علاء الدين ظاهر
علي مر التاريخ كانت وستظل النقود سجلاً حافلاً للألقاب التى ألقت الضوء على الكثير من الأحداث التى تجرى على مسرح التاريخ،حيث تعد دراسة النقود الإسلامية من أهم فروع الفنون الإسلامية فى مجال البحث العلمى وذات طابع مميز وفريد فى ميدان علم الآثار.
ما سبق حقيقة أكدتها دراسة علمية حديثة للباحث حمدي عبدالفتاح أحمد عيد،والذي حصل بها علي ماجستير الآثار الإسلامية بتقدير ممتاز وتوصية بالطبع والتداول مع الجامعات الأخرى،وعنوان الدراسة هو"نقود السلطان الإيلخاني أولجايتو محمد خدابنده (703-716ه/1304-1316م) دراسة أثرية فنية".
حرية التنقل
فالنقود رغم صغر حجمها إلا أنها كما جاء في الدراسة تشتمل على تفاصيل عديدة؛ ومعلومات متنوعة سُطَرت بإتقان على قطع النقود، مما جعلها لا تقتصر على الغرض التجارى الذى من أجله سُكت، بل أخذت دوراً آخر على المسرح التاريخى، ألا وهو دورها الإعلامى ، فإنه لا تقف أمامها حدود جغرافية مانعة، ولا يسد فى وجهها باب، ولا يعوقها أي عائق سياسي أو خلافه،إذ كان لها حرية التنقل وسرعة الترحال فى كافة النواحى والبلدان، فى مختلف الدهور والأيام، لآجال طويلة وأزمان عديدة ومتعددة
حتى وصلت النقود مثلاً إلى الحد الذى استعملت فيه لشن الحروب بين الحكام على صفحاتها كوسيلة للإعلان والإعلام، حتى يؤدى هذا إلى وقوع حرب حقيقية على أرض الواقع، وهذا ما أثبتته الأحداث،فالنقود والنُصب التذكارية المنحوتة هما أقدم الوسائل لمخاطبة الشعوب، فكان الحكام يكتبون على نقودهم ما يريدون إذاعته على شعوبهم.
مرآة صادقة
كما اكتسبت النقود أهميتها من كونها تعتبر مرآة صادقة عبرت عن ارتباطها الوثيق بكافة نواحى الحياة المختلفة للدولة التى سكتها وضربت بها، فعكست على وجهيها الناحية السياسية والإقتصادية والجغرافية والإجتماعية والدينية والمذهبية والأدبية والفنية وغيرها.
فمن الناحية السياسية كانت النقود إحدى شارات الخلافة أو الملك والسلطان التى حرص عليها الحكام إذ كانوا يأمرون عقب تسلمهم الحكم بالدعاء لهم على المنابر، وكتابة أسمائهم على شريط الطراز، بالإضافة إلى نقشها على السكة، ومن الناحية الاقتصادية فإن النقود قد عبرت عن الازدهار الاقتصادى لدولة ما أو تدهورها.
وبالنسبة للناحية الجغرافية فإن النقود حملت أسماء دور الضرب التابعة للمدن التى سكت بها، ومن الناحية الاجتماعية فقد أبرزت النقود الإسلامية عدة مظاهر من الحياة الاجتماعية التى شهدتها الدول المختلفة مثل الزواج والمصاهرة ، والمرض والوفاة والمصالحة وغيرها.
كنوز فنية
حيث كانت النقود تضرب تخليداً لتلك المناسبات المهمة ثم توزع عليهم كنقود صلة وهدايا على أولى الأرحام ووجهاء الدولة وكبرائها، ورجال البلاط، ومن الناحية الدينية، فقد كانت النقود تعكس المذهب الدينى للحاكم الذى أمر بسكها، وهذا ما شوهد خلال رحلة الدراسة، أو تعكس أحياناً أخرى المذهب الدينى للشعب المحكوم نفسه.
أما من الناحية الفنية ، فتعد النقود كنوزاً فنية رسمت في غاية من الدقة والإتقان،فقد زخرفت النقود الإسلامية بزخارف نباتية وهندسية دقيقة استعملت أحياناً كهوامش أو فواصل بين الكتابات، أو وزعت بين الكلمات أو شغلت بعض الفراغ الموجود على مساحة النقد، كما نقش على بعض النقود رسوم حيوانية أو آدمية.
ولعل أهم ما يرتبط بالناحية الفنية هو: أن النقود الإسلامية تعتبر مجالاً مهماً لتتبع تطور فن الخط العربي خلال العصور المختلفة، فمن خلالها نعرف أنواع الخطوط المختلفة، ودرجة رقى الخطاطين، ومدى دقة تنفيذهم فى تسجيل الكتابات على مسـاحة محدودة جداً،وبهذا أصبحت النقود العربية الإسلامية مدرسة لتعلم أنواع الخط العربي، لأنها من أهم المصادر التى تساعد على دراسته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق