تحقيق وتصوير
علاء الدين ظاهر
شهد عام 2001 م وضع اللبنة الأولي لجهاز التنسيق الحضاري،وذلك بصدور القرار الجمهوري بإنشائه عام 2001 م،حيث تم إفتتاح مقره بالقلعة في أغسطس 2004م،بهدف إعادة القيم الجمالية للمدن المصرية.
ومن ضمن مهام جهاز التنسيق الحضاري إعداد قاعدة بيانات شاملة لجميع المباني التراثية ذات الطابع المميز بجميع محافظات الجمهورية،والتي يقوم بتسجيلها الجهاز عبر لجان الحصر التابعة له بالمحافظات،حيث يعد الدور الذي يقوم به الجهاز بمثابة إمتداد لدور لجنة حفظ الأثار العربية في الحفاظ علي المحيط العمراني والفراغات العامة لمناطق القاهرة القديمة.
أرشيف وطني لمباني الطراز المعماري المتميز
ويقوم الجهاز بدوره المنوط به في مناطق القاهرة التاريخية والقاهرة الخديوية،وذلك بوضع خرائط لحدود تلك المناطق الخاضعة للحماية وكذلك الإشتراطات الخاصة بأعمال الحفاظ علي المباني ذات القيمة المعمارية المميزة،مع عمل قاعدة بيانات لكل مبني مسجل علي القائمة يشمل الطراز المعماري وتوصيف كامل لكافة عناصر المبني،ويعتبر بمثابة أرشيف وطني للمباني ذات الطراز المعماري المتميز بكافة محافظات الجمهورية.
نقوم بتحفيز الأفراد علي كيفية الإستفادة من المباني أفضل من هدمها،وتجربة القاهرة في هذا الاطار جيدة
وفي هذا السياق قال المهندس محمد أبو سعدة رئيس جهاز التنسيق الحضاري أنه في القاهرة بعض المناطق نسيجها العمراني نفسه يستحق الحفاظ،مثل القاهرة الخديوية والتاريخية ومصر الجديدة والمعادي وجاردن سيتي،وخارج القاهرة هناك مدن مثل وبور فؤاد والإسكندرية القديمة،وقد سجلنا مؤخرا مدينة رشيد كي نحافظ علي النسيج العمراني الذي يشكل هذه المدينة،وذلك بتشريعات وقوانين تحميها وتحافظ عليها.
وتابع أبو سعدة في تصريحات ل بوابة آثار مصر:نحن لا نتعامل علي الأثر كأثر،ولكننا نتعامل علي انه مبني ذو طابع مميز، وكل عمارات القاهرة الخديوية ملك أفراد ومؤسسات، وتسجيلنا لها لا يمنع حق الملكية أو التصرف في العقار،لكننا نحظر الهدم نتجية مستوي تصنيف المبني ومستوي الخبراء واللجان الذين يسجلونه،فهم من يحددون هل المبني يعاد توظيفه من الداخل؟،وهل أحافظ عليه لواجهته الخارجية فقط أم لا؟،وهل يمكن تغيير بعض التفاصيل الداخلية كي نعيد إستخدامه دون أن يؤثر ذلك علي شكله مع محيط عمرانه الخارجي؟،كل هذه النقاط تضعها اللجان العلمية التي تسجل وبناءا عليها يتحدد تصنيف المبني.
ذاكرة المدينة ليست بناءا فقط ونعمل تحت شعار وضعناه هو"معا نحمي تراث مصر"
والقانون سمح أنه كوننا نسجل بلجان علمية فقد تكون هناك رؤي أخري للجان اخري،ونتيجة ان معظم العقارات هي ملكية فردية لأفراد فمن حق المالك أن يتظلم من قرار التسجيل ومنعه من التصرف،ومن حقه طلب لجنة احري تعاين المبني وتبدي رايها،وبعد هذه اللجنة من حق مالك العقار او المبني أن يلجأ للقضاء،ويمكن في هذه الحالة اذا ما قرر القضاء شكيل لجنة ثالثة،وكل هذه الخطوات الهدف منها أن نحافظ علي التراث المعماري والعمراني في المدن المصرية بشكل عام
وقال:تجاوزنا 7500 مبني مسجل علي مستوي الجمهورية وأنا فخور وسعيد أنا سجلنا هذا العدد من المباني،والقاهرة الخديوية بمفردها فيها 750 مبني مسجل طرتز معماري مميز،منها في حي عابدين 33 عقار و حي غرب القاهرة 110 عقار،وفي الأزبكية 130 عقار والموسكي 23 عقار والسيدة زينب 157 عقار،وهناك 175 عقار مسجل تم تطويره و 40 عقار غير مسجل تم تطويره ضمن العقارات التي تم تطويرها داخل نطاق أحياء القاهرة الخديوية.
نسعي أن يكون المعمار الذي يتم بناءه حاليا في مختلف المحافظات متسقا مع تراثنا
وتابع المهندس محمد أبو سعدة:دورنا ليس السعي فقط لتسجيل العمران الذي تركته أجيال سابقة،بل نسعي أن يكون المعمار الذي يتم بناءه حاليا في مختلف المحافظات المصرية متسقا مع تراثنا عامة،لأن هذا المعمار الحالي هو ما يشكل تراث المستقبل،ولذلك حريصين علي التواصل مع المهندسين وخريجي الكليات المعمارية والتخصصات المختلفة في هذا الإطار،حتي يكونوا مدركين لهوية المدينة عامة وأهمية الحفاظ عليها وشخصيتها المعمارية والعمرانية،ولدينا لجان عدة تتجول في المحافظات وتفحص وتسجل،ومخرجات ونتائج هذه اللجان نستخدمها في عمل أرشيف معماري وتراثي،ومن سيأتي بعدنا في الجهاز سيستكمل ذلك ويضيف عليه.
وأكد علي أنه من المهم جداً أن يدرك الجيل الحالي الذي يعمل في العمارة وما يتصل بها في مصر حاليا أنه بعد 100 سنة العمارة في مصر كيف سيكون شكلها؟،فهذا هو تراثنا الذي يميزنا والبصمة الوراثية لتراثنا،حيث أنه ليست قضيتنا رصد ما سبق وتسجيله فقط،بل الحفاظ علي تراث المستقبل المعماري والعمراني وحماية الشخصية والهوية المصرية التي تميزه،فهذا ما جعل المعماريين في العالم كله ينظرون لعمارة المهندس الراحل حسن فتحي علي انها عمارة مصرية لها بصمة مختلفة،وهذا يتحقق ليس بعمل فردي من الجهاز بل التعاون مع كل الجهات المختصة والمتخصصة،حيث أننا جميعا معنيين بالحفاظ علي تراثنا وحمايته.
ليست قضيتنا ما سبق فقط،بل الحفاظ علي تراث المستقبل المعماري وحماية الشخصية والهوية المصرية للعمران
وتابع أبو سعدة:قد قمنا بعمل كثير من المبادرات للحفاظ علي ذاكرة هذا الوطن وتراثه،وأصدرنا كتبا كثيرة وموقعنا علي الإنترنت وضعنا عليه كثير مما قمنا به من عمل،وعدة كتب من التي أصدرناها كانت عن المدن المصرية وأهميتها،لنعرف الناس القيمة المعمارية لأماكن مثل الزمالك وغيرها،وضرورة أنها يجب لا تخضع لقانون البناء الموحد،ولكن تعامل معاملة خاصة لها شخصيتها التراثية،والتي نأمل أن كل من يعمل في منظومة البناء يستند الي المعايير والأسس التي وضعها الجهاز،فنحن جهاز فني معني بوضع الدراسات،ويمتلك العديد من الخبراء والمخططين والمعماريين،الذين لهم باع طويل في هذا المجال ويضعون أسسا وضوابط لحماية التراث المعماري المصري،وهي التي يجب أن يتم تتبعها والسير عليها فيما يتعلق بالتعامل مع المعمار والعمران المصري.
وقال أن ذاكرة المدينة ليست بناءا ومباني فقط بل والبشر ايضا،وليست في القاهرة فقط،بل لدينا في باقي المحافظات مباني لها قيمة معمارية كبيرة جدا نسعي للحفاظ عليها،وذلك تحت شعار وضعناه هو"معا نحمي تراث مصر"،وهو الشعار الذي نعني به كل الجهات والمؤسسات في مصر وليس جهاز التنسيق الحضاري وحده فقط،وهذا لا يعني أنه ليست هناك مباني نفقدها وتعديات من البعض ومشاكل لهدم هذا التراث،لذلك نحن نشجع علي الإستثمار في التراث دون الاضرار به.
بدأنا من القاهرة إعادة إحياء لقلب المدينة النابض بالتراث وقيمة العمران في وسط البلد
واضاف:نشجع علي إعادة النظر في التشريعات،وتغيير بعض القوانين كي نقدم حوافز لأصحاب هذه العقارات التراثية،بحيث ينظرون لقيمتها أكثر من فكرة هدمها لبناء مبني آخر قد يكون له مردود إقتصادي،ودورنا كدولة ومؤسسات ان نساعد علي ذلك لحماية تراثنا،بحيث نقوم بتحفيز الأفراد علي كيفية الإستفادة من المباني أفضل من هدمها،وتجربة القاهرة في هذا الاطار جيدة،حيث أن المباني التراثية هي أعلي قيمة في أي مكان بالعالم،وعندما تذهب الي أي دولة ستجد ان أغلي وأعلي مباني من حيث القيمة ستجدها في منطقة وسط البلد كما نسميها نحن المصريون، وما يتم حالياً وبدأ منذ فترة في وسط البلد بالقاهرة هو إعادة إحياء لقلب المدينة النابض بالتراث وقيمة العمران في وسط البلد.
70 عاما من حماية كنوز العمارة الإسلامية
إذا كنت من محبي التراث والآثار خاصة الآثار الإسلامية فربما تكون سمعت إسمها ولا تعرف الكثير عنها،وقد تستغرب من إسمها وتتساءل عن مهمتها والدور الذي قامت به؟،إنها لجنة حفظ الآثار العربية،والتي بدأت فكرتها ضمن إطار حركة عالمية للحفاظ علي المدن والمواقع التاريخية في أوروبا وخاصة في فرنسا بعد الثورة الفرنسية،حيث أنشئت لجنة حفظ الآثار التاريخية في باريس عام 1837م وجمعية حفظ الآثار القديمة في إنجلترا عام 1877 م.
وفي مصر بدأت فكرة تأسيس لجنة تهتم بالآثار الإسلامية وعمران القاهرة القديم في نهاية عصر الخديوي إسماعيل،وذلك بإقتراح من المعماري المجري أوجست سالزمان،والذي كان يعمل حينها في وزارة الأوقاف،الا أن التطورات السياسية السريعة في نهاية عصر الخديوي إسماعيل لم تتح له الفرصة لإصدار الفرمان،وإنتهي الأمر بنفيه إلي إسطنبول وتولي نجله محمد توفيق أمر البلاد من بعده.
بدأت فكرة تأسيس لجنة تهتم بالآثار الإسلامية وعمران القاهرة القديم في نهاية عصر الخديوي إسماعيل
وقد أصدر الخديوي توفيق في 18 ديسمبر 1887 م قرارا بتأسيس لجنة حفظ الآثار القديمة العربية،برئاسة ناظر عموم الأوقاف،وعضوية كل من مصطفي فهمي باشا ومحمود سامي باشا ومحمود بك الفلكي وإسماعيل بك الفلكي،وفرنس بك وروجرس بك وتيجران بك وعزت أفندي ويعقوب أفندي صبري،ومسيو بوردي وعلي أفندي فهمي،وقد نالت اللجنة منذ إنشائها وتأسيسها رعاية واهتمام حكام مصر وخاصة منذ عصر الخديوي توفيق وابنه عباس حلمي،مرورا بملوك وحكام مصر حتي عصر الملك فاروق.
وتلخصت المهام الرئيسية للجنة كما وردت في فرمان أو قرار إنشائها،وهي جرد المنشآت المعمارية وتقدير قيمتها الفنية وأصلها العربي الإسلامي،وتصنيفها نوعيا ما بين أماكن للعبادة"مساجد وزوايا وخنقاوات" ،وأماكن تحقق عائدا مادياً وايرادات"حمامات ووكالات"،ومنشآت تعليمية"مدارس وكتاتيب"،ومباني سكنية وغيرها،بالاضافة لذلك كانت مهام اللجنة تتضمن تجميع ما يخرج من القصور والمساجد من مشربيات وأسقف وقطع فنية،لتجمع في المتحف أو ما كان يسمي حينها دار الآثار العربية.
كان من مهام اللجنة النظر في الرسومات والتصميمات التي تعمل عن المرمات "الترميمات"اللازمة للآثار
وكان من الأدوار الرئيسية للجنة عملية تنظيم محيط المباني الأثرية،فكان من سلطتها هدم المباني المواجهة للأثر"إزالة التعديات"،وفرض علي الملاك المجاورين ردوداً يبلغ عرضها عدة أمتار"حرم الأثر"،مما يسهل عملية ملاحظة الحالة الإنشائية للأثر وترميمه،كما يسهل ذلك تأمين الأثر وعزله داخل النسيج العمراني للمدينة،كما كان أيضاً من مهام لجنة حفظ الآثار العربية النظر في الرسومات والتصميمات التي تعمل عن المرمات"الترميمات"اللازمة للآثار،وحفظ وتسجيل تلك الرسومات.
وشهدت عضوية لجنة حفظ الآثار العربية منذ بداية أعمالها عام 1881 م وحتي نهاية أعمالها في 1954م العديد من التغييرات والتبديلات،مثل يوليوس فرانز كبير المعماريين في وزارة الأوقاف،وماكس هرتز وعلي بهجت وإدوارد روجرز وإمبرواز بودري وجول بورجان وهاري فارنول وماكس فان برشم،وعلي مبارك ويعقوب أرتين،وحسين فخري ومصطفي فهمي وأحمد ذكي ومرقص سميكة مؤسس المتحف القبطي،وكريزول.
شهدت عضوية لجنة حفظ الآثار العربية منذ بدايتها 1881 م وحتي نهايتها 1954م العديد من التغييرات والتبديلات
ونتج عن أعمال اللجنة عدد 303 محضراً و919 تقريراً،وذلك علي مدار فترة عملها من عام 1881 م وحتي عام 1954 م،ونشرت هذه التقارير والمحاضر فيما يعرف بكراسات لجنة حفظ الآثار العربية،وعددها 40 مجلدا باللغة الفرنسية مسلسلة ومرتبة حسب أعمال اللجنة كل سنة أو عدة سنوات في كراسة منفصلة،وذيلت هذه الكراسات بالصور واللوحات والفهارس،ولوحات هندسية ورفع وتوثيق للمباني الأثرية من مساقط أفقية وواجهات وزخارف الأسقف والحوائط والارضيات الرخامية الملونة.
كما نتج عن أعمال لجنة حفظ الآثار العربية آلاف الصور الفوتوغرافية الثمينة علي شرائح زجاجية،وهي ما تعرف بالسلبيات الزجاجية Negatives،وقد قام أعضاء اللجنة والعاملون بها وخاصة الياس إسكندر حكيم المترجم والمحرر باللجنة وعلي بهجت وكيل دار الآثار العربية بترجمة 26 كراسة إلي اللغة العربية ونشرها،وذلك في الفترة من 1882 وحتي 1909م،وقام المجلس الأعلى للآثار مؤخراً بترجمة 3 كراسات من خلال مركز تسجيل الآثار الإسلامية والقبطية،وذلك بالتنسيق مع إدارة النشر العلمي بوزارة الآثار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق