علاء الدين ظاهر
شهدت الأيام القليلة المنصرمة حالة من الصخب والتعجب علي مواقع التواصل الاجتماعي من دقة وجمال مقبرة مزيفةCounterfeited tomb شيدت من قبل المحتالين بمركز قريب من مدينة بني سويف،بخصوص صورها الجدارية Mural paintings ومقتنياتها Artifacts من التماثيل والتوابيت والأوشابتي والآنية بشكل مبالغ فيه ومحزن حقاً.
مما دعانا لمعرفة رأي أحد أبرز المتخصصين في الآثار والترميم لمعرفة ملابسات وكواليس ما حدث من وجهة نظر علمية سليمة،وهو أ.د.مدين حامد عالم الآثار والخبير والمدرب المعتمد في دراسات كشف تزييف وتزوير وترميم الآثار والمخطوطات، لا سيما وأن ما صدر في سواده الأعظم كان من جانب الاختصاصيين في حقل الآثار من المشتغلين بمهنة الآثار من مفتشيين ومرممين
خاصة ما وصفه البعض بأنه فكر خارج الصندوق والثناء علي مشيديها وأنها لصعوبة تأصيلها قد استدعي معاينة كبار الآثاريين لها بعد ضبطها من جانب الجهات الأمنية بوزارة الداخلية لعظم مستوي زيفها ومهمة تأصيلها علي صغار الآثاريين.
وقال أ.د.مدين حامد: الأمر قد بلغ مبلغه وأخذ مساراً يبعث علي الحيرة بشأن ما وصل إليه المتابعون من الاختصاصين من تناقل محض لنص مكرر دون تدبر وإعمال للعقل وتحكيم للمنطق في مقبرة افتقرت إلي أدني مستويات الواقعية من حيث الطابع الأثري وتنفيذ صورها وزخارفها، واللاعقلانية في محتوياتها من اللقي Collectables والمقتنيات.
حيث زينت المقبرة بمناظر غير دقيقة وغير متناسقة في الحجم والشكل والسمة وباتجاهات خاطئة رغم درجات لونها المناسبة لما دأب عليه المصريون القدماء Ancient Egyptians، إلا أنها ومن حيث الموضوع لا تعبر عن موضوعات متكاملة للحياة اليومية أو مناظر التعبد.
بجانب افتقارها إلي الدقة في تنفيذ الوجوه وتناسق أجزاء الجسم في أغلب الأحوال، فضلاً عن غياب الملائمة والمناسبة لحجم الجدران طولا وعرضاً، بالإضافة إلا عدم ملائمة النصوص والكتابات لحجم ما ورد من مناظر بشكل ملحوظ وبعضها غير صحيح، ومن ذلك خرطوش أظنه لتوت عنخ آمون!!؟؟
وتابع:وفي ذات السياق ولمن يدقق جيداً أن بعض محتويات المقبرة لا تتفق تاريخياً، فقد شملت ملامح مصرية قديمة بجانب ملامح من العصر المتأخر late era وأخري من العصر الروماني Roman era وأخيرة غير مفهومة وفي قبر واحد، فضلاً عن بعثرتها وترتيبها الواضح في عشوائيته بعيداً عن المألوف في الاكتشافات الأثرية وأعمال الحفائر Exacavations, مع أحجام لبعض التماثيل لا تتوافق أبداً مع ما ورد من كتابات وصور علي جدرانها.
فهما فيلمان لمخرجين مختلفين وبسيناريوهين مختلفين، ناهيك عن جلاء ووضوح مواد تلوين تلك التماثيل من طلاءات وملونات حديثة New Colorants تخالف دقة ألوان المناظر والصور الجدارية، وأن أغلبها قد نفذ بطريقة الصب لغياب ملامح النحت والقطع والتشغيل وغياب لملامح الوجه ودقتها، فقد استخدمات لها عجائن ملونة بملونات صناعية ومخلوطة بمسحوق الحجر الجيري تارة، وبمجروش الأحجار تارة أخري إلي جانب استخدام برادة الحديد Iron filings ومعالجته أسطحها باستخدم مسحوق التلك Talc powder و بطريقة الغبوة التي يعرفها المزيفون جيداً لكنها بشكل غير دقيق.
كما أن عددها مبالغ فيه إذا ما وضعنا في الحسبان ما ورد بالمقبرة من مناظر ونصوص وزخارف وبعضها مكرر، والبعض الآخر عجيب أمره وروداً وتواجداً... فهل يعجزكم إدراك ذلك وهو سهل هين؟!!!
ولم يقف عبث المزيفين بثوابت وسمات الطابع الأثري الراسخة وخطوطها الحاكمة، بل تعداه للعب بعقول المريدين والباحثين عن الثراء السريع بتكدس اللقي وترتيبها علي أرضية من التراب الناعم الذي يشبه الرماد Ash المخلوط بتراب الأسمنت والذي استخدم لبطانة سقف المقبرة وبآثار واضحة لاستخدام أدوات حديثة تستخدم في تسوية أسطح العمارة الحديثة لما يعرف اصطلاحاً "بالمنجفرة" و "والبروة" التي يستخدمها حرفيو تشطيب العمائر والمنازل الحديثة، وهو ما اتبع أيضاً في ترميم نهايات الجدران بمادة الأسمنت السوداء مرة أخري، فهل رممت المقبرة بالأسمنت سابقاً من قبل صاحبها الذي دفن بها لتبهركم بهذا الشكل يا سادة؟؟؟.
وقال:وأزيد هنا أن المقبرة من وجهة نظر اختصاصي غيور علي مهنته وآثار بلده لا ترقي لهذا الاهتمام ولا تستأهل جهد جهيد لتأصيلها، فهي ركيكة بكل محتوياتها وليست بالصعوبة ولا تحتاج لحنكة وخبرة كبيرة للفصل في أثريتها من عدمه، لا سيما وأن كل ما ورد بها بلمعان وبريق غريب، وملوناتها لم يصبها بهتان Fading أو دكانة Darkness حسب مادة اللون وتجاوبها ومسببات التقادم الطبيعي Natural ageing الممثل لبصمة كاشفة لا يستهان بها، فقد غابت تماماً، كما لا وجود تقريباً لتبقع Spotting عادي أو فطري Foxing خاصة وأن المقبرة تقبع في جو رطب ومظلم حسب الصور الواردة في هذا المنحي... فهل كان هذا شاقاً لإدراكه ورصده؟
وهذا إن دل فإنما يدل علي تناقل للمعلومات من مصادرها علي علاتها تباهياً بما وصل إليه المزيفون ومحتالو النصب من مستوي أبهر وبكل أسف الاختصاصيين والآثاريين بما يمثل كارثةً بحقهم وإرثاً زائفاً علي الصعيد المهني للاحقين من الطلاب والباحثين والمشتغلين بالآثار في قادم الأيام، وبما يؤمن تأسيس منصة للعابثين بمقدرات ومكتسبات هذا الشعب الكادح وخطراً علي إرث وتراث أجداده.
ورغم وجود الكثير من الآثاريين المشهود لهم بالكفاءة في هذا المضمار إلا أنهم قد تركوا الساحة لهذا العبث والصخب والضجة غير المبررة في الانتشار دون اكتراث يذكر، فما الفرق بيننا معشر الآثاريين و العوام من الناس من غير الاختصاصيين لتنطوي علينا مثل هذه الحيل وأين الوعي الأثري ومهامه المنوط به تنفيذها في هذا الصدد؟
واضاف: الأمر لا ريب يحتاج لمراجعة وتدقيق قبل الانزلاق إلي هذا التدني في النقل والاقتباس وإصدار الأحكام دون تريث أو روية ووعي بآثار وتبعات كل هذا علي العمل الأثري والآثاريين وسلامة آثار وتراث مصر العظيم، حقاً ويقيناً هذا لا يليق بحراس وصائني تراث أعظم حضارة وأعظم أمة وعلي أرض الكنانة مصرنا الحبيبة صاحبة حجر الأساس لكل اختصاص وسبق وعلم تنهل منه البشرية حتي اللحظة، لا سيما وأن بمصر من الآثاريين الفائقين والشرفاء بما يضمن وقفاً لهذا وعلي كل الأصعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق