22‏/01‏/2022

الآثار الغارقة .. تاريخ مصر المغمور في المياه من الإسكندرية إلي أسوان .. تقرير بالصور

 علاء الدين ظاهر

تمتلك مصر رصيداً كبيراً بل هائلا من الآثار التي تبهر العالم كله منذ أن بدأ التاريخ حتي الآن،وهذه الآثار ليست تحت الأرض ولا فوق الأرض فقط،بل كثير منها غارق في المياه عبر الأزمنة المختلفة والظروف مختلفة أيضا،لذلك فإن الآثار الغارقة من الإدارات النوعية المهمة في وزارة الآثار، حيث أنها فريدة في طبيعة عملها الذي ينحصر تحت مياه البحار والبحيرات ونهر النيل حيث توجد الآثار التي غمرتها المياه،إما بسبب غرق سفينة أو مبنى، أو تغير مسار النيل، أو عوامل النحر للشواطئ البحرية، أو سقوط قطع أثرية في المياه.


وقد استحدثت تلك الإدارة في المجلس الأعلى للآثار بعد الاكتشافات الهامة في مياه البحر المتوسط بالإسكندرية في عامي ١٩٩٥و١٩٩٦م، حينما كُشف عن بقايا فنار الإسكندرية بجوار قلعة قايتباى والحي الملكي تحت مياه الميناء الشرقي على التوالي، فجاء قرار د.علي حسن بإنشاء الإدارة وأسندت إدارتها إلى د.إبراهيم درويش مع مجموعة من شباب مفتشي الآثار من الذين حرصوا على التدريب على الغوص بمساعدة جمعية الآثار بالإسكندرية.


 وهكذا تشكلت الإدارة من مجموعة من الأثريين محترفي الغوص من خريجي كليات وأقسام الآثار بكافة التخصصات،المصرية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية،وفي هذا التقرير نستعرض قصص وحكايات مثيرة عن مواقع الآثار الغارقة في مصر،وهي أن امتدت لعدة محافظات لكن أكثرها في محافظة الإسكندرية.


موقع الآثار الغارقة في أسوان

يقع أسفل معبد خنوم وأسفل فندق كتراكت و موقع الأسطون الكبيروالبيت الألماني و موقع مقابر النبلاء والجزرالوسطى ومرسى الأهالي ومعدية النجع البحري




وعلى مر العصور احتفظ نهر النيل بمكانته كوسيلة نقل مهمة بين الشمال والجنوب، فقد كانت القطع الأثرية والأحجار تُنقل على متن السفن من المحاجر جنوبًا إلى المعابد والمقابر وغيرها شمالًا؛ حيث يتميز موقعي أسوان وجبل السلسلة بمحاجر الجرانيت في أسوان، والحجر الرملي في جبل السلسلة.

 

وقد احتفظ نهر النيل ببقايا السفن الغارقة وما تحمله من منقولات أو ما سقط أثناء عمليات النقل. ومن المواقع الأثرية التي تحددت في هذا الموقع موقع مرسى الأهالي الذي يرجح أنه المرسى الرئيسي لجزيرة إلفنتين، وموقع معدية النجع البحري الذي يمثل مرسى صغيرًا.

 


 خليج أبوقير بالاسكندرية

هذا الموقع ينقسم إلى مواقع حطام سفن أسطول نابليون الغارقة وأهمها موقع سفينة القيادة أورينت وموقع السفينة لاسريوس و موقع السفينة لا جورييه،ومواقع المدن الغارقة وتتمثل فى منطقة شرق كانوب ومدينة هيراكليوم.

 



وقد سجل أحد طياري السلاح الملكي البريطاني عام ١٩٣٣م ملاحظته عن تكوينات ضخمة على شكل حدوة حصان تغطي مساحات واسعة من قاع خليج أبو قير، وهو خليج بحري يقع شرق الحدود الإقليمية لمحافظة الإسكندرية.

 



فقام الأمير عمر طوسون بالتعاون مع الصيادين والغواصين بتحديد المواقع الأثرية فيه، واستطاعوا انتشال رأس تمثال من الرخام الأبيض للإسكندر الأكبر. وفي عام ١٩٨٥م، عثر فريق فرنسي بمساعدة كامل أبو السعادات على حطام سفن غارقة من أسطول نابليون بونابارت، وقاموا بانتشال أسلحة وذخائر خاصة بالحملة الفرنسية على الشرق.

 

كما اكتُشفت بعض المدن الغارقة؛ مثل مدينة هيراكليوم التي تقع شمال شرق شاطئ أبو قير، ومدينة كانوب حيث اكتُشفت أطلال معبد وأجزاء تماثيل آلهة مصرية من العصرين البطلمي والروماني.


الميناء الشرقي بالاسكندرية

يقع الميناء الشرقي في المنطقة ما بين رأس السلسلة شرقًا وقلعة قايتباي غربًا، وكان الحي الملكي في العصر البطلمي يقع في منطقة الميناء الشرقي،وبدأ الاهتمام بالموقع من الناحية الأثرية عام ١٩٦١م عندما اكتشف به كامل أبو السعادات، أحد الغواصين الهواة، تمثالاً ضخمًا لسيدة ترتدي الزي المميز للإلهة إيزيس وقطع أثرية أخرى، كما ظهرت بهذه المنطقة أرصفة حجرية.



وفي عام ١٩٩٢م قامت بعثة المعهد الأوروبي للآثار الغارقة بعمل مسح طبوغرافي للميناء الشرقي أسفر عن اكتشاف جزيرة أنتيرودوس واللسان المعروف بشبه جزيرة التيمونيوم، حيث عُثر على بقايا مبان من المرجح أن تكون لمسرح ومعبد الإله بوسيدون. كما كشفت البعثة عناصر أثرية ومعمارية مختلفة؛ مثل تماثيل أبو الهول، وحطام سفينة غارقة ترجع إلى العصر الروماني.

خليج المعمورة بالاسكندرية

وهو خليج مفتوح محاط بالعديد من الجزر وهو الخليج البحري الواقع إلى الشرق بين الخليج المكون لحدائق المنتزه و إلى الغرب من خليج أبى قير،وتعمل بعثة الإدارة العامة للآثار الغارقة في هذا الموقع منذ عام ١٩٩٩م.



وقد أسفرت أعمال المسح والتنقيب عن العثور على كسرات فخارية وبعض الأمفورات مختلفة الطرز، وهو ما يرجِّح ارتباطها بحطام سفن غارقة. فقد عُثر على بقايا سفينة رومانية غارقة في وسط الخليج مازالت تظهر منها بعض العناصر الأثرية في القاع حتى الآن، وأحواض مستقيمة الأضلاع، منحوتة في الصخر، يرجَّح أنها كانت تستخدم في تربية الأسماك.

 

كما ظهرت أجزاء من أرصفة غارقة لميناء صغير. وعُثر أيضًا على بقايا محجر قديم لاستخراج الحجر الجيري أصفر اللون، الذي كان يُستخدم في بناء الأرصفة والأحواض القديمة الموجودة في الخليج التي ترجع إلى العصر الروماني.


موقع الشاطبي بالاسكندرية

تتمثل أهمية موقع الشاطبي - الذي يمتد من السلسلة أمام مكتبة الإسكندرية حاليًا- في متاخمته لما يُعرف برأس لوخياس في العصر البطلمي، وهو الحي الشرقي لمنطقة الحي الملكي؛ لذلك فقد كان من المتوقع العثور فيه على بقايا أجزاء من القصور الملكية أو المعابد التي ذكرت المصادر وجودها في هذه المنطقة.



وعندما بدأ المعهد الهليني العمل بهذا الموقع عام ١٩٩٨م، عثر على قطع حول لسان السلسلة من جهة الشرق من المرجح أن تكون بقايا معبد إيزيس، أو قصر الملكة كليوباترا السابعة. كما كشفت البعثة عن بقايا فخارية معظمها لأوانٍ فخارية على طراز الأمفورات تعود إلى العصر الروماني المتأخر.

موقع قلعة قايتباي بالاسكندرية

​في عام ١٩٦٢م، عمل كامل أبو السعادات بالاشتراك مع القوات البحرية المصرية على انتشال قطع أثرية من موقع قلعة قايتباي، الذي يقع عند حد جزيرة فاروس الشرقي في مواجهة قلعة قايتباي من الجهة الشرقية،وبداية من عام ١٩٩٤م، عمل مركز الدراسات السكندرية في هذا الموقع، حيث عثر على الآثار التي أحاطت بعمود السواري وألقيت في الميناء عام ١١٧٦م في عهد صلاح الدين الأيوبي لتعيق الغزو الصليبي القادم من قبرص.


كما يحوي الموقع ما أسقطه الزلزال من الفنار وجزيرته؛ حيث تصطف بقاياه التي تزيد على ٢٠ طنًّا في خط واحد يتجه إلى الشمال. وعثُر في هذا الموقع على أكثر من ٣٠٠٠ قطعة أثرية معمارية من الجرانيت الوردي، والجرانيت الرمادي، والرخام الأبيض، والرخام الأسود ذي العروق البيضاء، والبازلت، والكوارتزيت. ومن ضمن القطع الأثرية الضخمة التي وُجدت في الموقع ٧ تماثيل لأبي الهول (سفنكس). كما عُثر على حطام ثلاث سفن ترجع إلى ما بين القرنين الثالث ق.م والسابع الميلادي.

جزيرة سعدانة بالبحر الاحمر

اشتهر ساحل البحر الأحمر على مر العصور بالموانئ والمراكز التجارية المهمة، وذلك على الرغم من صعوبة الملاحة فيه نظرًا لوعورة القاع وكثرة الشعاب المرجانية التي قد ترتطم بها السفن؛ الأمر الذي أدى إلى غرق سفن عديدة عبر العصور المختلفة.


وقد كشفت بعثة معهد الآثار البحرية بجزيرة سعدانة عام ١٩٩٤م عن موقع حطام سفينة تجارية يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر،وبالرغم من أن السفينة تُعد فارغة حاليًا بعد سرقة محتوياتها، فقد انتشلت البعثة العديد من المشغولات الخزفية، والنحاسية، والزجاجية، وآلاف الأواني الفخارية، والبورسلين الصيني الفاخر،وما يزال بدن السفينة وجزء من حمولتها غارقًا تحت الماء.

ميناء خوفو بالبحر الاحمر

​يتمثل الميناء البحري في بقايا منشآت أقيمت في الماء على شكل الحرف اللاتيني L بزاوية منفرجة قليلًا، وحاليًا يظهر جزء منها على رأس صخري صغير، ثم تمتد تحت الماء شرقًا لحوالي ١٦٠م، ثم تمتد بطريقة غير منتظمة باتجاه الجنوب الشرقي لمسافة حوالي ١٣٠م.

 

ويتراوح عرض هذا المبنى بين ٨م و١٤م ويرقد في مياه لا يتجاوز عمقها - حاليًا - مترين. ومن المرجح أن هذا المبنى قد شيد ليعمل كحاجز للأمواج والتيارات المائية الشمالية بحيث يوفر مساحة مائية كبيرة يمكن للسفن أن ترسو فيها وتنطلق منها بأمان، وتقدر المساحة المائية التي كان يحتلها الحوض الداخلي للميناء القديم بما لا يقل عن ٥.٦٧ هكتارات.



ومما يؤكد وظيفة هذا الموقع كميناء بحري العثور تحت الماء على ٢١ مرساة من الحجر الجيري ترجع إلى عصر الأسرة الرابعة على بعد حوالي ١٢٠م من الشاطئ الحالي وحوالي ١١م جنوب حاجز الأمواج.

 

ولا شك أن اكتشاف الميناء الذي يرجع إلى عصر الملك خوفو أشهر ملوك الأسرة الرابعة (حوالي ٢٦٠٠ ق.م) بموقع وادي الجرف يعد من أهم الأحداث العلمية في العصر الحديث؛ لأنها تضم أقدم منشآت لميناء بحري صناعي معروف حتى الآن على مستوى العالم، ويثبت العثور على هذا الميناء أن المصريين القدماء قد خبروا إنشاء الموانئ البحرية منذ الأسرة الرابعة على الأقل، وكونوا شبكة اتصال بين ساحل البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق