31‏/10‏/2023

دراسة أثرية..الماء لعب دوراً كبيراً في التركيبة السكانية لواحة الخارجة وإبتكار الأهالي لطرق فريدة لاستخراجه من الأرض الصعبة..تفاصيل

علاء الدين ظاهر 

نتائج كثيرة ومهمة خلصت إليها دراسة أثرية بعنوان "المنشآت المائية في واحة الخارجة بالصحراء الغربية في العصر الإسلامي..دراسة آثاريه معمارية"،وقد حصلت بها صاحبتها الباحثة سهام أحمد إسماعيل بحر مدير الآثار الإسلامية والقبطية بالواحات الخارجة في الوادي الجديد علي الدكتوراة في الآثار والعمارة الإسلامية بمرتبة الشرف الأولى،مع التوصية بطبع الرسالة وتبادلها مع الجامعات الأخرى.



وقد أوضحت الدراسة أن هناك علاقة قوية بين أهل الواحة وإدارة الماء،فهو العنصر الذي من خلاله استطاع إنسان الواحة أن يبني وينسج العديد من العادات والتقاليد والأعراف والقيم والأنظمة والتشريعات والقوانين الاجتماعية التقليدية للماء، تلك الأعراف المحلية المرتبطة بالبيئة؛ شكلت عبر التاريخ قوانين محلية نلجأ إليها في تنظيم شؤون الحياة اليومية المرتبطة بالماء والبيئة، وبالتالي بات من الواجب البحث عن هذه القوانين العرفية من أجل تدوينها وتطويرها والاستفادة منها.



الدراسة أوضحت أيضاً وجود المياه الجوفية بواحة الخارجة على أعماق ضحلة لا تتجاوز في كثير من الأحيان عشرة أمتار وخاصة في جنوب الواحة ضمن خزان جوفي شبة مفتوح تتحرك المياه خلاله بشكل عام من مختلف الاتجاهات لتكوّن منطقة تصريف تحت سطحية للمياه الجوفية اعتماداً على طبوغرافية المنطقة.


الدراسة أوضحت وجود المياه الجوفية على أعماق ضحلة لا تتجاوز في كثير من الأحيان 10 أمتار وخاصة في جنوب الواحة


وأكدت الدراسة على أن تقنية استخدام المناور لجر المياه لمسافات طويلة كان لها بالغ الأثر في تاريخ الواحات في دفع عجلة النشاط الزراعي وتزويد البلدات والقرى بالمياه، وبالرغم من امتداد هذه التقنية على اختلاف مسمياتها كما ورد بالدراسة،إلا أنه لم يصلنا عن هذه المنشآت بواحة الخارجة إلا معلومات قليلة أشارت لها بعض الأبحاث.



 وكشفت قدرة أهالي واحة الخارجة على ابتكار طرق هندسية فريده لاستخراج المياه من باطن الأرض الأمر الذي عانى منه كثيراً أهل الواحة؛ لوجود التحديات الطبيعية القاسية لمواجهة هذه البيئة القاسية حيث استخدم خبراته ومعارفه المستمدة من خصائص البيئة.



 فشق الأرض وثقب الصخور الكثيفة حتى عثر على مخازن المياه الجوفية المحصورة داخلة، فجرها إلى مستوطناته،وحفر الأنفاق أو المناور ذات الميل لتسهيل جرها إلى سطح الأرض وفق طريقة علمية تمتاز بالدقة في وقت كانت فيه المعارف بدائية والوسائل بسيطة، وهي طريقة تضمن تدفق المياه من الأسفل إلى السطح وتقسيمها وتوزيعها على الأرض بشكل عادل.


هناك علاقة قوية بين أهل الواحة وإدارة الماء،فهو العنصر الذي من خلاله استطاع الإنسان أن ينسج عادات وتقاليد وتشريعات وقوانين إجتماعية تقليدية للماء


وأوضحت الدراسة من خلال دراسة مناور المياه الوصول إلى نتائج هامة منها معرفة مدى تدفق الماء داخل المناور من خلال الدراسة الكمية للماء التي تم التوصل إليها عن طريق دراسة المعادلات الرياضية للوصول إلى كمية التدفق داخل "المناور" ولم يكن الأمر مقتصراً على قنوات تجري في باطن الأرض جُلب الماء بواسطتها من العيون والآبار إلى المدن والقرى والبلدات.




كما عكست دراسة المنشآت المائية بواحة الخارجة مراحل التطور في مجال التدبير المائي وطرق الاستغلال له منذ القدم، وقد تباينت هذه المنشآت في حجمها ومقدار استيعابها للمياه وأهميتها من منطقة لأخرى،حيث اتضح من خلال الدراسة أهمية الماء في تاريخ واحة الخارجة ومدى اهتمام مجتمع الواحات بمصدر الماء الذي يمثل الحياة بالنسبة لهم، ومشاكل البحث واستنباط الماء، بالإضافة إلى أن تاريخ هذا العلم هو في حقيقة الأمر عملية حضارية تحتاج إلى أدوات بحث كما تحتاج في الوقت ذاته إلى استقراء وتحليل نصوصه من خلال التراث الإسلامي بالمصادر المختلفة.



ومن خلال الدراسة اتضح أن"العمارة المائـــية"إسم أطلقه قدماء المعماريين والفقهاء والمؤرخون المسلمون على مجمل العمائر والأبنية التي نشأت إما لجلب المياه، أو لتخزينها، أو لرفعها، أو لقياس منسوبها، أو للتحكم في توزيعها، أو لحمايتها، وقد انتشرت هذه العمائر المائية في مختلف المستقرات السكنية بواحة الخارجة.




 حيث أوضحت الدراسة ذلك تفصيلاً من خلال معرفة منشآت التحكم، ومنشآت الوقاية ومنشآت التوزيع ومنشآت التخزين الأمر الذي يوضح مدى اهتمام ومعرفة أهل الواحة بالمياه وإدارة شؤونها،وأدت ندرة الماء في المناطق الصحراوية إلى اتجاه أهل الواحة إلى الكشف والبحث الدائم عن الماء وأماكن تواجدها ومن ثم إنباطها وجرها إلى منازلهم ومزارعهم فأوجدوا وسائل عدة لحفرها ورفعها وجرها، كما انهم ابتكروا طرقاً لتخزين الماء ، من أجل الحفاظ على الماء والاستفادة به وقتما شاءوا.




وإتضح فهم أهل الحضارة الاسلامية لأهمية الماء ودورته، وكيفية الحصول عليه بأقرب وسيلة وأفضل تقنية، كما اتضح من خلال الدراسة مدى ما كانت عليه المنظومة الحضارية الاسلامية متكاملة فكراً وعلما وقانوناً وقضاء لتحقيق غايات الاستفادة من الماء في نواحي الحياة المختلفة في إطار توجيهات الدين الاسلامي الحنيف.




وأوضحت الدراسة مدى تأثر المستقرات السكنية بواحة الخارجة بشروط نشأة المدينة الاسلامية في اختيار مواقع تلك المستقرات بالنسبة لمصادر الماء، وكيف بدى شكل النسيج العمراني متأثراً بذلك إلى حد بعيد،كما اتضحت مراحل تطور إنشاء المنشآت المائية في واحة الخارجة، وكيفية توظيف النظريات العلمية في إنشاء هذه المنشآت بتقنيات بدأت بسيطة وتقليدية ثم تطورت مع تطور الحضارة حتى وصلت إلى مستوى متقدم في هذا المجال. 



وكشفت الباحثة في دراستها ثراء المصادر الفقهية المتخصصة في مجال العمران بالآراء والأحكام التي تتعلق بالتخطيط العمراني بصفة عامة، وكذلك المنشآت المائية المتنوعة سواء كانت عامة أو خاصة،وأكدت أن ظهور البلدات والقرى بواحة الخارجة لم یكن أمرًا عفویًا بقدر ما كان یستجیب لظروف طبیعیة ملائمة توفر الشروط الضروریة للحیاة من وجود مصادر الماء وكيفية استمرار تدفقها والحفاظ عليها.


عكست دراسة المنشآت المائية بواحة الخارجة مراحل التطور في مجال التدبير المائي وطرق الاستغلال له منذ القدم


وأظهرت الدراسة أن عمارة المنشآت المائية بواحة الخارجة تأثرت بكثير من العوامل المناخیة والبیئیة ، فنظراً للطبیعة المناخیة، فقد لجأ المعمار إلى محاولة التكیف مع هذه الظروف وانعكس ذلك في ابتكار نوعيات مختلفة من المصدات سواء الطبيعية أو الصناعية حول المنشآت المائية؛ لحمايتها بصفة دائمة من أخطار طمس الرمال.




كذلك أوضحت أثر الأحكام الفقهية في توزيع المنشآت المائية وعلاقتها بالمنشآت الدينية وهو ما يكشف مدى تطبيق الأحكام الفقهية بواحة الخارجة،وأن أهل الواحة حاولوا التغلب على الظروف المناخیة الصعبة للمناطق الصحراویة، إلا أنه لم یغفلوا الجانب الفقهي في كيفية احترام الاعراف والقوانين العرفية في تقسيم الماء وكيفية تخزينه والحفاظ عليه وتجنب النزاعات بين المساهمين في الآبار بتحديد وجبات للماء، فبالرغم من اختلاف الفقهاء حول تحدید معنى العرف إلا أنهم اتفقوا على أن یكون مصدراً من مصادر التشریع الإسلامي. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق