18‏/04‏/2024

التراث العالمي في مصر 1..الدكتور عبد العزيز سالم:لدينا ثروة هائلة ومتنوعة من المواقع المؤهَلة للإدراج بالقائمة والمُسجل بالفعل 6 فقط!

قائمة التراث العالمي باليونيسكو تشتمل على: 1199 موقعاً عالمياً، منها: 933 موقعاً ثقافياً، و227 موقعاً طبيعياً، و 39 موقعاً مزدوجاً بالإضافة إلى 59 موقعاً مهدداً بالخطر، و48 موقعاً عابرا للحدود في 168 دولة من دول العالم.



علاء الدين ظاهر 


انطلاقاً من أن مواقع التراث الثقافي العالمي في مصر تُعد الذاكرة الجماعية للشعب المصري، ورمزاً لهويته الثقافية، وتنوعه الحضاري، فقد بات من الضروري بذل مزيد من العناية والاهتمام بمواقعنا التراثية، من جهة، وبمواقعنا الثقافية ذات الصفة العالمية، على وجه الخصوص، وذلك لإبراز ما خلّفه أجدادنا من شواهد تاريخية، ونقوش أثرية، حتى تظل جذورنا ضاربة في أعماق التاريخ، تلهمنا بناء الحاضر، واستشراف المستقبل. 



ما سبق ملخص رؤية ثاقبة للأستاذ الدكتور عبدالعزيز سالم الخبير الدولي في التراث وعالم الآثار الإسلامية البارز،والذي قال:تمتلك مصر ثروة هائلة من المواقع التراثية ذات القيمة العالمية الاستثنائية المؤهلة للإدراج في قائمة التراث العالمي، وعلى الرغم من مرور حوالي 50 عاماً على تطبيق اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي 1972، وإنشاء قائمة التراث العالمي.



إلا أن الدراسات الإحصائية الحالية تشير إلى أن تمثيلية مواقع التراث الثقافي والطبيعي المصرية في قائمة التراث العالمي باليونيسكو، تتسم بضعف شديد ولا تعكس قيمة وعراقة مواقع التراث الثقافي المصري، فعلى الرغم من أن قائمة التراث العالمي باليونيسكو تشتمل على: 1199 موقعاً عالمياً، منها: 933 موقعاً ثقافياً، و227 موقعاً طبيعياً، و 39 موقعاً مزدوجاً بالإضافة إلى 59 موقعاً مهدداً بالخطر، و48 موقعاً عابرا للحدود في 168 دولة من دول العالم، وفقا لأحدث إحصائية ( يوليو 2023م)، لا يتجاوز نصيب مصر نحو 6 مواقع ثقافية، وموقعاً وحيداً طبيعياً. 



أحدث إحصائية

لقد لاقى مفهوم التراث العالمي قبولاً واسعاً من معظم دول العالم، من خلال التوقيع على اتفاقية اليونيسكو لحماية التراث الثقافي والطبيعي لسنة 1972م، التي تعتبر مسؤولية التراث وحمايته وإدارته والمحافظة عليه هي أكثر من دلالة وطنية، حتى لو بقيت المسؤولية الأساسية للدولة التي يقع في نطاقها الموقع الثقافي أو الطبيعي، والجدير بالذكر أن مفهوم " التراث العالمي" ظل حيَّا ومتناميَا على الرغم من مضي ما يقرب من نصف قرن على تدشين هذه المفاهيم. 



  وقد شهد القرن الماضي توسعا كبيرا في مفاهيم الآثار والتراث، وتطورهما في صياغة الهوية الثقافية للأمم. وقد تطورت مفاهيم التراث على مستوى التشريع الأممي المعمول به في مجال حماية مواقع التراث الثقافي والطبيعي، مما أدى إلى ظهور مفاهيم ومصطلحات جديدة تم اعتمادها في نصوص الاتفاقيات الدولية



وتعد اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي 1972، والمبادئ التوجيهية لتنفيذها، وثيقتين رئيسيتين في إعداد ترشيحات الممتلكات الثقافية والطبيعية في قائمة التراث العالمي، حيث تعتبر المبادئ التوجيهية ذات أهمية كبيرة في فهم أدوات عمل لجنة التراث العالمي وأجهزتها الاستشارية المتخصصة ضمن هذه الاتفاقية، انطلاقا من أن الهدف الأساسي من الترشيحات هو إبراز مكونات الممتلكات الثقافية والطبيعية المقترحة للإدراج في قائمة التراث العالمي.ط،وبيان السبب الذي يجعل منها قيمة عالمية استثنائية، والتعريف بها، ورصد كيفية الحفاظ على هذه القيمة وحمايتها وصونها وإدارتها. 



ويتطلب ترشيح إدراج الممتلكات سواء كانت ثقافية أو طبيعية أو مزدوجة في قائمة التراث العالمي باليونيسكو، الخوض في غمار رحلة تستلزم وقتاً وجهداً، وتستغرق عادة عملية إعداد ملفات الترشيح ما لا يقل عن سنتين، وقد تستغرق أحياناً بضع سنوات، ويؤدي الاستعداد الجيد والتنظيم المتقن إلى إعداد الترشيح في الحد الأدنى من الوقت والجهد.    



وعلى سبيل المثال، يمكن لعملية إعداد ملفات الترشيح أن تكون أقل تعقيداً، وأن تستغرق وقتاً أقصر إذا كان الأمر متعلقاً بمعلمة أو نصب تذكاري أو موقع ثقافي جرت دراسته مسبقاً بشكل جيد، ويمكن أن تكون العملية على عكس ذلك إذا ما تعلق الأمر بموقع طبيعي واسع الامتداد ومتعدد الاستخدامات، أو بمدينة تاريخية أو منظر طبيعي ثقافي أو مسار ثقافي. ففي هذه الحالات يكثر عدد الأطراف المعنية مما يؤدي إلى نظام إداري أو خطة إدارية أكثر تعقيداً. 



القديسة كاترين

إن اتفاقية التراث العالمي هي مثالٌ مبكّرٌ على المقاربة المبنيّة على القيم إذ أن تنفيذها ركّز منذ البداية على تحديد القيمة العالمية الاستثنائية وحماية تلك القيمة التي تشكّل الدلالة التي تجعل للمكان أهمية بالنسبة للبشرية جمعاء. كما أن الهدف من إدارة ممتلكات التراث العالمي إذن، هو ضمان حماية القيمة العالمية الاستثنائية لممتلك تراثي بعينه أو الحفاظ عليها على المدى الطويل. والأمر الأساسي في هذه المقاربة المبنيّة على القيم هو إعداد "بيان الأهمية" واستخدامه أساسًا في تحديد استراتيجيات الصون والإدارة.  



وفي الدورة الخامسة والعشرين لاجتماعات لجنة التراث العالمي (هلسنكي، 2001 ) تم استبداله بمصطلح أكثر دقّة هو "بيان القيمة العالمية الاستثنائية". وتم إدراج تعريف "بيان القيمة العالمية الاستثنائية" في "المبادئ التوجيهية" التي صدرت 2005. ووضعت تعريفًا عمليًا لـ "بيان القيمة العالمية الاستثنائية"، ليكون وثيقة مرجعية أساسية للحماية الفعلية للممتلك المعنيّ ولإدارته في المستقبل.  



ويجب أن يرقى الممتلك إلى القيمة العالمية الاستثنائية، وأن يستوفي معياراً واحداً على الأقل من المعايير العشرة المعدة لهذا الغرض، وتُفسر القيمة العالمية الاستثنائية، بأنها الدلالة الفائقة التي يتمتع بها هذا التراث من الناحية الثقافية أو الطبيعية بحيث تتجاوز أهميته الحدود الوطنية وتصبح أهمية مشتركة للأجيال الحاضرة والمقبلة للبشرية جمعاء، ولكي يعتبر ممتلك ما ذا قيمة عالمية استثنائية، يجب أن يستوفي أيضاً شرطي السلامة أو الأصالة، وأن يتضمن على نظام ملائم للحماية والإدارة يكفل صونه.  



وتشدد الجهات الاستشارية باليونيسكو على ضرورة أن يكون الهدف الرئيسي من عملية إعداد ملفات الترشيح والإدراج في التراث العالمي، هو تحقيق القيمة العالمية الاستثنائية في الموقع المراد ترشيحه، ولا ينبغي أن تكون دوافع الترشيح من أجل التنمية الاقتصادية في المقام الاول، وهي نقطة خلافية بالغة الصعوبة.



بالإضافة إلى كونها خط التماس بين إبراز القيمة العالمية الاستثنائية في الممتلك سواء كانت ثقافية أو طبيعية أو يجمع بينهما، وبين رغبة الدولة في التطوير المستمر من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، وبخاصة في الدول النامية التي تسعى إلى توظيف تراثها الثقافي والطبيعي في تنمية مجتمعاتها،وينبغي لتفادي هذه المعضلة الجمع بين إبراز القيمة العالمية الاستثنائية، وهي القاعدة التي تبنى عليها ترشيحات الإدراج في قائمة التراث العالمي، والسعي نحو اغتنام فرص التنمية الاقتصادية. 

    


أهرامات الجيزة

ويعتبر الترشيح للإدراج في قائمة التراث العالمي مجرد انطلاقة لرحلة أطول بكثير تهدف إلى تحسين عمليات صون الممتلكات على جميع المستويات. وإذا حظي الترشيح بالنجاح وتم الأخذ به، فإن الإدراج في قائمة التراث العالمي يلزم الدولة العضو باليونيسكو بمواصلة الإجراءات الخاصة برعاية الممتلك، لضمان حماية القيمة العالمية الاستثنائية التي يتسم بها وصونها وإدارتها والحفاظ عليها على الدوام،كما أن إجراءات ترشيح الممتلكات وإدراجها في قائمة التراث العالمي تقع في صلب اتفاقية التراث العالمي، وهي مسؤوليات أساسية تقع على عاتق الدول الأطراف في الاتفاقية. 



آثار النوبة 

ويجب التنبه إلى أن إعداد الخطط أو الوثائق اللازمة وإثبات فعاليتها قبل تقديم الترشيح قد يستغرقان وقتاً طويلاً، وهو أمر قد يكون له تأثير كبير في الجدول الزمني لعملية الترشيح. وإضافةً إلى ذلك، فإن إعداد الترتيبات الإدارية اللازمة قبل تقديم الترشيح أمر مهم بالنسبة إلى الصون طويل الأجل للممتلك ومن شأنه أن يعود بالفائدة على أصحاب حقوق الملكية وجميع الجهات المعنية.



كذلك ينبغي استشارة الدول الأطراف التي قدمت حديثاً ملفات ترشيح أفضت إلى إدراج مواقع معينة في قائمة التراث العالمي، ويجدر التشديد على أن ملفات أو عمليات الترشيح السابقة التي تكللت بالنجاح يجب ألا تُعتمد تلقائياً كنموذج لملف الترشيح المزمع لاستنساخها، فلكل ترشيح ولكل دولة ظروف خاصة تفضي إلى عملية ترشيح ربما لا يمكن أن ينطبق على حالات أخرى.  



وإن إجراءات ترشيح الممتلكات وإدراجها في قائمة التراث العالمي تقع في صلب اتفاقية التراث العالمي، وهي مسؤوليات أساسية تقع على عاتق الدول الأطراف في الاتفاقية. وتغطي هذه المسؤوليات مجالات رئيسية ثلاثة وهي: إعداد القوائم المؤقتة؛ وإعداد الترشيحات؛ وتأمين الإدارة الفعالة للممتلكات المدرجة في القائمة من أجل حماية قيمتها العالمية الاستثنائية وصونها وإدارتها.



وعادةً ما يتطلب إعداد ترشيح لقائمة التراث العالمي اتباع نهج يقوم على العمل الجماعي، وذلك نظراً إلى تعقيد المهمة وتنوع الجهات المعنية الرئيسة والخبرات المطلوبة وتعددها. وعادة ما يكون من الضروري تعيين شخص واحد لقيادة المشروع، قادر على الاضطلاع بمسؤولية إدارة عملية الترشيح بأكملها وتسليم وثيقة الترشيح النهائية. وقد يكون من المفيد جداً للعديد من المواقع تنظيم عملية الترشيح على مرحلتين على الأقل، بحيث يبدأ تنفيذهما بعد مضي فترة معينة على إعداد قائمة مؤقتة.



وتعتبر وثيقة الترشيح الأساس الذي تعتمد عليه لجنة التراث العالمي من أجل تحديد ما إذا كان الموقع يلبي متطلبات الاتفاقية، وما إذا كان ذا قيمة عالمية استثنائية على وجه الخصوص. وتعتبر اللجنة الموقع ذا قيمة عالمية استثنائية إذا ما استوفى واحداً أو أكثر من معايير التراث العالمي. ولكي يُعتبر موقع ما ذا قيمة عالمية استثنائية، يجب أن يستوفي أيضاً شرطي السلامة والأصالة، وأن ينطوي على نظام ملائم للحماية والإدارة يكفل صونه 



ويوجد العديد من الطرق المختلفة لإعداد ملفات الترشيح للإدراج في قائمة التراث العالمي، وينعكس بالضرورة في الترشيحات تنوع الهياكل والثقافات الإدارية. فمن غير المناسب تقديم وصفات أو التوصية باتباع أسلوب عمل مفضل في إطار إعداد تلك الترشيحات.



ومع ذلك، ترى الهيئات الاستشارية باليونيسكو، أن هناك عدداً قليلاً من المبادئ الأساسية التي ينبغي أن تركز عليها جميع الترشيحات الجيدة للتأكد من أن المواقع المقترحة هي الأنسب، وأن تمثيلها ضمن الترشيحات يجري على أعلى قدر من الفعالية، وأن عملية الترشيح نفسها تساهم في حماية التراث الطبيعي والثقافي، وفي صونه وإدارته بشكل فعال. كما يوجد الكثير من أوجه التشابه، والاختلاف الكبيرة، بين إعداد ترشيحات التراث الثقافي، وإعداد ترشيحات التراث الطبيعي.



وينبغي أن يكون ملف الترشيح واضحاً ومتسقاً من حيث الغرض المرجو منه، ومن حيث المعلومات والحجج والاستنتاجات التي يتضمنها.  وقد يعتبر الاستعانة بخبير استشاري لكتابة ملف الترشيح هي أسرع وأبسط السبل لضمان إدراج الموقع المقترح، ويُعتبر التسلسل الزمني لمراحل إعداد ملفات الترشيح مسألة مهمة، ومن الضروري الالتزام بهذا التسلسل والتنبه إلى أن عملية إعداد الملف تستلزم تعديلات متكررة وتفترض الاتصال بالجهات المعنية والتعاون معها على نحو متواصل.



وفي الحلقة القادمة سيتم عرض مواقع التراث العالمي الستة في مصر وهي: منطقة أبو مينا الأثرية بالقرب من الإسكندرية، ومنطقة القاهرة التاريخية، ومنطقة آثار منف من أهرامات الجيزة إلى دهشور، ومدينة طيبة القديمة ( مدينة الأقصر )، ومدينة النوبة ومعابدها، ودير سانت كاترين. بالإضافة إلى الموقع الطبيعي الوحيد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق