لا شك فى أن الأعياد والإحتفالات الدينية والوطنية عند أي شعب تعتبر مؤشر صادق على مدى تقدم المجتمع وإزدهاره ودرجة استقراره السياسي والإقتصادى والإجتماعي بل وعلى مدى إعتزازه بهويته..ولهذا نجد انه كلما كان وضع الأمة مستقراً وقوياً كلما أبدع الشعب فنوناً فى الإحتفال بأعياده ومناسباته الدينية والوطنية..
ولا شك أن عصر السلطان الناصر محمد بن قلاون مثلاً يعتبر من أهم فترات التاريخ المملوكي وأكثرها استقراراً وازدهاراً فى حين أن فترات الضعف التى شهدت صراعاً على كرسي الحكم فى عصر المماليك البحرية مثلاً قد تركت أثرها السلبي على مظاهر احتفال المصريين بأعيادهم الدينية والوطنية.
وقد عرفت مصر فى عهد سلاطين المماليك العديد من الأعياد والإحتفالات الدينية والوطنية التى حرص الناس على إحيائها ومن ضمنها الإحتفال بالمولد النبوي حيث أخذ الإحتفال به شكلاً من الفخامة والعظمة يتناسب مع ما عرفته الحياة المصرية من رفاهية فى بداية عصر سلاطين المماليك.
ويذكر الدكتور قاسم عبده قاسم فى كتابه “عصر سلاطين المماليك” أن السلاطين المماليك كانوا يحرصون على مشاركة الرعية فى الإحتفال بهذه المناسبة ومنذ عهد السلطان الأشرف قايتباي جرت عادة السلاطين على أن يقيموا خيمة كبيرة عجيبة الأوصاف أطلقوا عليها اسم “خيمة المولد” وعند أبواب هذه الخيمة كانت تقف طائفة من صغار الخدم تناول الناس أكواب عصير الليمون بالسكر ثم يبدأ الإحتفال ظهراً بقراءة القرآن ويقوم الوعاظ بدورهم فى وعظ الناس فيمنحهم السلطان والأمراء نصيبهم من النقود والملابس ثم تمد بعد صلاة المغرب موائد الحلوى على اختلاف ألوانها وبعد ذلك يبدأ المنشدون بأهازيجهم فى مدح الرسول عليه الصلاة والسلام حتى ثلث الليل.
ولم يقتصر الإحتفال فقط على الجانب الرسمي بل كان عوام الناس يحتفلون بالمولد النبوي على طريقتهم بإقامة حفلات فى بيوتهم أو أمامها حيث كان الإحتفال يبدأ بقراءة القرآن الكريم الذي يتلوه مشاهير القراء المعروفين بحسن الصوت ثم يعقبهم المنشدون الذين تصحبهم الآلات الموسيقية ويصدحون بالقصائد والأغانى فى مدح الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
فإذا ما انتهى المنشدون أقيمت حلقات الذكر فى حين تطل النساء من أسطح البيوت لمشاهدة الإحتفال المقام أمام المنزل. وكذلك كانت تقام فى داخل البيوت حفلات نسائية احتفالاً بهذه المناسبة تحييها إحدى المحترفات التى تقوم بالوعظ الديني.
ولكن كان بعض الأتقياء يتحرج من الإحتفال بالمولد النبوي فى بيته بالأغانى ومن ثم كان يكتفى فقط بعمل حلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم.
ويُذكر أيضاً انه فى تلك المناسبة كانت الناس تتبادل الهدايا والنقوط وبالطبع كانت عروس المولد المتوارثة منذ عهد الفاطميين تعتبر رمزاً مازال موجوداً إلى يومنا هذا معبراً عن المناسبة ولكننا حينما نشاهد اليوم اضمحلالاً فى الإحتفال بتلك المناسبة الكريمة وغزواً صينياً متمثلاً فى إستيراد عروس المولد يجب أن نتوقف قليلاً ونراجع أنفسنا ونبحث عن حلول تمكننا من إحياء وتطوير إحتفالنا بأعيادنا الدينية والوطنية ولنتذكر أن الشعوب اليقظة المزدهرة هى من تبدع وتطور ألواناً من الفنون الإحتفالية بمناسباتها الدينية والوطنية تمكنها من تدعيم هويتها
كلام جميل ومطعم بحقائق تاريخية قيمة .. ووجهة نظر قيمة تدعيم الهوية شيء واجب التركيز عليه فعلا :-)
ردحذف