علاء الدين ظاهر
كشف عالم الآثار أ.د.علاء الدين شاهين أستاذ تاريخ وحضارة مصر والشرق الأدنى القديم والعميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة أن العقد الأخير شهد تزايد ادعاءات المنادين بأصول زنجية للحضارة الأفريقية عن أصل مصري قديم،وان الحضارة المصرية القديمة ليست سوي الأصل الزنجي لكل حضارات العالم القديم.
وتزايد دعاوي الرد ما يسمي الاتجاه برقي الانسان الأبيض وحضارته على الانسان الأسود الأفريقي،من خلال الادعاء والربط لحضارة مصر الفرعونية بأصول زنجية وانها لا تمت الي من كان بالمكان،من خلال الادعاء بأصول عربية مهاجرة قضت أو حاولت الاستيلاء على زنجية الحضارة المصرية القديمة.
جاء ذلك في بحث قيم له ضمن فعاليات المؤتمر الدولي لإتحاد الأثريين العرب الذي انتهي مؤخرا،حيث قال شاهين:وقد تداخلت تلك الآراء أو النظريات حول زنجية الحضارة المصرية بصفة جوهرية بين البعد الزمني والمكاني وعدم مراعاة تطابق الآراء تلك المنادي بها من خلال الدلائل المادية"الآثار"،أو ارتكازها أحيانا على مصادر يشوبها الجدل خاصة المصادر الكلاسيكية اليونانية الرومانية،واحيانا الارتكاز على المصادر اللاهوتية خاصة العهد القديم"سفر ارميا" بما يحيط ببعض متنه من جدل ونقاش بين الباحثين.
وتابع قائلا:إستهدف المنادون بأصول زنجية للحضارة المصرية القديمة بعض روائع الإنتاج الحضاري المصري،سواء المعماري منه او الفني المتجسد على جدران المقابر أو واجهات المعابد أو تلك التماثيل الأفراد وملوك،وقد كشفنا كذب مثل تلك الادعاءات وبأصول مصرية محلية للإنسان المقيم بالمكان،بكل ملامحه المصرية وبأصوله الجينية المميزة له عن باقي تلك المجموعات الشعوبية عبر القارة الأفريقية.
إضافة الى ذلك هدف المنادون بتلك الأفكار لحركة المركزية الأفريقية"الأفروسنتريك" إلى تقديم الدور الحضاري لمصر القديمة في ارتباط بأحد أهم آثارها المعمارية الخالدة الممثلة في تلك المنشآت المعمارية الجنائزية للملوك المعروفة اصطلاحا بالأهرامات،ومناداتهم بأن تلك الأهرامات ليست سوي نسخ مصري عن أهرامات النوبة الزنجية،متناسين الاطار الزمني للنشأة والقدم الحقيقي للمقابر الملكية الهرمية من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد،والنظريات المتعددة المرتبطة بمثل ذلك الشكل الهرمي تطورا معماريا عن المقبرة الدائرية الطابع البدائية الى المصطبة.
ثم الشكل الهرمي المبكر بهيئة مدرجات ست ممثلة في هرم زوسر في جبانة سقارة من الأسرة الثالثة،وصولا الى الشكل المنكسر الأضلاع في جبانة دهشور للملك سنفرو والشكل الهرمي الكامل من بعد لنفس الملك بنفس جبانة دهشور، ثم من بعده لابنه خوفو في جبانة الجيزة الشهيرة،وضمن ما يسمى بالمجموعة الهرمية كان هناك عنصر معماري مميز في مدخل مجموعة هرم الملك جعفرع الهرمية بجبانة الجيزة المعروف اصطلاحا باسم تمثال أبو الهول.
ولم يسلم من تحريف وتحوير في ملامحه المعلومة والمنشورة في العديد من المطبوعات الأثرية، ومن المسلم به ارتباطه بمفاهيم عقائدية مصرية عن العقيدة الشمسية،وأن ملامح الوجه البشري هنا علي جسد أسد لیست سوي وجه الملك المشيد للهرم الثاني بالمكان والمعروف باسم خعفرع ، بأن حوريا في وجه التمثال المعبر عن وجه الملك،واستبدلوها بملامح زنجية،في تزوير تاريخي فاضح وإدعاء يناقضه ما هو موجود على أرض الواقع الأثري،من خلال ما قامت به فنانة أمريكية من أصول أفريقية زنجية تدعي لورين هالسي بنحته في متحف المتروبوليتان، نيويورك.
وقال الدكتور علاء شاهين:زاد حاملو أفكار المركزية الأفريقية بالادعاء بزنجية الملك الفرعون توت عنخ أمون،مستغلين الشهرة التي يحوزها في ارتباط بمجموعته الأثرية الجنائزية المكتشفة من مقبرته الملكية بوادي الملوك بغرب طيبة،بان حوروا في قناعة الذهبي وبعض تماثيله الي لون أسود وملامح زنجية على غير ما هو معلوم ومشهور،من خلال ما نظمه المتحف الوطني للآثار في هولندا معرضا للآثار المصرية ونماذج لها تدعم نظرية الأفروسنتريك"، المعادية للحضارة، والأمة المصرية، والتي تعتبر أن الشعب المصري هم شعب من الغزاة، وأنهم"الأفارقة" أصحاب الحضارة المصرية، فعرض نموذجا من قناع توت عنخ آمون الشهير في صورة زنجية، وأجرى عددا من الحوارات التليفزيونية مع العديد من مروجي هذا الفكر ليبثوا سمومهم من خلالها، وللحديث عن حضارتهم المزعومة، وعن أن الشعب لا علاقة له بهذه الحضارة.
ولعل أكثر ما ارتبط بادعاءات حركة الأفروسنتريك فيما يخص تلك الفترة من السيادة اليونانية على مصر"الأسرة البطلمية"،محاولة متبعيها الربط بين آخر ملكات مصر البطلمية كليوباترا السابعة" ٥١-٣٢ ق.م"وإظهار تماثيلها بملامح زنجية،تدعيما لادعاءاتهم المضللة على الرغم من أصولها المقدونية،ببشرة فاتحة بيضاء وملامح أوروبية والعديد من اشكالها وتماثيلها بلون مغاير لمثل ما ذهبوا له من تحريف وإظهارها بملامح سوداء زنجية.
وعلي ذلك يبدو لنا الخلط الواضح في المادة الأثرية والادعاءات الكاذبة لمروجي تلك الأفكار عن الحضارة الفرعونية وأهلها،وتجريد مصر من هويتها المصرية القديمة الأصيلة ومن ابداعات أهلها، والسطو بكل جرأة على ذلك المجد الحضاري بمعلومات مضللة وبتشويه متعمد،بالربط بين أحداث غير متعاصرة أو بتحوير في ملامح البشر ونسبها الى حضارات لم تكن أصلا موجودة بالداخل الأفريقي،ومن ثم هذا الاختراع برجل ابيض كان بالمكان سرق تلك الحضارة ليجرد افريقيا من حضارتها الزنجية،وإن العرب هم من هم بالمكان الآن ليسوا من المكان.
وفي تناقض لكل ما أكدته الدراسات الجينية والتشريح الفسيولوجي للهياكل البشرية المصرية،بل وتلك الفنون المصرية ذاتها التي عكست الاختلاف الواضحة الاثنوجرافية للمجموعات البشرية المعاصرة للحضارة المصرية القديمة والتي دعمت السيادة السياسية والعسكرية والإدارية بل والحضارية على تلك المراكز الحضارية المجاورة لمصر آنذاك، التي تداخلت معها سلما أو حربا والتي دعمت تفرد تلك الحضارة المصرية وأهلها وهويتها، التي استمرت عبر العصور تاليا وإلى وقتنا الحالي، وإن حتى تلك المجموعات البشرية الغازية تاليا لمصر أيا كان المسمى لها انتهاء بالاحتلال البريطاني لم تغير من التكوين الجيني المصري، وإن مصر دائما محتوية لكل تلك المجموعات البشرية ضمن نسيجها القومي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق