علاء الدين ظاهر
كشف أ.د.أحمد سعيد أستاذ آثار وتاريخ الشرق الأدني والقديم بجامعتي القاهرة والكويت أن اختراع الكتابة كان بلا شك حاسمًا في تقدم الإنسان في العالم حيث بدأت الكتابة كأداة لإقامة النظام، وتسهيل الزراعة والتقويمات والأعمال التجارية؛ لكن فكرة الكتابة تجاوزت هذه الاستخدامات العملية وأصبحت بمثابة العامل الحاسم في نجاح الجنس البشري.
ولقد تصدى كثير من العلماء بكل اللغات إلى مسألة البحث عن الأدلة المتاحة الدالة على نشأة الكتابة من حيث الزمان والمكان، وبطبيعة الحال تناولوا أكثر من بلد في العالم القديم والعالم الجديد.
جاء ذلك في كتاب مهم له وصدر حديثاً عن مكتبة الإسكندرية ضمن سلسلة تراث الإنسانية للنشأ والشباب،والكتاب الذي استعرضنا جانبا منه في بوابة آثار مصر في الحلقة السابقة"لقراءتها من هنا"هو"نشأة الكتابة في العالم"،وأشار فيه عالم الآثار أ.د.احمد سعيد إلي أنه انحصرت معظم الكتابات مع التفاوت من عالم لآخر في الشرق الأدنى في بلاد ما بين النهرين ومصر، والشرق الأقصى في الصين، ثم جزر بحر إيجه، وأخيرًا أمريكا الوسطى وهو ما تناوله في هذا الكُتيب.
فنجد من يتناولها جميعًا أو بعضها والبعض الآخر قد يضيف نشأة الكتابة في مواقع أو بلاد أخرى كإيران، والأناضول، واليابان ووادى السند وغيرها . ومما لا شك فيه أن اختيار المكان كان له دلالته التاريخية والوثائقية كما أوضحنا سالفًا، وكذا اختلفت البداية الزمنية من موقع لآخر طبقًا لفترة خروج كل بلد من عصور ما قبل التاريخ إلى بداية التاريخ وتكوين الممالك وبالطبع معرفة الكتابة وتطور مراحلها من التصويرية إلى الرمزية فالمقطعية من الألف الثالث إلى الألف الأول قبل الميلاد.
ولقد لعب علم الآثار دورًا هامًا ونشطًا في إثراء النظريات حول أصول الكتابة وأسبقية كل بلد عن الآخر، ومناقشة ما إذا كان هناك تأثير وتأثر بينها أم يجب التعامل مع هذه المناطق بشكل منفصل وأنظمة الكتابة التي نشأت بها باعتبارها فريدة من نوعها، ولأنها مسألة جدلية لم يتعرض المؤلف لتلك النقطة.
وقد أدت عملية ممارسة الزراعة وإنتاج المحاصيل إلى التفكير في الأعداد الحسابية لتنظيم تلك العملية وإنشاء ما يُطلق عليه الأرقام، وهذا ما جعل كثير من العلماء يعطون أولوية وأقدمية اختراع الكتابة إلى بلاد ما بين النهرين في الألف الرابع قبل الميلاد أو ما قبله من خلال تلك الكرات أو الأقراص الطينية المكتشفة ذات الثقوب وعليها ما يشير إلى أعداد حسابية كما ذكرنا سالفًا، ثم التحول إلى أو ظهور العلامات التصويرية في الكتابة المسمارية.
بينما يمكن القول أن تلك العلامات الحسابية مع أهمية فكرة اختراعها لا شك تفتقد إلى ما يمكن أن نطلق عليه نظام كتابة كامل أو جمل منطوقة، فهي علامات منفصلة للتعبير عن رقم فبدلًا من أن ينقش ثلاث صور لحيوان أو نبات ما يعبر عن العدد بتلك العلامات.
إلا أنه في نفس الوقت، توجد أدلة أثرية ترجع إلى نفس الفترة في مصر تمثلها نقوش نقادة الأولى لها دلالات تشير إلى التعبير عن مفاهيم اجتماعية وعقائدية تُدرج أيضًا ضمن بدايات المرحلة التصويرية والرمزية لمعرفة الكتابة، وإن كان البعض ينسب بدايات تلك الآثار الحسابية لبلاد ما بين النهرين بدايةة من الألف الثامن قبل الميلاد؟.
كما أنه توجد مسألة هامة في تعريف الكتابة والتي تشير إلى تمثيل الأفكار والتعبير على الأسطح بعلامات تدل على اللغة أو الكلمة التي توضح بعلامة أو صورة مرئية، فلو أخذنا هذا التعريف فقط لاستطعنا القول أن النقوش الصخرية ونقوش الكهوف التي ترجع إلى آلاف السنين تعتبر كتابة، لكن مفهوم الكتابة مع بداية التاريخ والذي يعود في الشرق الأدنى على سشبيل المثال إلى الألف الثالث قبل الميلاد، هو اللجوء إلى كتابة أو نقش علامات باختلاف تنوعها وتطورها تُنطق وتشير إلى إسم، أو فعل، أو ظاهرة أو معاملة تجارية أو تعبير دينى .. إلخ،وتعنى بداية وجود علامات التواصل البصري التي توفر رابطًا يمكن تتبعه للأشكال اللاحقة من الكتابة أي تصويري رمزي مقطعي.
ومن الناحية النموذجية، فالكتابة هي تمثيل الكلام للأفكار والرؤية للبيئة المحيطة وبدأت بالإشارات والرموز المرئية التي ابتكرها الإنسان وطورها لأغراض التواصل، وفي أحيان أخرى لأغراض مجردة كالتعبير عن الذات او المعتقدات.
ومع هذا المفهوم الشامل للكتابة المرتبطة فقط بلجوء الإنسان أو فلنقل الفنان لتصوير أو نقش ما يريد التعبير عنه، يمكننا الرجوع إلى رسومات الكهوف التي يبلغ عمرها 40 ألف عام في كهفي "لاسكو"، بفرنسا و"التاميرا"، في إسبانيا، وكذلك العلامات المحفورة على العظام في الصين "التعارف"، منذ حوالي 10.000 سنة، وكذا نقوش موقع "جوبيكا" بتركيا التي ترجع إلى 9.000 آلاف سنة، وكذلك النقوش الصخرية المنحوتة لدى الشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية منذ 4000 سنة، أو النقوش الصخرية في الصحراء الكبرى والجلف الكبير بمصر .
لقد تحدثنا عن نشأة الكتابة بمراحلها التى تعبر عن اللغة بأصواتها، فالكتابة هنا نظام من العلامات الرسومية التي تمثل وحدات لغوية معينة تم اختراعها بشكل مستقل في الشرق الأدنى وجزر بحر إيجه والصين وأمريكا الوسطى، والتي بدأت - كما يرى العلماء - بنظام العد وتسجيل البضائع باستخدام الرموز على الكتل الطينية، ثم انتقلت لكتابة ما يُقال لغويًا.
حيث تطورت الكتابة من الرموز إلى الصور والمقاطع، وأخيرًا الأبجدية أي أصبحت التمثيلات التصويرية حروفًا مُجردة(؟)، لعبت البيروقراطية والتجارة الدور الرئيسي في نشأتها وتطورها، ففي البداية وفي جميع الثقافات استخدموا لغة بصرية تعمل في الصور التوضيحية.
فعلى سبيل المثال، تم تمثيل كلمة "شمس"، من خلال رسومات للشمس أي أن أقدم الكتابات كانت عبارة عن نصوص مصورة تحتوي على رموز للأشخاص والحيوانات والأشياء، وهذه تسمى رموز الصورة أو الصور التوضيحية، ثم ابتعدوا بشكل متزايد عن تصوير الأشياء وتحولوا إلى أشكال أكثر تجريدًا. وبمرور الوقت، أصبح هناك مقطعًا لفظيًا يحتوي على أحرف أقل تدل على إسم أو فعل أو كائن .. إلخ، كما حدث في الكتابة المسمارية،وأصبحت الكتابة هي التكنولوجيا الرئيسية للبشرية لجمع ومعالجة وتخزين واسترجاع التواصل ونشر المعلومات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق