانت الشخصية الرئيسية فيه شوشة السقا الذي قام بدوره الفنان الكبير عزت العلايلي،وهي شخصية تاريخية كشفت لنا حكايتها رنا الحامدى باحثة دكتوراة في الآثار الإسلامية.

بداية قالت السقا هو احد العمال الذى اعتمد فى عمله على قوته البدنية،وهو من يحترف حمل الماء وعمله هو السقاء ويعمل خارج القصر بالشوارع واحيانا يجلب الماء للقصر،ويطلق عليهم اصحاب الروايا والقرب، حيث كانوا يحملون الماء فى اوعية من الجلد ، وهو عمل لا يتدرج فيه وفى الغالب موروث.

وعمل السقائون من اكثر الاعمال التى تمثل الخدمات العامة والضرورية لحياة السكان اليومية حيث انها خاصة بتأمين وتزويد المدينة بالمياه،حيث كانت القاهرة كلها تعتمد على مياه النيل بينما الخليج المصرى لا يجلب المياه الا لمدة 13 شهر عقب الفيضان،وفى هذه الفترة كانوا يستجلبون السقاء فى جلب الماء من نهر النيل.

وكانت جماعة السقائين فى القاهرة عنصرا أساسيا من عناصر المظهر الاجتماعى كما فى كل مدينة اسلامية،وقد كانت مهنة السقاء من المهن الشاقة التى تتطلب مجهودا ضخما وقوة بدنية وصحية جيدة،ومن هنا كان يتم عمل اختبار لمن يريد احتراف هذه المهنة وهو ان يحمل قربة او كيس ملئ بالرمل يزن 67 رطلا ً لمدة ثلاث ايام وثلاث ليالى.

وقد حرصت طوائف السقائين على التواجد بالقرب من مصدر المياه نظرا لما كانوا يتكبدونه من معاناه اثناء نقلها وتوزيعها فكلما كانت المسافة اقل زاد توطن هذه الطوائف بالقرب منها،وينقسم السقاؤون من حيث عملهم الى قسمين،اصحاب الروايا والقرب،و اصحاب الحوانيت والدكاكين .

وأصحاب الروايا والقرب هم الذين يحملون الماء فى الروايا والقرب ويوزعونه على الناس،فقد كانوا يسيرون على اقدامهم ويوزعون المياه فى شوارع المدينة،وندائهم"يا رب عوض على،سبيل يا عطشان، الجنة والمغفرة يا صاحب السبيل"،الى غير ذلك من نداءات اخرى .

وعندما يسمع هذا النداء يعرف من ذلك ان السقاء يمر فى الشارع ويحضر الماء من مسافة ميل ونصف ميل فى قربة من جلد الماعز،حيث يصب الماء للشاربين فى اكواب من النحاس الجميل الساطع المزخرف ويرى قاع الكوب مرصعا ً ببعض الحصى الملون ما يجعل الماء اكثر جمالا وافضل مذاقا حيث يشرب.

أما اصحاب الحوانيت والدكاكين هم طائفة من السقاؤون عرفوا باسم سقائى الكيزان وقد كانوا يمتلكون الحوانيت وبها الازيار والكيزان ليشرب الناس مقابل مبلغ متعارف عليه ، وربما يرجع انقسام هذه الطائفة نظرا لكثرة اعدادهم،وكان المحتسب يتفقد احوالهم فى غفلة منهم ليلا ونهارا،وكان هناك من السقائين من يستخدم الحيوانات فى حمل قربهم،ويذكرنا ناصر خسرو"انه كان بالقاهرة 50 الف جمل لحمل القرب الجلدية والجرار النحاسية " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق