20‏/03‏/2022

ضاعف لها العطاء وإذكرها فى صلواتك..وصايا حكماء مصر القديمة للأبناء بطاعة الأم

علاء الدين ظاهر

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن الأمومة وقيمة الأم والمرأة تجسّدت فى عدة صور بمصر القديمة،فهم أول من احتفل بعيد الأم كعيد مقدس ابتداءً من الدولة القديمة واستمر حتى عهد البطالمة.



وقد ورد ذكر عيد الأم فى أكثر من بردية من برديات كتب الموتى وخاصة كتابى انى ونبستى، وقد وجدت ضمن مقابر الدولة الحديثة كثير من البرديات والأوستراكا نماذج من النصوص التقليدية للدعاء للأم فى عيدها.



وقد جاء فى إحدى برديات تل العمارنة على شكل رسالة كتبها طفل لأمه فى عيد الأم(اليوم عيدك يا اماه00 دخلت أشعة الشمس من النافذة00 لتقبل جبينك وتباركك فى يوم عيدك00 استيقظت طيور الحديقة مبكرة لتغرد لكى فى عيدك00 تفتحت زهور اللوتس فى البحيرة لتحييكى الفراش يرقص فرحاً متنقلاً بين الزهور مهنئاً بعيدك00 اليوم عيدك يا أماه فلا تنسى أن تدعى لى فى صلاتك للرب فقد قال آمون " إن دعاء الأبناء لا يصل إلى آذان السماء إلا إذا خرج من فم الأمهات" اليوم عيدك يا أماه إنه فرح السماء الذى تفرح فيه المعبودة إيزيس وهى تشاركك أفراحك) .



ويضيف الدكتور ريحان أن ميعاد عيد الأم فى مصر القديمة كان آخر شهور فيضان النيل، عندما تكون الأرض الخصبة معدة لبذر البذور وهى بذور الحياة التى تبعث الحياة فى الأرض وهو شهر هاتور فى التقويم المصرى القديم، وهاتور أو حتحور هى معبودة الجمال ومعنى حت – حور أى مرضعة المعبود حور لذلك شبهوا الأم بنهر النيل الذى يهب الحياة والخصب والخير واعتبروا تمثال إيزيس التى تحمل ابنها حورس رمزًا لعيد الأم فيضعونه فى غرفة الأم ويحيطونه بالزهور ويضعون حوله الهدايا المقدمة للأم فى عيدها الذى يبدأ الاحتفال به مع شروق الشمس ويعتبرون نورها وأشعتها رسالة من السماء لتهنئتها 



ويشير الدكتور ريحان إلى برديات الحكماء فى مصر القديمة التى تشمل نصائح للأبناء بطاعة الأم ومنها الحكيم سنب حوتب "ضاعف لها العطاء فقد أعطتك كل حنانها وضاعف لها الغذاء فقد غزتك من عصارة جسدها وأحملها فى شيخوختها فقد حملتك فى طفولتك00 أذكرها دائمًا فى صلواتك ودعواتك للإله الأعظم فكلما تذكرتها بذلك ترضى الإله وإذا نسيتها نسيك فلا تجده عندما تحتاج إليه" ويقول الحكيم آنى "أعطتك كل شئ ولم تطلب أى شئ فأنت بالنسبة لها كل شئ مهما أعطيتها فلن توفى ما عليك من دين للإله فهو الذى يطالبك به" 

ولفت إلى أن مكانة الأم مقدسة عند قدماء المصريين منذ بداية الأسرات وعبروا عنها بالمعبودة نوت التى تظل الكون وترعاه والتى ولدت آلهة الخصب والخير والبركة فخلدوها فى معابدهم وفى متون الخلق والتكوين وفى الأساطير والبرديات المقدسة كما اختاروا العدد الأكبر من آلهتهم من الأمهات



وقد قدّس المصرى القديم الأسرة وصوّر العلاقة بين الزوجين بصور تدل على الإخلاص والوفاء ومنها وقوف الزوج مجاورًا لزوجته أو الجلوس معًا على أحد المقاعد بينما تلف الزوجة ذراعها برفق حول عنق زوجها أو تضع يدها على إحدى كتفيه أو تتشابك أيديهما معًا رمزًا للحب الجارف أو تقف أمامه لتقدم له الزهور أو تقف جانبه وتسند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له فى كل الأمور.




 واتضح ذلك فى تمثال القزم (سنب) وأسرته من الأسرة الخامسة بالمتحف المصرى والذى يجسّد روح المحبة والعطف التى تسود الأسرة المصرية حيث تجلس الزوجة إلى جوار زوجها وتلف ذراعها حوله برقة ولطف على حين وقف الأبناء بجانب الأب والأم فى أدب واحترام ومنظر على ظهر كرسى عرش الملك توت عنخ امون بالمتحف المصرى يصّور جلوس الملك دون تكلف والملكة مائلة أمامه وفى إحدى يديها إناء صغير للعطر تأخذ منه وباليد الأخرى عطر آخر تلمس به كتف زوجها برقة ولطف.




 ونوه الدكتور ريحان إلى تجسيد المصرى القديم معانى الوفاء والحب فى شخصية إيزيس رمز الأمومة وربط بينها وبين النهر الخالد دائم العطاء فى أسطورة خالدة تحكى كيف غدر ست بأخيه أوزوريس الذى كان يبغض فيه جمال وجهه ورجاحة عقله وحمله رسالة المحبة والخير بين البشر فدبر مكيدة للقضاء عليه واتفق مع أعوانه من معبودات الشر على أن يقيموا لأوزوريس حفلاً تكريماً له ثم أعد تابوتاً مكسى بالذهب الخالص بحجم أوزوريس وزعم أنه سيقدمه هدية لمن يكون مرقده مناسبًا له ورقد فى التابوت كل الضيوف ولم يكن مناسبًا لأى أحد حتى جاء دور أوزوريس فأغلق عليه ست التابوت وألقوه فى نهر النيل وانتقل التابوت من النيل عابراً البحر المتوسط حتى وصل للشاطئ الفينيقى فى أرض ليبانو عند مدينة بيبلوس وهناك نمت على الشاطئ شجرة ضخمة وارفة الظلال حافظت على التابوت المقدس من أعين الرقباء .




وكان فى بيبلوس ملكة جميلة تسمى عشتروت خرجت لتتريض على الشاطئ فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة وأمرت بنقلها لقصرها وأما إيزيس فبكت على أوزوريس وبحثت عنه على طول شاطئ النيل واختلطت دموعها بماء النيل حتى فاض النهر وبينما كانت تجلس بين سيقان البردى فى الدلتا همس فى أذنيها صوت رياح الشمال تبلغها بأن المعبود أوزوريس ينتظرها على شاطئ بيبلوس.



فذهبت واستضافتها عشتروت وكانت إيزيس تحول نفسها كل مساء بقوة سحرية إلى نسر مقدس تحلق فى السماء وتحوم حول شجرة زوجها أوزوريس حتى حدثت المعجزة وحملت إيزيس بالطفل حورس من روح أوزوريس ورجعت به مصر تخفيه بين سيقان البردى فى أحراش الدلتا حتى كبر وحارب الشر وخلّص الإنسانية من شرور ست وصوّر المصرى القديم إيزيس وهى ترضع طفلها حورس رمزًا للأمومة والحماية 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق