علاء الدين ظاهر
لعب الأرمن دورا كبيرا في تاريخ مصر,خاصة أنهم وجدوا فيها ملاذا أمنا من المذابح التي تعرضوا لها علي يد العثمانيين قبل 100عام,وقبل هذا التاريخ بكثير كان الأرمن مندمجون في النسيج المصري,وليس أقل دلالة علي متانة وقوة العلاقات المشتركة أن أول وزير لخارجية مصر في العصر الحديث كان أرمني..وهذه الحقيقة وغيرها يكشفها الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر بآداب دمنهور والمتخصص في الشأن الأرميني الذي قال إن عصر محمد علي ( 1805- 1848 ) يعد فترة ذهبية للأرمن في مصر عموما والإسكندرية خصوصا,حيث تكاثروا بشدة هناك نظرا لاشتغالهم بالتجارة واستقرار بوغوص بك يوسفيان- الأب الروحي لهم- هناك بعد أن قلده محمد علي منصب " ناظر ديوان التجارة " منذ عام 1826
وقد أدت هذه الكثافة إلي بناء كنيسة ومدرسة لهم في شارع " أبوالدرداء" وتمركزوا في المناطق المحيطة به . ورغم انخفاض الكثافة العددية الأرمنية بالثغر السعيد خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر فإن عروس البحر المتوسط فتحت ذراعيها في عام 1896 بكل دفء وحنان لأكثر من ألف لاجيء أرمني فروا إليها من الاضطهادات العثمانية ضد المد الثوري القومي الأرمني وأسكنتهم فسيح ديارهم بين ظهراني شعبها آمنين سالمين.
ويقول رفعت أن الارمن إستأثروا بمنصب المسئول الأول عن جهاز التجارة والخارجية الذي تعددت مسمياته علي امتداد القرن التاسع عشر . فعندما اتسعت تجارة مصر الخارجية بين عام 1819 – 1826 ، استلزم هذا تنظيم مؤسسة خاصة للتجارة بالإسكندرية تقلد إدارته الارمني بوغوص بك يوسفيان – كبير تراجمة محمد علي الخصوصيين – منذ أبريل 1826 تحت مسمي " ناظر ديوان التجارة "
وعندما أعاد الباشا تنظيم الإدارة المصرية في عام 1837 نظمت الأمور التجارية والخارجية في " ديوان التجارة المصرية والأمور الإفرنجية " . وقد أداره بوغوص أيضا تحت مسمي " مدير ديوان التجارة المصرية والأمور الإفرنجية " حتي وفاته في 11 يناير 1844
وهكذا كان بوغوص يوسفيان الأرمني أول وزير لخارجية مصر في العصر الحديث. وجديربالذكر أن العلاقات كانت وثيقة جدا بين محمد علي وبوغوص حتي أضحي الأخير المرآة الشخصية للباشا والمخلص الوحيد له بين حاشيته ،كما كان والي مصر علي دراية تامة بكل ما يجري حوله من خلال بوغوص الذي عرف معلومات غزيرة عن الأسواق الأوروبية والأحداث السياسية العالمية حتي قيل إنه " مستشار محمد علي وفيلسوفه ".
ويؤكد كل من كتب عن عصر محمد علي بأن بوغوص كان أهم موظف في الإدارة المصرية وأنه الشخص الوحيد الذي شغل مكانة قوية عند محمد علي لأنه لم يخن الثقة التي وضعها فيه . كما أنه خدم مصر بكل جهده وله أياد بيضاء في نهضتها وثروتها ، وكان آلة ذكاء علي غاية الاستعداد بين يدي محمد علي .
وبعد وفاة بوغوص ، حل محله أرمني آخر يُسمي آرتين بك تشراكيان منذ 13 يناير1844 حتي 14سبتمبر1850 ، وهو الرجل الثاني في سلسلة أهل الثقة من الأرمن الذين قاموا بدور همزة الوصل الرئيسية بين مصر والدول المتعاملة معها . ثم تولي أرمني ثالث هذا المنصب ويسمي إسطفان بك دميرجيان منذ 20سبتمبر1850 حتي 20نوفمبر1853 حيث فصل الوالي عباس حلمي الاول ( 1849- 1854 ) ديوان الخارجية بالإسكندرية عن ديوان التجارة ونقله إلي القاهرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق