27‏/01‏/2022

نزيف الآثار مستمر بالمزادات بسبب التجاهل الدولى للملكية الفكرية للترات..تحقيق مُوَثَّق

علاء الدين ظاهر 

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن المتسبب الأول فى استباحة حضارة الشعوب وبيع آثارها فى المزادات العلنية هو تجاهل المجتمع الدولى عمدًا لحقوق الملكية الفكرية للتراث المادى.



هذا رغم اعترافه بحقوق ملكية فكرية لكل مفردات إبداعات الإنسان فى اتفاقية حقوق الملكية الفكرية الدولية وهى أحد ملحقات اتفاقية التجارة العالمية التربس وملزمة للأعضاء الموقعين عليها وكان التوقيع النهائى على الاتفاقية فى المغرب فى أبريل 1994 وبدأ سريانها فى منتصف 1995.


حقوق الملكية الفكرية

وتعمل اتفاقية حقوق الملكية الفكرية على تحقيق الحماية الفكرية بوسيلتين: الأولى هى الحصول على تصريح من مالك الحق الفكرى والثانية هى دفع ثمن لهذا الانتفاع وتهدف إلى حماية حقوق المؤلفين والمخترعين والمكتشفين والمبتكرين.



وأضاف الدكتور ريحان بأن هناك أسباب معلنة وأسباب خفية لعدم إدارج التراث المادى ضمن الاتفاقية والأسباب المعلنة طبقًا لدراسات الدكتور محمد عطية باحث دكتوراه في القانون الدولي الخاص ومدرس الترميم بكلية الآثار جامعة القاهرة هى عدم التكييف القانونى لعناصر التراث الثقافى بمعنى أن التراث الثقافى ليس له تصنيف محدد ليدخل فى إطار الاتفاقية ولا يتأتى هذا إلا بتشريعات وطنية تنتهي بإقرار دولي أو اتفاقية.


عناصر التراث الثقافي

 وأوضح الدكتور محمد عطية أن حماية الملكية الفكرية للآثار تتطلب عدة مراحل تشمل التصنيف ثم التسجيل ثم شمول التشريع الوطني لأشكال الحماية الجديدة لعناصر التراث الثقافي ( الآثار) ثم التدشين لاتفاقية دولية لادراج عناصر التراث الثقافي تحت مظلة أحد أشكال الحماية الفكرية سواءً اشكال الحماية المعروفة مثل الملكية الصناعية أو حق المؤلف أو ابتكار نظام فريد خاص طبقًا لاتفاقية جوانب التجارة المتصلة بحقوق الملكية الفكرية سنة 1994



وقد جاء فى الاتفاقية أن حق الملكية الفكرية حق مزدوج يضع إطارًا عامًا يحكم علاقات الملكية الفكرية ويستوعب الأشكال الجديدة من الملكية الفكرية التي يمكن أن تصنف علي أنها أحد أشكال الحماية الفكرية وبالتالي فإنه في حالة تصنيف التراث الثقافي ( الآثار) يمكن أن تشملها مظلة أن حق الملكية الفكرية حق مزدوج حيث أنه يعتبر أقرب تعريفات الحق الفكري التي من الممكن أن تشمل التراث الثقافي .



ويرى الدكتور محمد عطية أن التراث المادي يمكن تكييفه علي أنه مؤلف جماعي أنتجته أمة من الأمم حيث طبقًا لقانون الملكية الفكرية المصري رقم 82 لسنة 2002 مادة 138 فقرة 4 " المصنف الجماعي هو المصنف الذي يضعه أكثر من مؤلف بتوجيه شخص طبيعي أو اعتباري يتكفل بنشره بإسمه و تحت إدارته ويندمج عمل المؤلفين فيه في الهدف العام الذي قصد اليه هذا الشخص بحيث يستحيل فصل عمل كل مؤلف وتميزه على حدة ".


التكييف القانونى للتراث

ويرى الدكتور عبد الرحيم ريحان أن التكييف القانونى للتراث المادى موجود بالفعل فى معايير اليونسكو لتسجيل ممتلك تراث عالمى باليونسكو ويعد المعيار الأول والثالث لتسجيل ممتلك ضمن التراث العالمى لليونسكو تصنييف وتكييف قانونى للتراث الثقافى «الآثار» وقد سجلت على أساسه ممتلكات بمصر والعالم ضمن اليونسكو ومنها مواقع ممفيس ومقبرتها ومنطقة طيبة ومقبرتها (الأقصر) ومعالم النوبة من أبو سمبل إلى فيلة والقاهرة الإسلامية التى أدرجت عام 1979 ودير سانت كاترين عام 2002.




حيث أن المعيار الأول هى الممتلكات التى تمثل تميز فنى بما يشمل الأعمال المميزة للمعماريين والبناه، ويتمثل فى التميز والإبداع والعبقرية، والمعيار الثالث هى الممتلكات التى تعكس إنجاز عقلى أو اجتماعى أو فنى ذو أهمية عالمية التى تقف شاهدًا فريدًا أو على الأقل استثنائيًا على تقليد أو على حضارة لا تزال حية أو حضارة مندثرة أو عادات ثقافية مندثرة.



وقد جاء فى تعريف الملكية الفكرية هى إبداعات العقل في كل شيء سواءً كان ينتمي إلى المصنفات الفنية أو الاختراعات أو برامج الكمبيوتر أو العلامات التجارية وغيرها من ما يستجد ويمكن ادراجه اسفل مظلة الحماية الفكرية 



وبالتالى فالتراث المادى نوع من أنواع إبداعات العقل الذى أنتج ممتلك له قيمة عالمية استثنائية وبالتالى يمكن وضعه تحت نقطة " وغيرها من ما يستجد" بالاتفاقية باعتبارها تصنيف جديد يندرج تحته التراث المادى ويمكن أن تشمله حقوق الملكية الفكرية العالمية 


رفات السلالات البشرية

ولفت الدكتور ريحان بأنه فى حالة إدراج "التراث المادى" وتشمل الآثار بالطبع منها المعمارية والقطع الفنية والنقوش ورفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها وغيرها ضمن اتفاقية الملكية الفكرية ستحل الكثير من مشاكل التهريب والبيع بالمزادات العلنية علاوة على حقوق مادية ومعنوية للبلد الأصلى للأثر نتيجة عرض آثارها بالمتاحف العالمية وطريقة عرضها وحمايتها بصرف النظر عن طريقة خروجها شرعية أم غير شرعية وتيسير عملية المطالبة بعودة الآثار وإيجاد الصيغ القانونية المقنعة للغرب فى ظل توافر حقوق ملكية فكرية للتراث المادى .



وأضاف بأن آليات ذلك باتفاق مجموعة من البلاد العربية وتقدم الوزارات المعنية بالتراث ووزارات الخارجية بها رسميًا عن طريق إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بقطاع الشئون الاقتصادية بجامعة الدول العربية وللمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) بوضع التراث المادى كبند رئيسى ضمن الاتفاقيات الدولية لحماية الملكية الفكرية



ونوه الدكتور ريحان إلى الأسباب الخفية الغير معلنة عن عدم إدراج التراث المادى فى اتفاقية الملكية الفكرية الدولية وهى أن الدول المتقدمة أعدت اتفاقية الملكية الفكرية لتجبر البلدان النامية على أن تتحمل تكلفة البحوث العلمية التى تجريها البلدان المتقدمة سواءً بمعرفة أفراد أو مؤسسات أو مراكز بحثية ولتحصل على منفعة مادية مما تنتجه بمعنى كل ما تفوق فيه الغرب يرغب فى حمايته والانتفاع منه وما يملكه الشرق من حضارة أنتجها أجداده فهى مباحة دون أى حقوق مادية ومعنوية لأصحاب هذه الحضارة 



حيث تعرض هذه البلدان آثارًا لهذه الدول بمتاحفها وتعرض متاحف العالم آثارًا مصرية ومنها متحف اللوفر والمتحف البريطانى ومتحف الأرميتاج بروسيا ومتحف بوشكين فى موسكو ومتحف برلين وتورونتو ومتحف المتروبوليتان فى نيويورك ويتم تسويقها باعتبارها آثارًا مصرية وتستفيد منها ماديًا وتبيح قوانينها بيعها فى المزادات العلنية باعتبارها آثارًا مصرية .


حقوق بلد المنشأ

والسؤال من المطلوب منه إثبات مصريتها البلد الأصل أم البلد التى تسوقها باعتبارها آثارًا مصرية؟ ومن المسئول عن حرمان بلد المنشأ من حقوق مادية ومعنوية لها وحرمانهم من الحق فى مطالبتها؟ المسئول الأول هو تجاهل حق الملكية الفكرية للتراث المادى.



 وأشار الدكتور ريحان بأن هذه البلدان تستنسخ الآثار المصرية وقد ذكر باحث أمريكي عام 2010 أن أرباح مدينة لاس فيجاس سنويًا 80 مليار ونصف يورو بسبب مستنسخات الآثار المصرية ومصر لا تحصل على شئ من كل تلك الأموال،مع العلم بأن الأقصر الحقيقية فى مصر في أوج ازدحامها بالسائحين لا تتعدى 5 مليون ونصف سائح سنويًا .


مفردات الحضارة المصرية

وهناك أكثر من 30 مدينة تأخذ شكل الطابع الهرمى فى الصين والهند والإمارات وتايلاند وغيرها ولا تحصل مصر على شئ كما تستخدم مفردات الحضارة المصرية علامات تجارية لعمل هدايا من تحف فنية وتى شيرتات وأدوات مكتبية ولعب أطفال تباع بالمتاحف وتحقق أرباحًا مهولة ونموذج ذلك بالمتحف البريطانى والسؤال أليست هذا نوع من استغلال الآثار علامات تجارية والمحمية ضمن اتفاقية الملكية الفكرية؟



ويؤكد الدكتور ريحان أنه خاض تجارب شخصية فى المطالبة الرسمية بعودة آثار مصرية خرجت بطرق غير شرعية،حيث تقدم رسميًا بمذكرة علمية وافية واستيفاء الجوانب القانونية عام 2012 إلى المجلس الأعلى للآثار بشأن طلب استعادة مخطوط التوراة اليونانية المعروفة باسم (كودكس سيناتيكوس) الموجود حاليًا بالمتحف البريطانى.


دير سانت كاترين

وجزء منه بمكتبة جامعة ليبزج بألمانيا وخرج من دير سانت كاترين بالتحايل حيث اكتشفها فى الدير العالم الروسى وقيل الألمانى تشيندروف عام 1859م وحملها إلى بطرسبورج بموجب تعهد لرهبان الدير بخط يده والمحفوظ بمتحف الدير بعودتها ولم يف بوعده وفى عام 1933 اشتراها المتحف البريطانى من روسيا بمبلغ مائة ألف جنيه استرلينى ويوجد ورقتين فقط من هذا المخطوط بالدير سافرا فى معرض إلى الولايات المتحدة الأمريكية تم التأمين على الورقة بمبلغ 15 مليون دولار فما بالنا بالمخطوط كاملًا.



كما تقدم رسميًا بمذكرة علمية وافية واستيفاء الجوانب القانونية عام 2012 إلى المجلس الأعلى للآثار بشأن طلب استعادة أصل العهدة النبوية المحفوظ صورة منها بدير سانت كاترين من تركيا وهى العهدة النبوية الذى أعطاها رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) عهد أمان للمسيحيين يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وكنائسهم يعرف بالعهدة النبوية والمحفوظ بمكتبة دير سانت كاترين صورة منه بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند دخوله إلى مصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها إلى التركية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق