29‏/02‏/2024

لغز خنجر أثري 2 .. أسلحة وحُلي من الحديد الأرضي والنيزكي في مصر والبلدان المجاورة

د.مدين حامد

الخبير والمحاضر الدولي في دراسات ترميم وتزييف وتزوير الآثار والوثائق والمخطوطات

***************

لقراءة الحلقة الأولي👇👇

لغز خنجر أثري 1 .. ضجيج السوشيال ميديا وكذبة الصعود إلي الفضاء هل نصدقها يوما؟!!! 

***************

أولاً:يعتبر الحديد رابع المعادن وفرة في تكوين الأرض بقشرتها ولبها الرئيس، والذي يشكلُ 95٪ من المعادن المستخدمة علي وجه الأرض، وتمثل النيازك Meteorites أحد مصادره منذ ملايين السنين، حيث يشكل عنصر الحديد قرابة 90٪ من كتلة النيزك القادم من جوف النجوم العملاقة عقب نهاية دورة حياتها، بينما يعود تاريخ الحديد المتوضع في تشكيلات الرسوبيات الجيولوجية في شكل أكاسيد Oxides إلي 3700 مليون سنة. 




وقبل توصل الإنسان لاستخراج الحديد من مناجمه وخاماته Ores استخدمت الأحجار النيزكية المنتشرة علي الأرض خلال الألف الخامسة قبل عصرنا الحالي"ما قبل التاريخ Pre-history " لتعود أقدم منتجاته إلي هذا التاريخ، وهي أحجار تتميز بارتفاع نسبة النيكل Ni فيها لتتراوح بين أعلي من 4٪ حتي 18٪ وربما أقل من ذلك، وعد هذا المصدر قيماً في ظل ندرة الحديد الأرضي الطبيعي.




والحديد النيزكي فلز أصلي، وهو الطبيعي الوحيد الذي ينشأ طبيعياً من عنصر الحديد علي سطح الأرض، ويمكن تمييزه عن عن الحديد الأرضي بخصائصه المجهرية واحتوائه علي نسبة أقل من عنصر الكربون C وأخري أعلي للنيكل، غير أنه يتألف في 5٪ من أحجاره من معدنين قوامهما الحديد والنيكل وهما التاينيت Tinite (80٪ حديد و 20٪ نيكل)، والكاماسيت Kamacite من 95٪ حديد والبقية نيكل مع شوائب من الكوبلت Co والكربون، في حين أن الحديد التيلوري وهو الأرضي الطبيعي والشكل المعدني الطبيعي البديل النادر لخام الحديد يحتوي علي 3٪ من النيكل بنسبة تزيد أو تقل عن الحديد النيزكي، وتزيد فيه نسبة الكربون عن الأخير أيضاً.



ثانياً: كانت بداية عملية تعدين الحديد خلال العصر البرونزي الوسيط، ليحل الحديد محل البرونز Bronze بعد ذلك بعدة قرون في إنتاج الأسلحة والأدوات المختلفة، رغم أن هناك إشارات عدة لممارستها قبل هذا العصر بكثير من خلال الاكتشافات الأثرية في مصر وبعض البلدان المحيطة، وهي مرتبة من الأقدم للأحدث كالتالي: 


- استخدم الحديد النيزكي في صناعة الأسلحة، وأدوات طقسة فتح الفم Opening of the mouth ceremony قبل وضع المومياء في تابوتها أثناء عملية التحنيط Mummification، ليس هذا فحسب، بل عثر علي خرز للزينة يعود لحضارة جرزة قرب الفيوم ولمنتصف الألف الرابعة قبل الميلاد (3500 ق. م).  



- دخل الحديد مخلوطاً بالنحاس Copper في صناعة الأزاميل التي استخدمت في تقطيع وتهذيب أحجار تغطية حفرة مركب الشمس للملك خوفو من الدولة القديمة، وذلك بعد تحليل البلورات الخضراء الملتصقة بأسطح الأحجار. 

- عثر علي خنجر ذي نصل من الحديد النيزكي يعود لعام 3100 ق.م، وذلك بالقرب من مدينة أور عاصمة الدولة السومرية جنوبي العراق. 



- كذلك تدل الاكتشافات الأثرية بالعراق وآسيا الصغري والشام علي العثور علي عدد من الأدوات والأسلحة من الحديد الأرضي الطبيعي الخالي من النيكل أو به نسبة قليلة منه تعود للفترة من 3000 إلي 2700 ق. م، ومن بينها نصل الخنجر الذي عثر عليه بتل أسمر الأثري السومري (مملكة أشنونة Ashnuna) علي بعد 35 كم شمال شرقي بغداد بين نهري دجلة وديالي ببلاد الرافدين،كما مارست شبه القارة الهندية مهنة تعدين الحديد لإنتاج الحديد المطوع من صهر خاماته في الفترة من العام 2000 حتي 1200 ق. م. 



- عرف اليونانيون Greeks استخراج الحديد من الفلز الأرضي الطبيعي ببداية القرن العشرين حتي الحادي عشر قبل الميلاد بجزيرة كريت Crete، وانتقل بعدها لبقية أوروبا. 

- تم اكتشاف الحديد في أوراسيا مطلع القرن العشرين ق. م، وبدأ استخدامه لصناعة الأدوات والمعدات بحلول العام 1200 ق. م. 



- عرف الحيثيون (شعوب الأناضول) Hetthaei الفلز الطبيعي إبان حكم وحقبة الملك الحيثي "أنيتا"، وقاموا بصهره في منتصف الألف الثانية ق. م حتي عام 1200 ق. م، وشيدوا أفرانه وأنتجوا منه حُلياً باعوها للأشوريين مقابل الفضة بحلول عام 1400 ق. م، والذي شاع صيته حتي سقوط الإمبراطورية الحيثية سنة 1180 ق. م. 



وبهذا يمكن القول، أنه قد تواترت استخدامات نوعي الحديد الأرضي والنيزكي، وتبادلت أدوارها في صناعة العدد والأدوات والأسلحة كالخناجر والتمائم والحلي في مصر والبلدان المجاورة، وعرفت صناعته وتعدينه فضلاً عن صهره واستخراجه من خاماته ورواسبه، وفي الوقت ذاته ربما قايضت تلك البلاد بعضها بعضاً الحديد بخامات أخري، مع الوضع في الاعتبار قدم الإشارات الخاصة بالحديد الأرضي مقارنة بالنيزكي منه.



ولم التعجب وهو أحد مكونات القشرة الأرضية الرئيسة بعيداً عن تفسير الآية الكريمة المقدمة سلفاً والذي اختص بأمور شرعية ضابطة وأوامر ونواهي وحث علي الاستفادة من ميزاته وبأسه وصلابته، وتجنباً لتأويل نظرة المصري القديم بقدومه من السماء، فقد كانت نظرة عقائدية استمد الحديد النيزكي قدسيته منها ليفضل علي نظيره الأرضي مثلما فضل الكتان linen من النبات الطاهر علي الصوف Wool من الخراف غير الطاهرة حسب معتقداتهم، هذا إذا ما توافرت أدلة يمكن الاعتماد عليها في هذا الرأي، ولا علاقة لذلك بمسألة أي النوعين من الحديد قد سبق الآخر استخداماً أو وجوداً علي الأرض.

*****************

ونكمل الحلقة المقبلة 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق