علاء الدين ظاهر
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن حتشبسوت هي خامس ملوك الأسرة الثامنة عشرة المصرية القديمة، ويعتبرها علماء المصريات واحدة من أنجح ملوك المصريين القدماء فقد كان حكمها نقطة بارزة ليس في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة فحسب، بل وفي تاريخ مصر القديم كله، ويعنى اسمها: خليلة آمون المفضلة على السيدات، أو خليلة آمون درة الأميرات
ويضيف الدكتور ريحان بأن التحدى الأكبر أمام حتشبسوت هو كيف تتولى الملك وهى سيدة رغم اعتراض العديد من كبار الكهنة على أن تتولى امرأة حكم مصر، فقد كانت التقاليد والأعراف أن يكون الملك حاكم البلاد رجلاً، لكن حتشبسوت استطاعت السيطرة عليهم جميعًا وغيرت الرياح فى اتجاهها فهى الابنة الكبرى للملك تحوتمس الأول والملكة أحمس وجدها الأكبر أحمس الأول قاهر الهكسوس
ولقد كانت (حتشبسوت) الوريثة الشرعية لعرش البلاد، حيث لم يكن هناك وريث شرعي من الذكور، ولكن كان لها أخ غير شقيق من أبيها هو (تحوتمس الثاني)، من زوجة ثانوية تدعى (موت نفرت) فتزوجت من أخيها الملك تحتمس الثانى، ولقبت بالزوجة الملكية العظمى، وعند موته كانت الوصية على عرش ابنه الملك الطفل تحتمس الثالث، والذى كان عمره تسع سنوات آنذاك، فحكمت إلى جواره من "1479 إلى 1457 ق.م"
وكان تحوتمس الثاني شخصًا ضعيفًا وكانت حتشبسوت هى التى تدير أمور الدولة، وتحكم البلاد باِسمه من وراء ستار، وكانت صاحبة الأمر وتم إعلان حتشبسوت في عام 1478 قبل الميلاد، ملكًا على الصعيد والدلتا ، ولقد كانت الخانات الملكية التي كتب اسم حتشبسوت في داخلها، والتي تظهر على جدران الدير البحرى والكرنك وفي غيرها من الأماكن في مصر صريحة في معانيها.
فقد أضيف بجوار اسمها (ملك الصعيد والدلتا، ابنة الشمس، صديقة آمون حتشبسوت، حورس الذهبي، مانحة السنين، إلهة الاشراقات، هازمة جميع البلاد، التي تحيى القلوب، السيدة القوية)، ولقد كانت هذه اللحظة هي لحظة النصر بالنسبة لها، ويقدر المؤرخ المصري القديم (مانيتون) ، فترة حكمها بـ 21 سنة، وتسعة أشهر.
قصة الملكة حتشبسوت مع الإله آمون وكيفية إحتيالها على حكم مصر من تحوتمس الثالث بخدعة الزواج الإلهى ونجحت حيلتها واستولت على حكم مصر بازاحة تحوتمس الثالث واعتلت العرش
ويشير الدكتور ريحان إلى حكاية الزواج الإلهى لحتشبسوت حين فكرت فى حيلة ﻹزاحة تحوتمس الثالث من حكم مصر وقد اتفقت مع كهنة طيبة على نشر وإذاعة الخدعة والحيلة وهى إن الإله آمون نام مع والدتها فى مضجعها وأنجبها فهى إذن بنت الإله آمون وليست بنت تحوتمس الأول وذاع الكهنة هذه الحيلة بين الناس حتى صدقوهم .
ومن هنا حق لحتشبسوت جكم مصر بدلًا من تحوتمس الثالث ابن اخيها وزوجها فى نفس الوقت تحوتمس الثانى لإنها بنت الإله آمون ونجحت الحيلة ببراعة وأزاحت حتشبسوت تحوتمس الثالث من حكم مصربمساعدة كهنة طيبة وأمسكت بمقاليد الحكم فى مصر وتشبهت بالرجال فى زيها الملكى وسميت بخرطوش ملكى بعد التتويج باسم ماعت كا رع ومعناه عين عدالة الاله رع.
وينوه الدكتور ريحان إلى طبيعة علاقة حتشبسوت و "سنموت" المهندس الذي بنى لها معبدها الشهير في الدير البحرى والذي منحته ثمانون لقبًا وقد بلغ من حبه لمليكته أن حفر نفقًا بين مقبرتها ومقبرته ليكون قريبًا منها فى الحياة الأخرى كما كان قريبًا منها في الدنيا أمّا هي فقد كانت تقدر نبوغه وقوة شخصيته لدرجة السماح له ببناء مقبرته في حرم معبدها ليجاورها في مماته كما كان يفعل في الدنيا، وهناك تلميحات من بعض المؤرخين تشير إلى وجود حالة حب قد جمعت بين الاثنين سنموت وحتشبسوت بعد وفاة زوجها. لكن هذا ليس مؤكدًا وقد تكون مجرد علاقة احترام متبادل.
ولفت الدكتور ريحان إلى الازدهار فى عهد حتشبسوت التى أعادت فتح المحاجر والمناجم التي أهملت لفترة طويلة، وخاصةً مناجم النحاس والملاخيت في شبه جزيرة سيناء، وهناك لوحة عليها كتابة توثق هذا العمل، وتمجد ما فعلته، وأمرت ببناء عدة منشآت بمعبد الكرنك، كما أنشأت معبدها الشهير فى الدير البحرى بالأقصر.
واهتمت بالأسطول التجارى المصرى فأنشأت السفن الكبيرة، واستغلتها في النقل الداخلى لنقل المسلات التي أمرت بإضافتها إلى معبد الكرنك تمجيدًا للإله آمون وفي بعثات التبادل التجارى مع جيرانها، واتسم عهدها بالرفاهية في مصر ، وزاد الإقبال على مواد ترفيهية أتت بها الأساطيل التجارية من البلاد المجاورة، ومن أهمها البخور والعطور والتوابل والنباتات والأشجار الاستوائية والحيوانات المفترسة والجلود.
كما أرسلت أسطولًا كبيرًا إلى المحيط الأطلسى وازدهرت التجارة مع المحيط الأطلسى لاستيراد بعض أنواع السمك النادر، وبعثة بلاد بونت محملة بالهدايا والبضائع المصرية مثل البردى والكتان إلى بلاد بونت (الصومال حاليًا، وجنوب اليمن)، واستقبلت استقبالًا جيدًا ثم عادت محملة بكميات كبيرة من الحيوانات المفترسة والأخشاب والبخور والأبنوس والعاج والجلود والأحجار الكريمة.
وصورت الملكة حتشبسوت أخبار تلك البعثة على جدران معبد الدير البحرى على الضفة الغربية من النيل عند الأقصر، ولا تزال الألوان التي تزين رسومات هذا المعبد زاهرة ومحتفظة برونقها وجمالها إلى حد كبير.
وأرسلت بعثة إلى محاجر الجرانيت عند أسوان لجلب الأحجار الضخمة للمنشآت.
وقامت بإنشاء مسلتين عظيمتين من الجرانيت بأسوان تمجيدًا للإله آمون يبلغ وزن كل منهما نحو 35 طنًا، تم نقلهما على النيل حتى طيبة وأخذت المسلتان مكانهما في معبد الكرنك بالأقصر، وعند زيارة نابليون أثناء الحملة الفرنسية على مصر عام 1879 أمر بنقل إحدى المسلتين إلى فرنسا، وهى تزين الآن ميدان الكونكورد في العاصمة الفرنسية باريس.
وتوفت حتشبسوت في 10 من الشهر الثاني لفصل الخريف ، والذي يوافق (14 يناير 1457 قبل الميلاد) خلال العام 22 من فترة حكمها ، كما جاء ذلك في كتابة على لوحة وجدت بأرمنت، ولقد تم التحقق من مومياء حتشبسوت ، أن علامات موتها هي علامات لموت طبيعي ، وأن سبب موتها يرجع إلى اصابتها بالسرطان أو السكري،وقد التقطت صورة لمومياء الملكة حتشبسوت تظهر فيها باسمة حالمة وادعة؛ كمن أدى رسالته على أكمل وجه واستراح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق