علاء الدين ظاهر
كتاب مهم صدر حديثاً عن مكتبة الإسكندرية ضمن سلسلة تراث الإنسانية للنشأ والشباب،وسنستعرضه في بوابة آثار مصر علي مدار حلقتين،والكتاب هو"نشأة الكتابة في العالم"،وهو الثالث لعالم الآثار أ.د.أحمد سعيد أستاذ آثار وتاريخ الشرق الأدني والقديم بجامعتي القاهرة والكويت،والذي أصدرت له المكتبة أيضاً كتابين آخرين في نفس السلسلة هما"الفلاح الفصيح..تاجر وادي الملح"،و"الملك البابلي حمورابي..مشرعا".
وعن كتابه"نشأة الكتابة في العالم"،قال أ.د.أحمد سعيد:هذا هو الكتاب الثالث لي في سلسلة "تراث الإنسانية للنشئ والشباب"، تلك السلسلة التي بلا شك تعتبر إضافة هائلة ضمن أنشطة مكتبة الإسكندرية،والتي كما أعلم لاقت نجاحًا وامتنانًا ممن تابعوها. وعنوان الكتاب: "نشأة الكتابة في العالم"،وهذا الموضوع كان يشغل بالي منذ عام 1975م،حيث ناقشه الراحل الكبير أستاذ ومعلم الأجيال الأستاذ الدكتور عبد العزيز صالح، أستاذ تاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم (1921-2001).
وكان الموضوع عن أقدم موطن نشأت فيه الكتابة على الإطلاق وليس العالم ككل، حيث طرح – كعادته -بموضوعية وحيادية تامة: هل بدأت الكتابة في بلاد النهرين أم في مصر؟ وكانت المناقشة في حدود ما هو موجود من دراسات وقتها بطيعة الحال وأكد حينها أن التطور الحضاري والظروف البيئية والاجتماعية في كلا البلدين تجعلهما يصلا إلى اختراع الكتابة في تقارب زمني يكاد يكون في وقت واحد.
وتابع:اليوم أتعرض لبحث نشأة الكتابة في العالم بشكل عام، والحقيقة لقد استفدت وتعلمت كثيرًا حيث بدأت أبحث خارج نطاق تخصصي العام فيما استطعت التوصل إليه مما كُتب حول هذا الموضوع، سواء بالعربية أو الإنجليزية والألمانية.
حيث اتفقت معظم الكتابات على تناول نشأة الكتابة في الشرق الأدنى: بلاد النهرين ومصر، والشرق الأقصى: الصين، ثم جزر بحر إيجه، وأخيرًا أمريكا الوسطى؛ وهو ما تناولته في هذا الكُتيب. وهناك من يتناولها جميعًا أو بعضها، ونجد البعض الآخر قد يضيف نشأة الكتابة في مواقع أو بلاد أخرى كإيران، والأناضول، واليابان، ووادى السند، والجزيرة العربية.
وقال:لا شك أن الكتابة أحد أعظم الاختراعات الإنسانية، بإعطاء شكل مادي للتحدث فهي تسجيل اللغة المنطوقة، التي ظهرت من خلال اكتشاف الآثار في أكثر من موقع في العالم القديم، لكن باختلاف تأريخ بداية المعرفة بها؛ فالكتابة عبارة عن نظام من العلامات الرسومية التي تمثل وحدات لغة معينة، تلك التي سيتم تمثيلها (سواء كانت عناصر فردية، مقاطع، أجزاء من الكلمات، أو بعض مزيج من الثلاثة)، هي وظيفة بنية اللغة والاحتياجات وتقاليد المجتمع الذي يستخدم هذا النظام، وقدرات العقل البشري.
فاللغة من أهم وسائل المعرفة التي تتميز بالثبات والديمومة، أي وسيلة نقل المعلومات والمعارف من إنسان إلى إنسان، ومن زمن إلى زمن، وبواسطتها يضمن الإنسان الوصول إلى ما يريد غيره من دون مخافة الوقوع في النسيان وخطر الاعتماد على الذاكرة وقد بدأ الأنسان خطاه نحو الكتابة بمحاولة التعبير عما يريد أن يقوله ويرغب أن يصوره كي يتعرف عليه الآخرون؛ فاستخدم الرموز وصورها نقشًا كي يشير إلى عناصر الطبيعة من حوله، الكونية أو النباتية أو الحيوانية، ثم حاول التعبير عما يجول في ذهنه من أفكار وأفعال محاولًا إفهام من حوله.
وتطورت مسألة الكتابة من الرموز والصور الملموسة ثلاثية الأبعاد، إلى الصور ثنائية الأبعاد واختراع الأرقام المجردة والعلامات المقطعية الصوتية، أي فصل العلامة الرسومية أو الإشارة عن معناها (السيماسيجرافيا)، ولم يترك سوى الصوت؛ فكان هذا التحول الفكري خطوة حاسمة نحو إنتاج نظام كتابة يمكنه تمثيل اللغة عن كثب وإنتاج نصوص متطورة للكتابة المعجمية. وأخيرًا، في الألفية الثانية قبل الميلاد، تم التجريد النهائي للصوت والمعنى باستخدام تمثيل الصوتيات بالحروف الأبجدية.
وتتم دراسة نشأة الكتابة في ضوء مجموعة واسعة من أنظمة الكتابة من جميع أنحاء العالم القديم: بلاد ما بين النهرين، ومصر، وبحر إيجه، والمشرق، والصين، وأمريكا الوسطى، واليونان. ولقد أصبح ظهور الكتابة أمرًا مقبولًا بشكل عام كخط فاصل بين التاريخ وما قبل التاريخ، حيث أدى هذا الاختراع إلى حفظ الإنتاج الفكري والميراث الثقافي والعلمي للإنسان من الاندثار ولتتوارثه الأجيال اللاحقة؛ فلدينا تواريخ تقريبية لنشأة الكتابة: بلاد ما بين النهرين ومصر 3100-3000 ق.م.، وكريت 1750 ق.م.، الصين 1200 ق.م. (على ما يسمى بـ "عظام أوراكل" لحضارة شانغ)، أمريكا الوسطى (حضارة الأولمك) 900 ق.م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق