علاء الدين ظاهر
كشف خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن فكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة طرحها النحات الفرنسى ( جيوم لابلان ) وتحمس لها الأمير يوسف كمال وعزم على تنفيذ الفكرة وظل هو ولابلان يخططان لإنجاز المشروع ودام التشاور والدراسة لستة أشهر.
وفى ١٣ مايو ١٩٠٨ كانت المدرسة التى أسسها يوسف كمال من حر ماله قد فتحت أبوابها لأصحاب المواهب ولم تشترط المدرسة تقديم مصروفات، فقد كان الالتحاق بها مجانًا دون تقيد بسن، بل كانت تتولى توفير أدوات الرسم بلا مقابل وكان القبول بها لا يحتاج سوى الخضوع لاختبار قبول، وكان محمود مختار فى طليعة من تقدموا ونبغوا فيها ومعه كوكبة من رواد الفن التشكيلى فى مصر، ومنهم المصور يوسف كمال والمصور محمد حسن.
ومما يذكر للأمير يوسف كمال أنه فى عام ١٩١٤م عرضت عليه رئاسة الجامعة لكنه اعتذر واكتفى بأن يكون عضوًا فى مجلس إدارتها، وحينما اضطر حسين رشدى باشا للتخلى عن الجامعة اختير هو رئيسًا لها، وفى فترة رئاسته هذه كان يرسل النوابغ من طلابها للدراسة فى الخارج على نفقته الخاصة ، وحين تعرضت الجامعة لضائقة مالية بسبب الحرب العالمية الأولى تبرع لها بألفى جنيه .
وأسهم الأمير يوسف كمال في تنمية عددًا كبيرًا من القرى المصرية في صعيد مصر، وأدخل بعض التقنيات الزراعية الحديثة في منطقة نجع حمادي، وعُرف بالوطنية حتى إنه أعاد في مطلع الخمسينيات إلى مصر معظم ممتلكاته التي كانت في الخارج، وبعد ثورة يوليو 1952 غادر مصر وأقام في أوروبا حتى توفي في مدينة أستروبل بالنمسا عام (1389 - 1969م )
بنى قصر يوسف كمال بالمطرية عام 1908 وقد صممه مهندس القصور الملكية الشهير أنطونيو لاشياك وهو من أشهر المعماريين الذين وفدوا إلى مصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد استغرق بناء القصر 13 عامًا، ونظرًا لأن الأمير يوسف كمال أشتهر بالصيد فقد تحول هذا القصر إلى متحف عقب ثورة 1952، إذ كان غنيًا بالحيوانات المحنطة التي اصطادها أثناء رحلاته إلى أفريقيا.
ويرصد الدكتور ريحان المعالم المعمارية والفنية للقصر الذى يطل بواجهته على حديقة اتساعها حوالي 14 فدان ، والقصر على الطراز الأوروبي ويرجع إلى عصر النهضة بداية من واجهة القصر الرئيسية فالأعمدة والزخارف النباتية تظهر فيها التأثيرات الغربية، والقبة المفتوحة أعلى العقد تبدو أقرب إلى قرص الشمس حينما تتسع بأنوارها على الكون، وفي الواجهة الرئيسة سلم خارجي ذو تصميم مبتكر، إذ يسبقه شكل دائري يشبه حوضًا للزرع يعلوه شكل دائري آخر يلتقي عنده طرفا السلم الخارجي
أمّا المدخل الرئيسى الذي يؤدي إلى بهو الاستقبال فتطل أعمدة الطابق الثاني عليه بشموخ وكبرياء تجعل الفرد يشعر كأنه في أحد المعابد الرومانية القديمة، إذ تظهر التيجان فوق الأعمدة الضخمة الرائعة والتيجان الموجودة بأعمدة القصر ذات تأثيرات أوروبية في زخارفها، ويتصدر البهو سلم رخامي ذو فخامة في التصميم حيث يبدو أكثر اتساعًا في أوله، ثم تضيق درجاته رويدًا حتى يفرق طرفي السلم عند البسطة الصغيرة، ويؤديان إلى الطابق الثاني، أمّا سقف البهو فهو قبو مستطيل يعلوه شرفة تطل على حديقة القصر.
وينوه الدكتور ريحان إلى أن القصر يجمع فى تصميمه بين طراز النهضة الفرنسية مع طراز النهضة الإيطالية، وللقصر أربع واجهات تبعًا للاتجاهات الأصلية وجميعها تتبارى في الجمال المعماري، وتتميز الواجهات بأنها صممت بنظام الكتل البارزة والكتل الغائرة، فالواجهة الشمالية تتوسطها كتلة مدخل تعلوها شرفة وهذه الشرفة تعلوها قبة، وعلى اليسارتوجد قاعة استقبال أخرى، كان يشغلها الأمير ويتصدر جدار الواجهة لوحة للأمير وبعض رفاقه أثناء إحدى رحلات الصيد.
أمّا الطابق الثاني من القصر فيشمل القاعات والحجرات الخاصة بالمعيشة ومنها قاعة ذات تأثيرات فنية صينية ظهر فيها رسم للتنين في السقف إلى جانب مظاهر حياتية مختلفة، على اليمين القاعة العربية وغرفة الاستقبال المميزة بالتغطيات والعقود الخشبية التي تحيط بالباب الذي يفتح على شرفة القصر الخارجية
وتغطى الجدران بأقمشة ذات ألوان وزخارف متكررة تحيط بها إطارات خارجية، يوجد فيها أعمدة خشبية فيها مسارات فنية ويتصدر القاعة عقد بتصميم متميز يحيط بإحدى نوافذ القاعة، وتوجد مدفأة من الرخام، وأعلاها دوائر تشبه الشمس تحيط بها إطارات مذهبة إلى جانب الأشكال الزخرفية المتعددة، ويلي القاعة قاعة طعام وهي تمثل فخامة قاعات القصور الكبرى، إذ الثراء في الزخارف والألوان على النوافذ الزجاجية وعلى الأبواب وعلى مختلف جدرانها
هذا إلى جانب العديد من القاعات التي تظهر فيها تغطية الجدران بالأقمشة والزخارف المختلفة ، ولا تخلو هذه الزخارف من تجميل السقف بلمسات فنية رائعة الجمال، والقاعة العربية تجعل من يدخلها يعيش في أجواء عصر المماليك إذ جمع الأمير يوسف كمال محتوياتها من قصور بعض المماليك القديمة عندما ننظر إلى السقف تظهر هذه القبة التي يشع زجاجها بضوء الشمس وزخارفها بتناغم جمال الحليات الخشبية مع جمال باقي العناصر الزخرفية، وتتماثل القبة مع النافورة في خط يربط بين مركزيهما، وتشع في هذه القاعة التأثيرات العثمانية على البلاطات الخزفية وعلى أحد جدرانها توجد نافذتان تأخذان الشكل المتطور من فن المشربية إذ تظهر الزخرفة الخشبية التي يغطيها الزجاج الملون فتبدو وكأنها قرص من صناعة النحل .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق