مغامرة ... بشير عبد الرؤوف
على الرغم من كونه أول سد حجرى بالعالم لا يزل قائما، لكن موقع سد الكفار غير معروف للكثيرين حتى الآن.
والسد الواقع فى وادى جراوى بقلب الصحراء الشرقية تلاحقه العديد من التساؤلات، أولها فى عصر أى من ملوك الفراعنة تم إنشاؤه ولماذا اختير هذا الموقع تحديدا؟.
وهل قام المهندس الذى أشرف على بنائه بعمل تحويل لمجرى المياه أثناء عمليات الإنشاء وقبل الاكتمال، وهل تم تدمير السد عن طريق فيضان ضخم كما يقال؟ ومتى تم هذا؟،ومكان كوادى جراوى يستحق أن يكون مقصدا سياحيا عالميا لا يقل أهمية عن أهرامات الجيزة ومعابد الأقصر والكرنك وغيرها من الأماكن الأثرية المهمة.
# إختراق المجهول
ومن واقع المخاطرة التى قمت بها بالذهاب إلى وادى جراوى، حيث الزواحف وربما حيوانات مفترسة، أكدها هناك صوت طائر الزرزور الذى صاح حولى كثيرا منذرا برؤيته لحيوان أو زواحف مفترسة، خلال طريق محفوف بالمخاطر لا يمكن أن يصل إليه إلا قصاصى الأثر ليكونوا الدليل إلى هذا المكان المجهول.
ولم يكن لوادى جراوى تلك السمعة والأهمية دون هذا البناء الأثرى الذى اكتشفه جورج أوجست عام 1885، والذى كان أول من شغل منصب رئيس الجمعية الجغرافية الملكية وحدد حينها أن الوادى به أقدم سد مائى فى التاريخ، وعليه واصل الباحثون تلك الفكرة وساروا على نفس نهجه وصدرت عن هذا البناء الأثرى المؤلفات، وتم رسم الخيالات والتوقعات حول ماهيته ووضعت النظريات التى قد تتغير وفقا لمعطيات جديدة، قد يجانبها الصواب مع مرور الوقت وظهور أية دلائل تؤكد تلك النظرية.
ووادى جراوى مثله مثل كثير من الوديان التى نسمع عنها فقط، فيقع موازيا له وادى حوف، الذى لا تزيد معرفة الكثيرين به سوى لافتة أو محطة مترو الأنفاق، إلا أن هذا الوادى له أهمية أخرى لاقترانه بما عرف عنه أنه بنى به أول سد مائى فى التاريخ تم بناؤه عام 2650 قبل الميلاد، متزامنا مع عصر بناء الأهرامات فى الأسرة الرابعة، كما كشفت عنه الأشعة التى تم فحص المبنى بها لمعرفة تاريخ بناؤه.
# إنعدام رؤية
يقع الوادى على مسافة 30 كيلو متر جنوب شرق حلوان بالصحراء الشرقية باتجاه السويس بطريق عبارة عن متاهة لا تستطيع الخروج منها، فعلى يمينك وادٍ وعلى يسارك وادٍ وتصل منهما إلى وادٍ، ولا ترى سوى سلاسل من الجبال التى لا تنقشع عنها انعدام الرؤية، إلا مع رحيل شمس النهار، وإن ساعدتك عيناك على تسجيل نقطة عودة لتخرج من وسط تلك الهضاب والوديان والمرتفعات والمنخفضات، لن تتمكن من معرفة طريق الوصول إليها، فأنت هناك بلا محالة مفقود، وقد تنهار إذا ما شاهدت "الضب" الأشبه بالتمساح، والذى يتهافت على تناوله مطهيا كبار السن، حيث يعتبرونه مقوٍ طبيعى.
سد الكفار أو الوثنيين، كما أطلق عليه، قالت النظريات أنه سد مائى لم يتم بناؤه وأن بناءه استمر 12 عاما ولم يتم معرفة عما إذا كان ماءً قد جرف بناء السد أم توقف البناء فيه، إذا كان بالفعل سدا.
ولا يقل انخفاض الوادى عن السطح الذى تمركزت عنده عن ثلاثين مترا غصت داخلها إلى أن استقرت أقدامى على أرض صخرية ملساء توحى فى البداية أنها بودرة السيراميك، فيما أكد قصاصى الأثر أن الوادى يحمل المياه مع كل شتاء وأنه الوادى الوحيد فى المنطقة الذى ما زال حتى الآن تجرى فيه مياه السيول والأمطار لتمتلىء جنباته عن آخرها بالخير، ومع الربيع تنتشر الزروع بأرضه، فيما يتكون هناك وادٍ جديد بزغت فيه المياه وانتشرت فيه الزروع الخضراء بعد أن جفت منه مواد التحجير.
# خط مستقيم
تكشف خرائط جوجل إيرث، أنه يشطر محافظتى القاهرة والجيزة، ويقع على خط مستقيم مع الهرم الأكبر الذى بناه الملك خو فو من جهة، وعزبة الوالدة باشا فى حلوان والتى عثر فيها على 10 آلاف و256 جبانة عام 2000 ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، من الجهة الأخرى حيث يتوسط الهرم وعزبة الوالدة، ويحده ميت رهينة من الغرب، كما يصنع المبنى المعروف بالسد المائى مثلثا افتراضيا مع الهرم الأكبر وهرم الملك زوسر فى سقارة، ثم يقع داخل مثلثا افتراضيا أكبر، أضلاعه الهرم الأكبر وعزبة الوالدة بحلوان وهرم ميدوم.
ويوجد المبنى على قمة جبلية من جانب وتقع بمواجهته على الجانب الآخر قمة هرمية صلبة، حاولت إحدى الكسارات التابعة لمحافظة القاهرة تدميرها دون جدوى، إلا أن هذه الكسارة تمكنت من تحطيم سورا كان قد تم بناؤه بجوار تلك القمة الهرمية من نفس أحجار بناء ما سمى بالسد المائى، نظرا لانتشار الوديان والهضاب والمحاجر، كما تلاحظ أنه يوجد بهذا المبنى ما هو أشبه بنافذة فى الجانب الواقع أعلى مجرى الوادى وتم غلقها حديثا، كما يوجد مبنى كبير اسطوانى الشكل من الفخار ومرتفع جدا، يقال أنه كان سكنا للعمال الذين قاموا ببناء المبنى.
# موحد القطرين
ويرى الدكتور جلال نعمان الرئيس السابق للجنة الآثار برئاسة الجمهورية أن المبنى لم يكن سدا ولا مشروع سد مائى، مدللا على رأيه بأن البناء جاء من الداخل للخارج لتكسية القمة الهرمية، فى حين أن السد يحتاج إلى بناء مستقيم وليس مدرجا، وأن ما تم هو إنشاء سور يحيط بمنطقة بناء الهرم، لافتا إلى أن شطر المبنى محافظتى القاهرة والجيزة حيث كان هناك ما يسمى إقليم "Sheter"" يفصل بين الوجه القبلى جنوبا والوجه البحرى شمالا، حتى تم توحيد هذين الوجهين فى عهد نعارمر مينا "موحد القطرين" سنة 3200 ق.م.
ويعلق الدكتور نعمان حول فرضية تلك المثلثات بأنه كانت توجد بالقرب من نفس المنطقة "السور الأبيض" "إينب حج" الذى قد تثبت الحفريات والاكتشافات أن هناك صلة بين رؤوس تلك المثلثات وامتداداتها، حيث كانت عزبة الوالدة وحلوان حتى المعادى بمثابة مدافن لعصر ما قبل الأسرات، كما أنه لم تكن هناك مخاوف من أية مياه زائدة، تؤدى إلى غرق المنطقة، وهى وظيفة السد، كما أن المنطقة امتدادا حتى الطراوات السبعة (طرة) منذ عصر ما قبل الأسرات وهى منطقة محاجر ومصدر للاقتصاد القومى من الأحجار المختلفة حتى الآن.
# راهب الصحراء
ولكن هناك سؤال طرح نفسه مع زيارة تلك المنطقة التى تتشابه فيها أحجارها مع أحجار الأهرامات، وكذلك، تقريبا نفس توقيت بنائها، هل كانت تلك المنطقة مصدر لأحجار الأهرامات، وما صلة أبو الهول بهذه المنطقة!
تلك الأسئلة طرحها الدكتور البهى عيسوى، راهب الصحراء وشيخ الجيولوجيين المصريين،والذى أوضح أن وادى "جبو" الذى يقبع فى الصحراء وفى الطريق إلى وادى جراوى كان مصدر الدولوميت الذى تم كساء جسم تمثال أبو الهول به بعد أن أصابه تسريب مياه جوفية، حيث إن جسم الثمثال من الحجر الجيرى، والدولوميت مادة لا تنصهر ولا تتسرب منها المياه مما حمى أبو الهول.
ويكشف الخبير الجيولوجى العالمى عن أن وادى جراوى كان مصدر أحجار الأهرامات، وأيضا أن أحجار القلعة لم يتم اقتلاعها من الأهرامات ولكنها كانت من نفس مصدر أحجار الأهرامات، وادى جراوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق