علاء الدين ظاهر
علي قدر عظمة وقيمة الحضارة المصرية القديمة،إلا
أنك تجد دائما من لا يتردد في وصمها بالخرافات والخزعبلات،والتي تنم عن حقد علي هذه
الحضارة العظيمة،ورغم ذلك هناك أساتذة ومتخصصون كثيرون يهبون لتفنيد تلك الخزعبلات،ومنهم
الدكتور مدين حامد عالم الآثار ومدرس ترميم وصيانة المخطوطات والوثائق بكلية الآثار
جامعة الفيوم.
# أبو الهول لا علاقة له بطوفان نوح
الدكتور مدين حامد قال:إنتشرت في السني القليلة المنصرمة منشورات بمعلومات مضللة غير منصفة عبر صفحات خصصت لأغراصها الحاقدة والهادمة دوما لثوابت آمن بها الكثيرون حول العالم عن أم الحضارات _لا ريب _ وأعظمها إرثا وفكرا على صعيدي التراث المادي واللامادي لمنطقية فرضيات ونظريات دراساتها ودلالاتها الواقعية على جدران معابدها ومقابرها.
فعن الحضارات المصرية يتحدثون بشكل غير مهني ليس له تأصيل علمي على الإطلاق ، ويؤسسون لنظريات وفرضيات جوفاء لا ترقى لمنطق ولا يقبلها عاقل أو مجنون ، ويروجون لافتراءات ممنهجة من بينها أنه لا علاقة لبشر بما تم تشييده من صروح عظيمة وأبنية يتعجب لها كل من شاهدها وزارها في مصر.
والمضحك ضمن أطروحاتهم أن الأهرام قد شكلت عبر حركات أرضية عندما كانت الأرض لينة طيعة،كما تشكلت الجبال من البراكين ، ليس هذا فحسب بل افترى هؤلاء من الجهلة بأن المصريين القدماء قد استقوا معلوماتهم وعرفوا لغتهم الهيروغليفية من الحضارات الأخرى وأن هذا - حسب طرحهم - جلي وواضح في الميثولوجية الإغريقية.
ولم يتوقف هؤلاء عن سذاجة طرحهم ، بل زادوا على ذلك في مقارنة غير عادلة مع حضارات العراق القديم ، وهو أن الأخيرة أعرق وأجل من الحضارة المصرية القديمة ، بل تتمتع بمقومات تركها مشيدوها لا مثيل لها في مصر القديمة ، من بينها أنه لا دليل كتابي بمصر يدعم نسبة مبانيها من مقابر ومسلات ومعابد إلى أصحابها من ملوك مصر مثلما ورد على أبنية أشور وبابل من كتابات مسمارية تنسب مبانيها إلى ملوكها.
وكأن بنا لم نر ولم ير العالم بأسره لغة بخطيها الهيراطيقي والديموطيقي على مصادر تاريخينا العظيم من أبنية وصروح وبرديات أذهلت الدنيا كلها بشكلها ونسقها ومعلوماتها وعلومها التي علمت العالم ومازال ينهل من غيضها قبل فيضها ، وزيلوا طرحهم هذا بأن كل ما تم من تفسير للهيروغليفية خاطئ ولا يمت للحقيقة بصلة ، وأن من قام بذلك وغيرهم من التابعين من الباحثين والعلماء يدرسون ويبحثون في لغة وأبجدية لا يعلمون عنها شيئا.
ومازال الجاهلون بتلك الصفحات يروجون لأفكار عقيمة ما أنزل الله بها من سلطان لعل أهمها أن تمثال أبي الهول الرابض بهضبة الأهرامات يعود إلى تلك الصخرة التي بقيت بعد انتهاء الطوفان الذي حدث مع نبي الله وشيخ المرسلين"نوح" عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، بل وأن لهذا الأثر علاقة وطيدة بهذا النبي من خلال تفسيرهم لجمعه رأس إنسان وجسد أسد من خلال قياسات وأرقام غريبة وغير عقلانية وهلم جرا.
الأهرامات لم تبن لخدمة الأجرام السماوية
يكمل الدكتور مدين حامد عالم الآثار ومدرس ترميم وصيانة المخطوطات والوثائق بكلية الآثار جامعة الفيوم تفنيد الخزعبلات التي لا يتورع كثيرون عن إطلاقها علي الحضارة المصرية القديمة.
وتابع:من شططهم أن حضارات مصر وملوكها ليس لديهم من العلوم والوصايا والفضيلة ما يقارن بما ورد عن ملوك ونبلاء بابل وأشور لا سيما قوانين حمورابي ، فقد تجاهلوا بحقدهم الجم وصايا الملوك المصريين لأبنائهم بحسن معاملة الأم والإحسان إليها والحض على الزواج والحفاظ على الدم المصري الخالص وكثرة النسل والبعد عن الزنا.
وحماية الحدود والحفاظ على مياه النيل وعدم الاعتداء على الآخرين ، وما جاء بأناشيد إخناتون وقصص الفلاح الفصيح ، والمعاملة الحسنة لأنبياء الله عندما هاجروا لمصر كإبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام وزواج بعضهم من المصريات كهاجر لسيدنا إبراهيم والسيدة مارية القبطية لخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله وسلم وبارك عليه.
ومنهج عبثي انتهجه مجموعة من الحاقدين والمروجين لافتراءات ونظريات كاذبة نصا ومضمونا ، لا سيما وأنهم يحاولون ربط الحضارة المصرية بأفكار وفرضيات لا تصلح إلا لسيناريوهات وأفلام الخيال العلمي،مع كامل احترامي وتقديري لحضارات العراق الشقيق والحبيب ، بيد أنه لا مناص من التصدي لمثل هؤلاء المرتزقة كخفافيش الظلام التي لم تأل يوما جهدا ما في تزوير وتزييف الحقائق ودعم الوقيعة بين الأشقاء من العرب والمسلمين على حساب حضاراتهم العظيمة وثوابتها الجلية والمعروفة للقاصي والداني
ليس ما تقدم فحسب ، بل دأب بعض الباحثين عن الإثارة والشهرة من المصريين الممتهنين لاختصاصات أخري والمنتسبين شكلا لعلم الآثار علي تزييف الحقائق والثوابت، لا سيما طرحهم الباعث علي السخرية بأن أهرام مصر لم تبن كمقابر بل هي لخدمة الفلك ورصد الأجرام السماوية ، فمن أين أتي هذا بفرضياته الجوفاء تلك.
خاصة وأن ما عثر عليه بهذه الأطواد العظيمة من أهرامات مصر قاطبة يدعم فكرة ونظرية كونها بنيت لدفن وحفظ أجساد ملوك مصر العظام ، وهو بهذا يصنع منصة زائفة لدعم نظريات الغرب في قطع صلة قدماء المصريين بإنجازاتهم وإرث أولادهم وأحفادهم ، بل ويؤسس- لاريب- لتزييف التاريخ وحرمان مصرنا الحبيبة من دلالات عظمتها وروافد سبقها الحضاري بين العالمين
هذا إن دل فإنما يدل قطعا علي جهل البعض من المصريين بتبعيات تصريحاتهم التافهة، والنيل من حضارتنا وإرثنا وتاريخنا العظيم بحقدهم الدفين وغيرتهم غير الشريفة ، فضلا عن أهداف أخري لبها خدمة نظريات هادمة لبها سياسي أو عقائدي أو لترسيم جديد للحدود والبلدان للحصول علي مكاسب يصعب تحقيقها بالطرق الأخري ، أو للشهرة عبر الاقتراب من أشهر الأبنية والعمائر والآثار التي ينظر لها العالم أجمع بالدهشة المغلفة بالحقد والغيرة .
وعلي ما تقدم ونحوه، فإنني أطالب وزارة الآثار وأجهزتها المعنية بضرورة التصدي لمثل هذه المزاعم والإطروحات غير الدقيقة أو السليمة من خلال متحدث إعلامي مهمته الرئيسة الرد علي كل ما يثار بشأن هذا الهجوم المدبر والهادف دوما إلي هدم كل الحقائق والثوابت ذات الصلة ، لا سيما وأن كل ذلك يخمد تارة ويظهر مجددا ، وإلا لن يكون هناك أمل في المدي المنظور في دحض تلك الآراء وهدمها من الأساس للدفاع عن تاريخنا وثوابتنا ومقدراتنا عاجلا كان أم آجلا.
الأهرامات لم تبن بالسخرة
وكشف الدكتور مدين حامد أن ما يردده البعض عن بناء الأهرامات بالسخرة إنما هو كذب وافتراء محض لا تأصيل له،وقد كان بناء الأهرامات واجب مقدس وضرورة دينية لدفن أجساد ملوك مصر لما لهم من مكانة رسمية ودينية مقدسة لدي عامة الشعب.
ولقد برهنت الإكتشافات الأثرية علي كذب هذه الادعاءات والأباطيل،ومن بينها ما حوته برديات وادي الجرف التي اكتشفتها بعثة مشتركة من جامعة السربون وجامعة أسيوط والمعهد الفرنسي للآثار الشرقية.
لا سيما بردية المفتش "مرر" التي تحدثت عن تمهيد الطرق لنقل الأحجار إلي هضبة الجيزة ، وتناولت صنوف الأطعمة التي تناولها العمال وقت التشييد والبناء من اللحوم والحبوب والبصل والثوم ومقاديرها، فضلا عن النظام المتبع من تقسيم للعمال وفق تميزهم ورغباتهم باحترافية شديدة ونظام دقيق.
ليس ما تقدم فحسب ، بل ووفق الاكتشاف المهم للأمريكي "مارك لينر" لمدينة وثكنات العمال في المنطقة الجنوبية الشرقية من هضبة الجيزة ، والذي كشف عن منازل عمال بناء أهرامات "من كاو رع" و " خف رع " بالإضافة إلي خوفو.
والتي أقيمت للسكن وإعداد وتناول الطعام ، كما عثر بأطلالها علي بقايا هياكل الأسماك والطيور والماعز والأبقار التي تكفلت بها الدولة لإطعامهم ، فأين السخرة التي تحدث عنها هؤلاء؟!
لعنة الفراعنة فطريات وجراثيم
قال الدكتور مدين حامد أنه منذ اكتشاف مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون عام ١٩٢٢م علي يد الآثاري الإنجليزي هيوارد كارتر بوادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر، والعالم كله يردد اصطلاحا جديداً يعرف بلعنة الفراعنة،هذا بخلاف بعض الدلالات الأخري التي روجها الكثيرون حسب وجهة نظرهم ، والتي شملت دور بوق توت عنخ آمون في نشوب الحرب العالمية ، وقصة مومياء " إمن رع" المعروفة بمومياء الحظ السيئ والمحفوظة بالمتحف البريطاني والكلام عن دورها في غرق السفينة تيتانيك.
هذا إلي جانب قصة التمثال المسحور للكاهن الطبيب " جد حور " في المتحف المصري ، والذي يحوي جسده عددا كبيرا من التعاويذ وتطأ قدماه عددا من التماسيح، ما كان سببا في الاعتقاد بشرب الماء المتجمع في حوضه العلوي بعد غسله للشفاء من بعض الأمراض المستعصية ، وللأسف كلها خرافات وخزعبلات لا سند لها .
إلا أن كل ذلك لا يمت للواقع بصلة ، فإذا ما تناولنا السبب الرئيس لنشأة هذا الاعتقاد الزائف بوجود لعنة الفراعنة بمؤلفات كاتب إنجليزي وكتابات الأستاذ أنيس منصور سلفا نجده وعلي الصعيد العلمي دون الالتفات إلي تلك الأباطيل المثارة بحقها في هذا الصدد، يتلخص في النقاط التالية:
# نظرا للسرعة المطلوبة في تشييد قبر الملك الشاب " نب خبرو رع" أو توت عنخ آمون لصغر سنه وقت وفاته فلم يسمح لملوناته أن تجف جيدا ، ما ساعد علي نمو أحد أنواع الفطريات السامة والمعروف بفطر عفن الخبز Sp: Rhizopus pilz , والذي بعد تكون نموه الخضري " الميسليوم " ونمت هيفاته وحوامله حتي تكونت حافظاته الجرثومية وتمزقت أغشيتها.
لتسقط جراثيمها Spores لتملأ هواء المقبرة ليستنشقها مكتشفو المقبرة ليسقطوا مغشيا عليهم بدرجات متفاوتة حسب الحمل الجرثومي الذي ملأ قصباتهم الهوائية ليسد مجري التنفس ويحدث إلتهابات بأجهزتهم التنفسية، ما كان سببا في الإدعاء بلعنة الفراعنة مع تحفظي الشديد علي هذا الاصطلاح.
# استخدمت بعض الملونات السامة High toxic colorants ذات القاعدة من مركبات الزرنيخ والبزموت والزئبق في تنفيذ الصور الجدارية Mural paintings , والتي تتأكسد لاحقا وتتحرر بعض عناصرها لهواء المقابر المغلقة ، وما إن يستنشقها مرتادوها حتي يغشي عليهم بتأثير تلك المواد السامة.
# تسكن بعض الأفاعي والوحوش هذه المقابر المهجورة لتلدغ أو تعقر المكتشفين لها عند دخولهم حجراتها،وحتي وإن كان هناك سحر لحماية المقابر ، فإنه يزول بزوال صاحبه المهيمن في حياته علي آليات سحره من الجان .
# تداعي بعض المقابر علي الصعيد الانشائي Structural behaviour بفعل الأحمال والضغوط الواقعة علي عناصرها المعمارية من الجدران أو الأعمدة ، وما إن تم فتحها حتي تسقط بعض أجزائها محدثة إصابات مختلفة المستويات والدرجات وربما الوفاة أحايين كثيرة ، وهو ما رأيناه عند الحفر خلسة بالمواقع الأثرية ، فيظهر مفهوم لعنة الفراعنة مرة أخري.
واضاف عالم الآثار الدكتور مدين حامد:هذه كلها مسببات للإصابة أو الوفاة أو الهلع والخوف عند دخول تلك المقابر ، ولا تؤسس للدفع بهذه الفرضية الجوفاء من قبل الباحثين عن الشهرة والإثارة.
يويا ليس نبي الله يوسف عليه السلام
ومن ضمن ما يتردد دون دليل عن الحضارة المصرية القديمة أن الوزير يويا هو نبي الله يوسف بن يعقوب عليه السلام،وهذا ليس صحيحاً وفنده الدكتور مدين حامد،وقال: مرددو هذه النظريات يعتمدون علي التشابه بينهما في عدة أمور أهمها سلطته الكبيرة، وموته في نفس عمر النبي ، وخلو قبره من الصور والرسوم التي كان يحرمها النبي ، ومكانته الدينية الكبيرة ، فضلا عن اسمه غير المصري بل وشكله الذي لا يشبه ملامح المصريين.
إلا أن ذلك غير ممكن للأسباب التالية:
# لم يكن للنبي يوسف مومياء محنطة لحرمة ذلك عنده وفق عقدته.
# لم يدفن النبي يوسف بوادي الملوك كما دفن يويا به علي غير العادة بدفن وزير وسط ملوك مصر ، ولم يبق له رفات وفق وصيته بنقله إلي الخليل بفلسطين علي يد بني إسرائيل أو نبي الله موسي بن عمران عليه السلام ، لكنه قد عثر علي يويا بقبره مطلع القرن العشرين الميلادي.
# لم تتزوج " منيسا" ابنة نبي الله من الملك المصري أمنحتب الثالث ، ولم تصبح أما لأحد أشهر ملوك مصر وهو إخناتون ، وإلا فإن الأخير يصبح حفيدا لنبي الله ومن بعده الملك الشاب توت عنخ آمون.
# عاش النبي يوسف أغلب الظن إبان حكم الدولة الوسطي أو مطلع عصر الانتقال الثاني علي أكثر تقدير، حينما قام بعدد من الإصلاحات الاقتصادية ومن بينها الزراعة وشق الترع للحيلولة دون تأثير السبع سنين العجاف التي حلم بها ملك مصر وقتئذ، وهو ما لم يرد مع يويا والد الملكة تي.
# عرف عن الملكة تي أنها كانت إبنة لكبير كهنة آمون ، فهل كان النبي يوسف كاهنا بمعابد آمون؟!!..بالطبع كذب وافتراء.
# اعتمد المروجون في طرحهم وفرضيتهم هذه علي مصدر واحد تمثل في أسفار التوراة مثلما اعتمد عليها كثيرون في الدفع بآراء ثبت زيفها مرارا وتكرارا.
# هل لدي هؤلاء تصور لملامح نبي الله حتي يقارن بشكل مومياء الوزير يويا؟!!
# لا يوجد دليل مادي اكتشف حتي اللحظة يؤكد ما ذهب إليه المروجون لهذا الرأي غير هذا التشابه المنقوص بينهما، والاعتماد علي النصوص التوراتية هذه.
المصريون القدماء برعوا في الطب
حضارة مصر حضارة أموات وقبور إتهام عبثي يتردد كثيرا..هكذا وصف الدكتور مدين حامد ما يتردد عن الحضارة المصرية،قائلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه كدليل قاطع ، فكل ما فوق الأرض عرضة للفناء والاندثار إذا ما قورن بنظيره تحتها ، وهي حقيقة لا جدال حولها.
وربما قد اندثرت قصور ومنازل قدماء المصريين ، لا سيما وأن قصور الحكم والبلاط -وهي أعلاها علي كل الأصعدة- كانت في أوج جمالها وزخرفها ، بل إن قدماء المصريين قد حاولوا أن ينقلوا ما يشبه متاع الحياة الدنيا إلي قبورهم بالمماثلة تماما ، وعليه فقد كان اهتمامهم بالحياة الدنيا كاهتمامهم بحياة العالم الآخر .
ونظرا لاعتقاد المصري القديم بالبعث والخلود في العالم الآخر وخوفهم من الحساب فقط اهتموا بمقابرهم وتحنيط أجسادهم لتحظي بالحياة السرمدية وفق اعتقادهم هذا ، ما كان سببا في اهتمامهم بعمارة العالم الآخر كما اهتموا بحياتهم الدنيوية.
ورغم كل هذا فقد اهتموا بأبنيتهم في الدنيا ، وليس أدل علي ذلك من القصر الذي شيده " أمنمحات الثالث" في الفيوم لابنته والمعروف بقصر التيه أو اللابرنت، كما أسماه هيرودوت حينما زار مصر ، والذي لو بقي ليومنا هذا لأصبح علي رأس عجائب الدنيا السبع ، فضلا عن المعابد وساحات القضاء ومخازن الحنطة " القمح" ، والحدائق التي كانت من أنواع ثلاثة ، وساحات السباق والفروسية ، واهتمامهم بالغناء والموسيقى والرياضة البدنية.
ليس ما تقدم فحسب ، بل ولخدمة حياتهم الدنيوية فقد برع المصريون القدماء في علوم الطب والجراحة، الكيمياء،الزراعة، الهندسة،الفلك والرياضيات، وقاموا بشق الترع وإقامة السدود وحماية نهر النيل ، وكثير من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وجيشوا الجيوش واهتموا بالجانب العسكري والسياسي لأعلي درجة ، لا سيما في عهد العظيم تحوتمس الثالث ، بل وقد اشتركت النساء في مهام الحكم والحرب كأمور دنيوية لها مكانتها عندهم .
وتابع:هذا بخلاف اهتمامهم بالتجارة ورحلاتها لبلاد بونت والشرق لاستيراد العطور والأعشاب وسن الفيل والأخشاب، والحديد الذي جلبوه من آسيا مع المواد الملونة ومساحيقها، فضلا عن تنظيم حياتهم بسن القوانين والفصل بين السلطات وفرض الضرائب والاهتمام بكافة مظاهر الحياة العامة ، وبكل ذلك ونحوه كيف كانت حضارتهم حضارة أموات كما ادعي هؤلاء وبشكل لا يستند إلي قرائن دامغة لفرضياتهم التافهة هذه.
الأهرام ليست إرم ذات العماد
واصل الدكتور مدين حامد تفنيده للخزعبلات التي يتم تداولها حول الحضارة المصرية،ومنها أن الهرم هو صرح هامان الذي بناه لفرعون موسي،والأهرام هي إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد.
وقال:تاريخيا نجد أن أقدم بناء هرمي كان للملك "زوسر" من السلالة الثالثة Third dynasty للدولة القديمة والمعروف بهرم سقارة المدرج ، وأن أحدث النماذج الهرمية بناء هو هرم الملك " خند جر" من السلالة الثالثة عشر من عصر الانتقال الثاني 2nd intermediate period ، وعليه فإنها كلها قد بنيت وشيدت قبل بناء ذلك الصرح من قبل الوزير هامان هذا بزمن عايشته أربع أو خمس أسرات علي أقل تقدير فترة حياة فرعون كليم الله موسي عليه وعلي نبينا السلام.....هذا تاريخيا.
وحسب ما قيل من النظريات التي حيكت حول صرح هامان هذا فقد بني من الطين أو الطوب اللبن Mud brick وتم حرقه ، بينما بني الهرم الذي يقصدونه هنا من أهرامات الجيزة من الحجر الجيري Limestone، فضلا عن اختلاف الشكل والنسق المعماري في الحالتين، ما يعد تناقضا واضحا قصده تزييف الحقائق حسب هواهم.
وفيما يتعلق بإرم ذات العماد فهي أغلب الظن مدينة قوم عاد التي خسف الله بها ولم تعد لها شواهد قائمة في وقتنا الحالي ، وموقعها حسب دراسات عدة هو صحراء الربع الخالي أو الأردن أو سلطنة عمان ، ولا علاقة لها بمصر أو أهراماتها من قريب أو بعيد.
كذلك مما يقال أن فرعون مصر هو رمسيس الثاني أو إبنه مرنبتاح،حيث أكد الدكتور مدين حامد أنه لا يوجد دليل دامغ واحد يساق للدلالة علي صدق هذا الطرح لعدة أسباب،وهي:
# حسب آي الذكر الحكيم ورد اسم واصطلاح " فرعون" مجردا من التعريف بالألف واللام ، لذا فهو اسم علم وليس لقبا ينعت به كل من اعتلي عرش مصر كما روج له حتي من بعض الآثاريين المصريين للأسف ، وإذا كان هذا صحيحا فلم نادي النبي يوسف عليه السلام الحاكم بالملك ولم يناده بالفرعون ، وكذلك لم يكن ملك بهذا في أي موطن أو آية إلا فيما يخص فرعون موسي عليه السلام ، وأغلب الظن أنه ليس مصريا بل من الشعوب المجاورة التي غزت مصر .
# دل النص القرآني علي أن فرعون كان عقيما ، ما حدا بزوجه أن تنصحه بأن يتخذا من النبي موسي وهو طفل ولدا بالتبني ، ولم يكن رمسيس الثاني ولا إبنه عقيما بل تزوجا وأنجبا، كما لم يعلم عن فرعون أنه أنجب ذكورا أصبحوا ملوكا أو حكاما بعد موته غرقا مثلما حكم أولاد هذين الملكين بعد موتهما.
# حتي وإن ذكر عن الرومان أو الرحالة "هيرودوت" عن نعت ملوك مصر بالفراعنة ليس دليلا علي هذا ، فهم قد ورثوا هذا مثلما نحن الآن ، كما أن الكثير مما ورد عن هيرودوت مشكوك في صحته، وللأسف كثير من هذه الادعاءات الباطلة استقاها كثيرون من النصوص التوراتية دون تأصيل يذكر، وذلك بتفسيرهم لاصطلاح " بر عو" أي البيت الكبير أو العالي قديما أو " بر عا" في الدولة الحديثة بشكل خاطئ اعتمادا علي التوراة من زاوية واحدة ، فلم يرد هذا الاصطلاح رفقة اسم أي ملك من ملوك مصر القديمة.
مصر القديمة لم تعرف الطائرات ولا الغواصات
لم تقتصر الخرافات والأشياء التي ترددت عن الحضارة المصرية القديمة علي كوكب الأرض فقط،بل امتد بعضها للسماء حيث يردد كثيرون فكرة أن المصريين القدماء كانوا علي إتصال بالقادمين من الفضاء،وبالتالي ليس غريباً هنا أن يردد كثيرون أيضا أن الفراعنة أو المصريين القدماء عرفوا أيضا الطائرات والأطباق الطائرة.
ما سبق ضمن خزعبلات كثيرة لا يجد مدعوها اي حرج في ترديدها،لكننا نرد عليها في هذه السلسلة التي يقدمها لنا الدكتور مدين حامد عالم الآثار ومدرس ترميم وصيانة المخطوطات والوثائق بكلية الآثار جامعة الفيوم،بتفنيده لهذه الخزعبلات بردود علمية موثوق فيها.
قال الدكتور مدين حامد:من الجيد ومن حسن الطالع دوما أنه كلما تغير شكل أو نسق أو طبيعة كل كتابة أو نقش علي جدران مقابر أو معابد القدماء المصريين فإن ذلك يصبح مجالا للتفسير وفرض النظريات سواء للتوصل لحقيقتها بصدق أو للإثارة والتشويق والبحث عن مواطنها أو تزييفا للحقائق وتزويرا في الأصول.
ودلالة ذلك أن هذه الفرضية غير المنطقية قد استندت إلي نقش شهير آثار حيرة المشككين والمهتمين، ويخص الملك "سيتي " الأول بمنطقة أبيدوس في محافظة سوهاج ، والذي تشبه تفاصيله وأحرف كتاباته تلك الطائرات والغواصات والأطباق الطائرة في ظاهرها.
إلا أن هذا الخلط المرسل يمكن تفسيره أن البري Abrasion والتحات بفعل عوامل التعرية Weathering قد أديا إلي إزالة جزء من الملاط الذي يحمل اسم الملك رمسيس الثاني بن الملك سيتي الأول، وكان يغطي النقش الأصلي لاسم سيتي الأول.
ما ادي لتداخل أحرف اسمي الملك مكونا اشكالا تشبه تلك الطائرات والغواصات والأطباق الطائرة كما تخيل هؤلاء وفق الأهواء والتمنيات، وهي ظاهرة مألوفة لا سيما من قبل الملك رمسيس الثاني الذي نقل أجزاء من معابد لملوك آخرين ونقش اسمه عليها بعد تغطيتها بمونة جديدة عوضا عن الاسم الأصلي لصاحبها،وعلي ذلك فإنه لا يجوز الدفع بفرضيات بناء علي مثل هذه الحالة إلا بعد دراستها بشكل جيد بأكثر من وسيلة .
حقيقة الصعود إلي الفضاء
في صدد فكرة الصعود للفضاء والاتصال معه،قال الدكتور مدين حامد:نفي ما ورد ببرديات وادي الجرف ومدن عمال الأهرامات التي تم الإشارة إليها أي مساهمة تذكر لغير المصريين في تشييد أبنيتهم وأهراماتهم ، فقد بنيت وشيدت بسواعد المصريين لا ريب في ذلك حسب تلك الاكتشافات المهمة في هذا الصدد.
ولا يوجد دليل واحد علي صعود المصريين القدماء Ancient Egyptians للفضاء ، أو قدوم الفضائيين للأرض لتشييد تلك الأطواد والشواهد الحضارية العظيمة، وأن من ساعد علي هذا هم نحن في الوقت الحاضر بتناولنا غير المهني بحثا عن الشهرة والمال لموضوعات قتلت بحثا فيما مضي.
ومن بينها نصل Dagger خنجر توت عنخ آمون ، وأنه قد شكل من حديد نيزكي استنادا إلي مقادير الكوبلت والنيكل في تركيبه عند تحليلها بتقنية تفلور الأشعة السينية XRF , فضلا عن تناول آخرين لهريمات البن بن بأنها شكلت من حجر أسود من الفضاء لا علاقة له بالأرض .
وفي الحقيقة هو من حجر أو صخر البازلت المعروف، فلم التحزلق والتشدق وطرح نظريات وفروض لا محل لها من الإعراب إلا بحثا عن الإثارة وتحقيق المكاسب الزائفة،وإلا لما لم نعثر علي مخلوقات فضائية محفوظة داخل التوابيت بديلة لأصحابها من ملوك مصر أو حتي عقود واتفاقيات بينهم لتشييد تلك الأبنية الضخمة، تفسيرات تثير الشفقة علي أصحابها وسطحية تفكيرهم وصغر عقولهم.
الزئبق الأحمر قصة محترفي النصب
قال الدكتور مدين حامد أن قصة الزئبق الملون قصة واهية مزيفة أبطالها محترفو النصب والتربح غير الشرعي اعتمادا على سذاجة البسطاء وقلة درايتهم في هذا المنحى ورغبة الكثير منهم في الثراء السريع من خلال الشرعية التي أضفاها هؤلاء المزورون المحتالون بوجود ذلك المعدن السائل والضار بالإنسان صحبة مومياوات المصريين القدماء أو في بعض من مكوناتها.
ووهو أمر لم يرد في هذا الصدد على الإطلاق ، ولم تحو أية مقبرة قد اكتشفت حتى اللحظة إي من مرادفاته أو مركباته،وأن ما آثار تلك القضية العثور على قارورة تحوي سائلا بنيا لزجا بمقبرة "آمون تف. نخت" من الأسرة 27 التي اكتشفت في تابوته المغلق في أربعينيات القرن الماضي واحتفظ بها في متحف التحنيط بالأقصر.
ولم يكن السائل إلا خليطا من ملح النطرون والراتنجات وبقايا راشح تحنيط جسد المتوفى من الدم مع مواد عضوية رخوة أخر،وهي التي تعرضت لمحاولات فاشلة من السرقة ....وكلها تكون السائل المتخلف عن عملية التحنيط Mumification ، وهو التفسير الصحيح والدقيق ، وأن اللون الأحمر القاني مرده إلى الدم الذي خضب ذلك السائل.
وتعقيبا على ما ورد أنه في الظروف العادية يختلط الزئبق بأية مادة ملونة ليأخذ لونها بشكل فيزيائي لا يرقى للتفاعل الكيميائي ، حتى أنه عند غسله يفقد لونه الجديد عائدا إلى لونه الفضي الحقيقي ثانية ، وهو أمر لا جدال فيه.
غير أنه وتحت ظروف كيميائية خاصة من الضغط والتحفيز يتفاعل الزئبق كيميائيا مع عدد من الملونات ليأخذ لونها الأحمر ، الأخضر والأسود مثلا في عملية كيميائية وتفاعل يعرف بالملغمة Amalgamation ليعطي مملغما Amalgam يختلف في صفته الكيميائية عن الزئبق الخالص وهي المستخدمة في عمليات التعدين .
فضلا عن دخوله في تفاعلات معطية مركبات كيميائية تحويه لا تعبر عن صفته الخالصة المنشودة من قبل هؤلاء ككبريتيد الزئبق والزئبقيك والمستخدمة في إنتاج العديد من الملونات وهي سامة قطعا.
ونهاية لا يؤسس كل ما تقدم وما ورد لدفع البعض بفرضية العثور عليه بمقابر المصريين القدماء أو مومياواتهم أو شيوعه وانتشاره في العصور الإسلامية استنادا إلى تلك القصة التي حيكت بشأن استخدامه وسيلة لمساعدة خمارويه بن أحمد بن طولون على النوم عند وضع مرتبة فوق سطحه وموثوقة إلى زوايا الحمام الأربعة بأربطة من خيوط الحرير لينام عليها بمساعدة الاهتزازات البسيطة الرقيقة التي يوفرها قوامه وتدبقه، وطيفه اللوني المبهج والمريح للنفس عند سقوط ضوء القمر عليه في لياليه القمرية.
هذا ، ولم يستخدم الزئبق هذا للتحنيط إلا بحلول منتصف القرن ١٧ الميلادي في أوروبا من خلال حقن Injection الجسم بسائله، أن من خلال إضافة مسحوق مركباته السامة من الكلوريدات أو الأكاسيد Cholorides or oxides تلك التي تستخدم كملونات Colorants إلي مواد التحنيط في العصر الحديث في منافسة مع مركبات الزرنيخ والفورمالين والزنك ، لا سيما بحلول القرن التاسع عشر الميلادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق