24‏/12‏/2020

الرخيتو يكتبون التاريخ..كتاب يكشف عظمة مدينة رشيد في ضوء وثائق أرشيف بريطانية

علاء الدين ظاهر

أصدرت مؤسسة الأمة العربية للنشر والتوزيع كتابا جديدا وقيما للأستاذ الدكتور محمود أحمد درويش أستاذ الاثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا،والكتاب بعنوان" الرخيتو يكتبون التاريخ..حملة بريطانيا العظمى على مدينة رشيد عام 1807 في ضوء وثائق الأرشيفات البريطانية".


يبدأ الكتاب بتمهيد عن: الأهمية العسكرية والاستراتيجية لمدينة رشيد، أما الفصل الأول: فيتناول المسرح السياسي والعسكري قبل الحملة البريطانية 1807، ويشمل: الاحتلال العثماني لمصر عام 1517، من حيث: الأوضاع الداخلية منذ الاحتلال العثماني، والجاليات الأجنبية في رشيد ودورها الاقتصادي والسياسي، وتحصينات مدينتي الإسكندرية ورشيد وقلاعهما قبل الحملة، كما يتناول الحملة الفرنسية (1798-1801)، من حيث الاحتلال الفرنسي لمصر عام 1798، والتوجهات الاستعمارية الغربية، والمسرح السياسي بعد انسحاب الحملة الفرنسية من مصر.


ويتناول الفصل الثاني الحملة الإنجليزية على مصر 1807 في ضوء الوثائق، وتشمل الدراسة: المراحل التي مرت بها الحملة، من الناحية التاريخية والرسائل والتقارير الخاصة بهذه المرحلة، إلى جانب الدراسة التحليلية للنصوص الواردة بهذه الرسائل والتقارير، وينتهي بخلاصة لهذه الدراسة. وتشمل هذه المراحل: التمهيد للحملة على مصر (21 نوفمبر 1806- 28 فبراير 1807). والرسائل بين المماليك وقادة الحملة (2 فبراير 1807 - 14 يوليو 1807)، ووصول الحملة واحتلال الإسكندرية.


 والحملة الأولى على رشيد (مارس 1807)، والحملة الثانية على رشيد (أبريل 1807)، ومرحلة ما بعد الهزيمة في رشيد (أبريل - سبتمبر 1807)، وأصداء الهزيمة وانسحاب الحملة من مصر (سبتمبر 1807).


أما الفصل الثالث فيتناول المسرح السياسي والصراع الدولي بعد الحملة الإنجليزية، وتشمل الدراسة: استقرار الحكم لمحمد علي، فيما يتعلق برسوخ الولاية في مصر، واستقرار الحكم (1807-1812)، والتخلص من الزعامة الشعبية وإخماد نفوذ المشايخ، وموقف محمد علي ازاء المماليك، وتأسيس قوة عسكرية نظامية حديثة، وإقامة القلاع والاستحكامات. 


كما يتناول الوضع الداخلي في الباب العالي وبريطانيا بعد الهزيمة في رشيد، فيما يتعلق بالانقلابات في القصر العثماني، والوضع الداخلي في بريطانيا العظمى، وصراعات القوى العظمى فيما بعد الحملة، التي تشمل: الحرب العثمانية الانجليزية، والحرب الإنجليزية الروسية، والحرب العثمانية الروسية، إلى جانب الصراع الدولي في ضوء تقارير الدبلوماسيين الفرنسيين. وتناول هذا الصراع من خلال دراسة ملامحه السياسية والعسكرية.


خاصة وأن هزيمة الجيش البريطاني قد أربكت الموقف السياسي العالمي، وأحدثت تأثيرات طالت المجتمع والحكومة ومجلس العموم البريطاني، فضلا عما لحق بالملك جورج الثالث من مآس، وأججت الصراعات السياسية والعسكرية بين الدول الكبرى، ويكفي أنها تسببت في الانقلاب على السلطان العثماني سليم الثالث الذي بارك هذه الحملة وعزله ثم قتله، وفتحت الطريق أمام الدول الكبرى للترتيب للقضاء على الدولة العثمانية.


ومن غير المقبول أن تقتصر الدراسة على الحملة بشكل مباشر، بل كان الأمر يستلزم دراسة ملامح الصراع السياسي والعسكري، والذي ظهرت بداياته الاستعمارية عندما غزا العثمانيون مصر والأطماع الأوربية للسيطرة عليها عندما انشغل العثمانيون بالجوانب الاقتصادية وأهملوا الجيش والاستحكامات إلا ما يخدم المصالح التركية في المقام الأول.


وفي هذه الدراسة التي تناولت الصراع خلال ثلاثة قرون، برزت أهمية مصر، ومن ثم كانت مطمعا للعثمانيين، واستمرت الأطماع الاستعمارية الأوربية المتمثلة في الحملتين الفرنسية والبريطانية، وقد باءت جميعها بالفشل الذريع. 


لذلك لا يمكن التقليل من قيمة انتصار شعب رشيد الذي لا يمثل انتصارا لشعب واجه قوة غاشمة ولقنها درسا لا ينسى، وكفى، بل لعب دورا في حسم الصراعات السياسية بين القوى العظمى، وكان أول مسمار في نعش الامبراطورية العثمانية. ويكفي أنه - كما ذكرنا سابقا - أطاح بالسلطان العثماني والملك البريطاني والوزارة البريطانية ومجلس العموم وأغلب القادة السياسيين والعسكريين الذين كان لهم دور في هذه الحملة، كما قضى على حلم المماليك بالعودة للحكم.


وبناء على ما سبق، فإن هذا الكتاب يعد إضافة للمكتبة العربية، حيث يفند الأحداث التاريخية للحملة البريطانية من وجهتي النظر العربية والبريطانية على حد سواء، ورغم أن وجهة النظر العربية يشوب أحداثها بعض الغموص أو انعدام الحقيقة، فإن وجهة النظر البريطانية تحمل حقيقة مثبتة بوثائق تاريخية لا تقبل النقاش، فهي رسائل وتقارير بلسان العدو الذي لم يجد مناصا من الاعتراف بفشله الذريع وهزيمته التي مرغت شرف الإمبراطورية البريطانية باعتراف القادة أنفسهم، وأثبتت فشل التخطيط وانعدام الخبرة والغرور.


لذلك، لم يكن تأويل هذه الأحداث خاضعا لميول وطبيعة وعقل المؤلف وشخصيته وانحيازه لأحد الأطراف على حساب أطراف أخرى، وبالتالي، لم تكن الكتابة من وجهة نظر شخصية، بل كما حصلت فعلا، ونستطيع أن نؤكد أن الخلط الذي حدث في سرد أحداث الحملة التي انتهت بفوز محمد علي وإحكام سيطرته على جميع أرجاء البلاد، يعود إلى أن المنتصر هو من يكتب التاريخ، وهذه المقولة إلى حد ما حقيقية بل أقرب إلى الصدق.


 فهو الذي دون في كتب التاريخ ما أراد من أحداث تنسب النصر له ولجنوده من الألبان، في حين أغفل عمداً معلومات أخرى ذات أهمية وقيمة في اكتمال الصورة بشأن الحدث، وترتيبا على ذلك، فالتاريخ دائما ما يكتبه المنتصر ليروج فيه لنفسه ولانتصاراته ويبرز إنجازاته ويقلل فيه من قيمة المنتصر الحقيقي وهو شعب رشيد العظيم.


وقد أكد الكتاب ألا فضل على رشيد في الدفاع وهزيمة جيش بريطانيا العظمى إلا لأبنائها الذين تخلى عنهم الجميع، فيما نسب هذا الانتصار إلى محمد علي والألبان والعثمانيين، مع أن الوثائق التاريخية أكدت أن رشيد وقعت فريسة لخيانة قادة المماليك وتواطؤ محمد علي وقواته من الألبان وتآمر العثمانيين، إلى جانب الغرور والصلف والأطماع الاستعمارية البريطانية، وقد كان الهدف من احتلال المدينة يتمثل في تمكين جميع الأطراف من السيطرة على الثغور ومنها إحكام السيطرة على الحكم ولو تحت راية بريطانيا العظمى، ولحسم الصراع الدولي الذي ستتضح معالمه في الكتاب فيما بعد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق