علاء الدين ظاهر
أعلنت دار حلم الكاتب للنشر والتوزيع عن صدور كتاب مهم في مجال الآثار،وذلك ضمن إصدارات الدار بمعرض القاهرة الدولي للكتاب جناح أخبار اليوم،والكتاب هو" مبادئ كشف التزييف والتزوير في الآثار والمقتنيات الفنية" للدكتور عبد الحميد الكفافى،ونستعرضه في حلقتين.
وعن كتابه قتل الكفافي لبوابة آثار مصر:حاولت جاهدا أن أقدم مبادىء علمية لكشف التزوير فى الأثار والمقتنيات الفنية،عله يكون باكورة إنتاج لمن يحاولون الإستزادة فى هذا العلم , وأن يكون بداية لفتح أفاق رحبة وواسعة لهذا المجال الدقيق.
فحاولت الكشف عن التزييف والتزوير ليس من خلال المدارس الفنية وحدها , ولا من خلال الفنان الذى أنتج هذه الأعمال الفنية , ولكن من خلال دراسات علمية متعددة منها ماهو بالفحوص والتحاليل ومنها ماهو من خلال التصوير بالكاميرات ثلاثية الأبعاد.
وكذلك بالإختبارات الكيميائية التى تصب جميعها فى التعرف على القطع الموجودة وتستطيع أن تميز مابين القديم والحديث مهما كانت براعة الفنان الحديث فى إنتاج القطع الموجودة , ومهما قام بعمل تقادم على الأعمال الفنية الحديثة .
وتابع:فى هذا الكتاب حاولت أن أضع لبنة لهذا العلم الواسع والدقيق لتكون بداية لعلم الكشف عن التزييف والتزوير فى الأثار والمقتنيات الفنية،داعيا الله أن أكون قد وفقت فى إنجاز هذا العمل المتواضع , وأن يستفيد منه المتخصصون فى هذا المجال من أثريين ومرممين وفنانين , وأن أكون قد وفقت فى وضع مبادىء لكشف التزييف والتزوير فى الأثار والمقتنيات الفنية .
وقال:تتلخص أعمال الكشف عن القطع المفترض أثريتها فى نقاط هامة،في مقدمتها أنه يعتبر الكشف عن التزييف والتزوير فى الأثار والمقتنيات الفنية أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد،حيث أنه من خلال أعمال الفحص للقطع والمواد المراد فحصها،وكذلك المعاينات التى قمت بها كثيرا قد أوضحت لى أن الأمور ليست بالسهولة أن أقر رأيا فى هذه المسألة دون أن يكون هناك دراسات لكل حالة بمفردها.
فكثيرا من الزملاء الأثريين يصدرون القرارات فى القطع المعروضة إليهم بمجرد النظر أو بالمعاينة الظاهرية , من غير أن يكون هناك دراسات على كل قطعة أو القيام بعمل تصوير أو إستخدام لبعض الأجهزة فى الفحص أو عمل تحاليل أو مقارنات للقطع المعروضة عليهم , وحيث أن المقلد للأعمال الفنية أو للقطع الأثرية قد إستطاع أن يستخدم التكنولوجيا الحديثة فى تقليد أعماله.
وإستطاع كذلك أن يستخدم المواد والتكنولوجيا القديمة فى إنتاج أعماله الفنية , فاستطاع أن يقلد اللغة المصرية القديمة على التماثيل الحجرية بمختلف أنواعها , وإستطاع أن يقلد المدارس الفنية للعصور المصرية القديمة فى جميع منتجاته الفنية , مما جعل علماء الأثار وخبراء الترميم فى حيرة من أمرهم.
ولابد ان ﻳﺘﻤﯿﺰ هذا الاسلوب بالدقة واﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ واﺧﺘﺒﺎر اﻟنتائج اﺧﺘﺒﺎرا ﻳﺰﻳﻞ عنها ﻛﻞ شك ﻣﻘﺒﻮل، ﻣﻊ العلم أن اﻟنتائج اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﺛﺎﺑﺘﺔ، ﺑﻞ هىﺣﻘﺎﺋﻖ بلغت درﺟﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ الصدق.
كذلك من ضمن النقاط المهمة في أعمال الكشف عن القطع المفترض أثريتها تطبيق ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻨﯿﺎت واﻟﻄﺮق اﻟﻤﺼﻤﻤﺔ ﻟﻔﺤﺺ اﻟﻈﻮاھﺮ واﻟسمات التى يتم رصدها وتوثيقها ودراستها ﻟاستكمال ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت أونظريات تتعلق بتقنيات فحص ودراسة العمل محل الشكوك , ولابد من التفرقة بين الاسلوب العلمى والأسلوب النظرى.
كما أن اﻷﺳﻠﻮب اﻟﻌﻠﻤﻲالواجب إتباعه من فريق البحث الاثرى ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮاء الذى يختلف ﻋﻦ اﻻستنباط واﻟﻘﯿﺎس اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ، ولا يعنى ذﻟﻚ أن اﻷﺳﻠﻮب اﻟﻌﻠﻤﻲ الواجب إتباعه في عمليات كشف التزوير يغفل أھﻤﯿﺔ اﻟﻘﯿﺎس اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ، وﻟﻜﻨﻪ ﺣﯿﻦ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ نظريات وحقائق علمية مؤكدة ثم ﻳأتى دور اﻻستنباط واﻟﻘﯿﺎس ﻓﻲ التطبيق ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺰﺋﯿﺎت ﻟﻠﺘأكد ﻣﻦ ﺻحة النتائج.
حيث ان الأساليب النظرية تبدأ ﺑﺎﻟﺠﺰﺋﯿﺎت ﻟﯿتم تطبيق اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ بشانها، ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن اﻟﺘﻄﺒﯿﻘﻲ، ﻳﺒﺪأ ﺑالقضية نفسها ﻟﯿﺘﻮﺻﻞ من خلال النتائج العلمية إﻟﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺠﺰﺋﯿﺔأي ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ اﻟﺘﻄﺒﯿﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ النتائجوالملاحظات عن طريقالظواهر والشواهد التي نتجت عن عملية الفحص المبدئي.
وتنفيذ وتطبيق قاعدة (الخامة + الزمن + العامل البشرى = أثر ) , وأن ﻳﺘﺨطوا الهدف اﻟﺮﺋﯿﺴﻲ من مجرد عمليات فحص ﻋﻠﻤﻲ ﻣﺠﺮد ووصف دقيق للخواص الظاھﺮة والواضحة أمام الفريق القائم على العمل محل الشك في أصليته ,إلى محاولة تطبيق اﻟﺘﻌﻤﯿﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺴﺮالظواهر اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ التي تبدو في هذه المرحلة ، وهى تعد ﻣﻦ أھﻢ أھﺪاف عمليات الفحص العلمى وﺧﺎﺻﺔ تلك اﻟﺘﻲ قد ﺗﺼﻞ إﻟﻰ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﻮل وترفعها إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ والنظريات.
ولذلك يفترض فى هذه الدراسة وهى أهمية دراسة التزييف والتزوير فى الأثار والمقتنيات الفنية التعرف على: الأسلوب العلمى لتطبيق الرؤية - التقليد والإستنساخ والتزوير وطرق الفحص العلمى – التعرف على التقادم على الأعمال الفنية –التعرف على التكنولوجيا الحديثة ودورها فى التعرف على الأثار- التعرف على المواد الأثرية من خلال الباتينا القديمة - التعرف على المواد الأثرية من خلال الترميم فى فترات قديمة –التعرف على وسائل واجهزة كشف التزييف والتزوير-دراسة الخصائص الطبيعية للاحجار والمواد العضوية – التفرقة بين التقليد والاستنساخ – الفحص بواسطة الاشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء.
وأكد الكفافي أنه يجدر بنا أن نفرّق بين كل من التقليد والاستنساخ، وبين والتزوير والتزييف؛ فالتقليد أو الاستنساخ يعنيان محاكاة الأثر، أو خلق نموذج أو نماذج مشابهة للأثر الأصلي، أو القطعة الفنية، أو اللوحة الأصلية، ونقلها نقلاً يوفر حدًّا من التشابه بينهما, ويطلق على هذا العمل عملاً مستعارًا، أو مقلدًا، أو مستنسخًا، أو مصطنعًا.
وقد يكون هذا العمل، الذي لا يقصد به الغش والخداع، أمرًا مشروعًا أو مقبولاً، بل قد تقتضيه الضرورة، كوسيلة من وسائل التوثيق والحفظ في حالة فقدان الأثر، أو العمل الفني الأصلي، أو حفاظًا عليه من السرقة والتشويه, وهذا ما تمارسه بعض المتاحف، وقد نجده في بعض المواقع الأثرية، وكذلك في حالة استخدامها كمستنسخات تعليمية لطلاب الفن وغيرهم من الدارسين، أو لفاقدي البصر، أو لأغراض تجارية، كأن تُباع ومعروف أنها غير أصيلة,وجميع هذه الأعمال لا تدخل ضمن التزييف أو التزوير .
أما التزوير والتزييف فيعني نسخًا للتحف الأثرية بغرض الغش والخداع، وإعطاء قيمة ثقافية وفنية ومادية لشيء غير أصيل، أي إيهام الغير بأن هذا العمل المزور هو الأثر الأصلي بنية الاحتيال والانتفاع من وراء ذلك بغير حق , وقد يعني التزييف تغيير بعض معالم الأثر لغرض ما، كالتقليل من قيمته، أو لرفع قيمته، أو لتغيير حقائق تاريخية، أو غيرها.
وتقليد الأعمال الفنية تقليد قديم قدم الحضارات القديمة؛ فقد كان ظاهرة شائعة في أواخر العصور الفرعونية؛ ففي العصر المتأخر، خاصة الأسرة السادسة والعشرين (664 - 525 ق.م)، شاع تقليد أعمال الدولة القديمة (2780 - 2263 ق.م)، كما شاع في عهد الرومان تقليد بعض الأعمال الفنية للإغريق.
وكذلك كانت عملية تزوير أو تزييف الآثار والأعمال الفنية قديمة قدم الرغبة الإنسانية في تضليل الآخر وخداعه؛ فقد ظهر التزييف في بعض العصور الفرعونية القديمة كما كان الحال في طمس أسماء بعض الملوك من على أعمال فنية نحتية ومعمارية، ونقش اسم فرعون آخر كوسيلة من وسائل الانتحال أو اغتصاب حقوق الغير ونسبتها لغيرهم. وفي عهد الرومان كان بعض الفنانين الثانويين يصنعون الأثر، وينسبونه إلى أساتذة الفن القدامى، وذلك بأن يذيلوه بتواقيع مزورة لهؤلاء الأساتذة.
ومن صور التزوير أيضًا الانتحال في الشعر العربي، والحقيقة، إن المتاجرة في المستنسخات على أنها أعمال مقلدة أمر مشروع ما لم يتحول إلى خداع الآخرين والنصب عليهم، وبيعها لهم على أنها آثار حقيقية, وهو للأسف ما انتشر في الكثير من بلدان العالم، وأصبح حرفة مربحة، يحترفها الكثيرون دون رادع من ضمير أو قانون. والأمر يتطلب دراسة بواعثها وأسبابها، ودوافعها المغرية، وتجفيف منابعها، ومحاولة وضع منهجية علمية وعملية لكشفها.
وواقع الحال يقول إن ذيوع هذه الظاهرة في مجتمع من المجتمعات المهددة لتاريخه، وحضارته، وذاكرته الوطنية، وراءه «مافيا» من المزيفين المحترفين الذين برعوا في تزييف مختلف أنواع المقتنيات الأثرية والأعمال الفنية، واستعانوا بتقنيات حديثة وأساليب متطورة لإحداث مظاهر مصطنعة للتقادم على القطع المقلدة؛ حتى يصعب التفرقة بينها وبين مظاهر التقادم الطبيعي على القطع الأصلية, وأصبح من المتعذر التفرقة بين ما هو أصلي وما هو مزيف ما لم يخضع للفحص والتحليل والدراسة , من هنا تأتي الحاجة الملحة إلى وجود خبراء متخصصين بعلم بأصول وقواعد كشف تزوير الآثار والأعمال الفنية.
والحقيقة، إن عملية الكشف عن أصالة الأثر أو العمل الفني عملية لا يمكن أن يقوم بها فرد أو خبير متخصص واحد، بل هو عمل جماعي تكاملي، يتم في إطار تعاون مؤسسي بين جهات أكاديمية وبحثية كفريق واحد. ومن المفترض أن يتضمن هذا الفريق آثاريًّا متخصصًا، وأخصائي ترميم وصيانة، يكونان على دراية بطبيعة المواد الأثرية القديمة وخاماتها، وتقنيات صناعاتها.
ومؤرخًا أو دارسًا للفن الذي ينتمي إليه الأثر أو العمل الفني، وكيميائيًّا ملمًّا بطبيعة وتركيب المواد الأثرية القديمة وتفاعلاتها، ومظاهر التغيرات على موادها، وفيزيائيًّا على دراية بكيفية فحص وتحليل الأثر فحصًا علميًّا؛ للتأكد من تركيبه الدقيق الداخلي ومظهره الخارجي، ورصد ما أصابهما من تغيرات وتحولات. وعادة ما يصاحب هذه العملية ويلازمها عملية تأريخ للأثر أو العمل الفني، وتحديد عمره الزمني، تلك التي تتطلب آلية غير متلفة له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق