27‏/02‏/2024

عاشت علي الجدران آلاف السنين..الحضارة الإسلامية حافظت علي اللغة العربية والسوشيال ميديا تهددها..فهل نحميها نحن؟..تحقيق بالصور

* حرص الخطاطون على الفخر بآثارهم الفنية فزينوها بإمضاءاتهم وتوقيعاتهم التي أبدعوا فيها 


* زهران:اللغة العربية نالت مكانتها لأنها لغة القرآن وإنتشار الكتابات العربية على الآثار ساهم في الحفاظ عليها 


* النجار:إستخدام الفنان المسلم للخط العربي في الزخرفة له بصمة تميزه عن غيره في الحضارات المختلفة


* عزمي:اللغة العربية تعاني إغترابا داخليا في وطنها وعلينا إتخاذ كل التدابير والإجراءات التي تكفل الحفاظ عليها 



تحقيق وتصوير

علاء الدين ظاهر

عبر مئات وآلاف السنين ظلت اللغة العربية من أبرز وأروع منتجات الحضارة الإسلامية،حيث تزخر المنشآت والكنوز الأثرية بروائع وآيات اللغة العربية والخط العربي،وكان ذلك سبباً رئيسياً وقويا في الحفاظ علي هذه اللغة وحمايتها من مخاطر كثيرة،وهي المخاطر التي زادت في السنوات الأخيرة،مع الإنتشار الرهيب لوسائل التواصل الإجتماعي"السوشيال ميديا"،والتي باتت لها لغة خاصة بها هي خليط من العربية والإنجليزية ورموز أخري،مما جعل اللغة العربية في حاجة ماسة لحمايتها من هذه المخاطر التي تهددها من أهلها أنفسهم.




ومن الأسباب التي جعلت الحضارة الإسلامية تحافظ علي اللغة العربية أنه في العصر الإسلامي ارتفع شأن الكتابة، إذ كان الخلفاء والولاة والقادة يحتاجونها في مكاتبة بعضهم البعض،ومع تطور الخط العربي تطورت الكتابة بشكل كبير وكان الخطاطون أرفع الفنانين مكانة في العالم الإسلامي،وقد ظهرت عدة أنواع من الكتابة منها الكتابة التاريخية والتي اهتمت بتدوين أخبار الفتوحات الإسلامية، و الكتابة السياسية لكتابة وتحليل المكاتبات بين الخلفاء والولاة.






  أما الكتابة الدينية والتي ازدهرت في العصر الأموي، من خلال حلقات النقاش التي جرت في المسائل الدينية العميقة، مما استدعى الحاجة إلى تدوينها والرجوع إليها عند الحاجة إليها في مسائل دينية مشابهة،وقد حرص الخطاطون على الفخر بآثارهم الفنية فزينوها بإمضاءاتهم، وعرفت كتابتهم دروبًا من الخطوط كالخط الكوفي، والخط النسخي والثلثي والريحاني والديواني والتعليق، والاجازة، والرقعة وغيرها،وهو ما نراه مجسدا علي جدران المنشآت الأثرية خارجها وداخلها،كذلك علي التحف والكنوز الأثرية التي تمتلئ بها المتاحف المختلفة وعلي رأسها المتحف الإسلامي بالقاهرة.




زخارف بديعة 


في البداية قال الدكتور ضياء زهران المشرف العام علي المراكز العلمية بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية أن اللغة العربية نالت مكانتها وقدسيتها نظرا لأنها لغة القرآن ونظرا لكراهية تصوير الكائنات الحية،فقد برع الفنان فى الخط العربي وأبدع وابتكر العديد من الخطوط وتحول الخط العربى إلى زخرفة بديعة فرأينا على العمائر الكوفي المورق والمزهر والمضفر والهندسى بالإضافة إلى الخط الثلث وقد أدى ذلك لانتشار ظاهرة الكتابات العربية على الآثار والتى تضمنت نصوصا قرآنية أو تأسيسية أو دعائية أو تذكارية مما ساهم في الحفاظ على اللغة العربية وقواعدها،مشيرا إلي أن بعض مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي يتحدثون ويكتبون بالعربية والبعض الآخر يكتبون بالعامية،وهناك من ابتكر ما يطلق عليه الفرانك اربك،فالعبرة بالمستخدمين وليس بالوسائل نفسها.






أما محمد النجار الباحث المتخصص في الآثار الإسلامية كشف لنا جانباً مهماً في هذا التحقيق،حيث حصل من كلية الآداب بجامعة طنطا علي درجة الماجستير بامتياز مع التوصية من لجنة المناقشة والحكم بالطبع والتبادل مع الجامعات الأخري،وذلك عن رسالته العلمية التي أعدها بعنوان"القاعات العربية بقصور القاهرة"عصر الأسرة العلوية".



الفنان المسلم 


وقال النجار:من خلال إستخدام الفنان المسلم للخط العربي في الزخرفة أصبح له بصمة تميزه عن غيره من فنانين الحضارات المختلفة،ومظهراً من مظاهر الجمال،وقد أخذت النقوش الكتابية العربية نصيباً كبيراً من الشهرة والمكانة المرموقة بين الزخارف العالمية ولازالت بتلك المكانة حتى الآن.



ويعد الخط العربي أحد الفنون التشكيلية الذي يتجاوز دوره من وسيلة لنقل المعلومات والعلم والتعليم إلى الزخرفة، وبلغت أنواع الخطوط في العصر العباسي نحو ثمانين نوعاً أو تزيد، وهذا بطبيعة الحال طرف فني لم تبلغه أمة من الأمم، لذا استخدموا الآيات القرآنية والعبارات التي تحث على الألوهية والتوحيد والحمد، وورد اسم رسول العالمين سيدنا محمد ﷺ، والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، أو الأحاديث النبوية الشريفة، بالإضافة إلى الحكم والأمثال وأبيات الشعر، إذ يعد الشعر من الفنون العربية الأدبية الأولى لدى العرب، وعبارات الترحاب بالضيوف.





وأصبحت الكتابات بالخط العربي وثيقة للتعرف على حال ثقافة وتاريخ ووصف الشعب المصري واهتمامه باللغة العربية والخط العربي في القاعات العربية بقصور الأسرة العلوية، واستخدمت أشكال البلاغة عند الحاجة إلى التشبيه والاستعارة المكنية، لتحقق اللغة العربية المكتوبة بالخطوط العربية المختلفة الأهداف والرسالة التي يبغون منها توصيلها للقارئ، بالإضافة إلى إظهار مدى الورع الديني أو الرفاهية والثراء لصاحب المكان.



وكذلك عكست النقوش الكتابية الأثرية الكثير من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الفترة، واستخدم الخط العربي بأنواعه المختلفة لتزيين أجزاء عديدة من القاعات،فظهر على الأبواب والأسقف والأعمدة والنوافذ والجدران داخل بحور كتابية بأشكال مختلفة منها الخط الكوفي وخط النسخ وخط الثلث،بالإضافة إلى الخطوط الجديدة وظهرت بالقاعات بالعربية بقصور الأسرة مثل الخط الديواني الغزلاني.



اغتراب داخلي 


وقد لعبت وزارة الثقافة بكل مجالسها ومكوناتها دورا مهما في الحفاظ علي اللغة العربية،وهو ما جعلنا نسأل الدكتور هشام عزمي رئيس المجلس الأعلى للثقافة،والذي قال:تعد اللغة العربية من أهم مقومات الهوية العربية،فقد عملت علي نقل تاريخ وثقافة الحضارات العربية عبر الزمن،وهي من أهم العوامل التي حافظت علي توحيد الأمة العربية من المحيط الي الخليج،كما أسهمت في حفظ تاريخ العرب منذ العصر الجاهلي،واضفي نزول القرآن الكريم بهذه اللغة نوعا من القدسية والعناية الإلهية،حيث تمتاز اللغة العربية بقدرتها علي الابداع والتكيف في العديد من من المجالات والبيان والبلاغة،إذ أنها مقوم اساسي من مقومات أمتنا العربية والإسلامية،وقد أتاحت اللغة العربية الدخول في عوالم زاخرة بالتنوع،كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصحى والعامية ومختلف خطوطها وفنونها.



وتابع قائلاً:غير أنه وللأسف، بدأت تلوح في الأفق خلال السنوات الأخيرة مؤشرات على تراجع الاهتمام باللغة إلى حد يثير القلق من الغيورين عليها،ولا يخفى على أحد ما آل إليه حال اللغة العربية خلال السنوات الأخيرة، وما أصبحت تعانيه من مشكلات جعلتها تعاني حالة اغتراب داخلي في وطنها، ناهيك عن الإهمال الذي تشهده على أصعدة كثيرة خاصة بين الأجيال الجديدة،وأصبح بعضهم يتقن اللغات أجنبية إجادة تامة في الوقت الذي قد لا يتحدثون فيه اللغة العربية إلا نادرا أو لا يتحدثون بها على الأطلاق،بل ووصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار التحدث باللغة العربية سبة قد يوصمون بها من قبل أقرانهم على نفس الشاكلة.





والحقيقة أن انحسار استخدام اللغة العربية وتراجع استخدامها في بعض الأوساط الشبابية ، خاصة الذين يدرسون في المدارس الأجنبية والدولية، يدق ناقوس خطر كبير فيما يتعلق بمدى قدرة هؤلاء الشباب على التعاطي مع المنتج الثقافي بكافة أشكالة وأنواعه،فلقد أصبح استخدام اللغة الأجنبية هو السائد في هذا الوسط وغاب استخدام اللغة العربية ليس فقط على مستوى اللغة الفصحى ولكن العامية أيضا،ولقد أدى ذلك الاحجام بالتبعية إلى زيادة الأقبال من هؤلاء الشباب على المنتج الثقافي الأجنبي قراءة وموسيقى وغناء وغيرها من أشكال الإبداع.




تحصين الهوية 

وقال:نحن الآن في أمس الحاجة إلى تبني استراتيجية للعمل الجاد من أجل تحصين الهوية العربية والمصرية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها،بغية ترسيخ الانتماء إليها في قلوب الأطفال والناشئة وتعميق مفهومها في عقولهم،حيث أن العروبة ليست مفهوما عرقيا أو عنصريا بل هي هوية ثقافية موحدة تلعب اللغة فيها دور الحاضن والمعبر عنها والحافظ لتراثها،كما أنها تمثل إطارا حضاريا يرتكز على القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية ويعمق جذور التنوع والانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى دون الذوبان فيها.



واضاف:تقوم وزارة الثقافة المصرية بجهود حثيثة للحفاظ على اللغة العربية،باعتبار أن الأخيرة هي الوعاء الحاوي للهوية الثقافية وتعد المحافظة عليها وصيانتها من معاول الهدم التي تفتك بها،ومنها جائزة الدولة للمبدع الصغير وهي للأطفال من 5-18 سنة،حيث أن هذه الفئة العمرية تمثل أهمية كبيرة لجهود دعم اللغة العربية،ومشاركة النشء في هذه الجوائز جاءت لتشجيعهم على القراءة والكتابة وتطوير معارفهم،كما كانت وزارة الثقافة شريكا أساسياً في مبادرة اتكلم عربي التي أطلقتها وزارة الهجرة منذ عدة سنوات لتشجيع أبناء المصريين في الخارج على إستخدام اللغة العربية بصورة أكبر.



وأضاف:إننا نؤكد على ضرورة اتخاذ كل التدابير والإجراءات التي تكفل الحفاظ على اللغة العربية وصونها وزيادة الوعي بأهميتها والعمل على زيادة استخدامها،وأن نتكاتف جميعا لتعود إلى مكانتها التي تستحق. فلا نريد أن تعود اللغة العربية لتشكو مرة أخرى على لسان حافظ:


 وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً..وَمَا ضِقْتُ عَنْ أَي بِهِ وَعِظَاتِ


فكيف أضيق الْيَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلة..وتنسيق أسْمَاءِ لِمُخْتَرَعَاتِ


أنا البَحْرُ في أَحْشَائِهِ الدَّرْ كَامِنٌ..فَهَلْ سَاءَلُوا الْغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِ





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق