03‏/02‏/2024

أثرت في الثقافة قبل 200 عام..باحثة تكشف تاريخ مطبعة بولاق الذي بدأ من ميلانو..تفاصيل

علاء الدين ظاهر

ترجع فكرة إنشاء مطبعة في مصر إلى عام 1230هـ/1815م، وهي السنة التي أرسل فيها محمد علي باشا بعثة إلى إيطاليا البلد المتخصص في الطباعة، ثم في 1820م أنشئت أول مطبعة مصرية، وتم بدء العمل بها عام 1822م. 



ما سبق وأكثر كشفته شيماء محمود سالم باحثة دكتورة في الآثار الإسلامية في كتابها الرائع"المصاحف الأثرية الشريفة في عصر الأسرة العلوية"الصادر عن المؤسسة الدولية للكتاب ومديريها محد فوزي ومحمد عبد الظاهر،ومعروض حالياً بجناح المؤسسة في معرض القاهرة الدولي للكتاب.



وتابعت في كتابها:أراد محمد علي باشا إنشاء مطبعة تحاكي مطابع الغرب الأوربي وتساهم في الحياة الثقافية من خلال طبع الكتب التي يحتاج إليها التلاميذ والطلاب، فانشأ مطبعة بولاق في المنطقة الواقعة بين وكالة الأرز والنيل التي أنشأها محمد علي سنة ١٢٣٥ هـ/1820م، وبدأ العمل بها سنة ١٢٣٧هـ/ ١٨٢٢ م وألحق بها مدرسة.



 حيث وجه أمرًا إلى كتخدا بك بتعيين مدرس هندي لتعليم التلاميذ الخط وحروف الطباعة، وأنشأ بجوارها مصنعًا للورق "كاغد خانه" ضمن مشروعه الكبير لنشر الصناعة والعلوم الحربية علي وجه الخصوص، وعين نيقولا المسابكي مديرًا لها،وذلك بعد أن عاد من البعثة التي أوفده لها بإيطاليا سنة ١٢٣٠ هـ/ ١٨١٥ م لدراسة فن الطباعة. 




وقد إختلف كثير من المؤرخين حول تاريخ إنشاء مطبعة بولاق، لكن مصدرنا الأساسي في هذا التاريخ هي اللوحة التذكارية على باب المطبعة وقت إنشائها، وفيها تاريخ الإنشاء، وهي لوحة رخامية طولها ١١٠ سنتيمتر، وعرضها ٥٥ سنتيمترًا، ونُقشت بحيث برزت عليها أبيات شعرية باللغة التركية.



ونصها:"حالا خديو مصر محمد علي وزير أولنا مدار دولت صاحب المنح...آثار بي حسابنه ضد أيلدي دخي يا بدر دي أشبو مطبعة بي بو يله يرفرح...هاتف سعيدة سو يلدي تاريخ تا متي دار الطباعة در هنرك مصدري أصح".



وترجمتها للعربية"إن خديوي مصر الحالي محمد علي، فخر الدين والدولة وصاحب المنح العظيمة قد زادت مآثره الجليلة التي لا تعد بإنشاء دار الطباعة العامرة، وظهرت الجميع بشكلها البهيج البديع، وقد قال الشاعر سعيد إن دار الطباعة هي مصدر الفن الصحيح".



واستجلب محمد علي من إيطاليا"ميلانو"3 آلات للطبع، ومعها الحبر والأوراق وغيرها من مستلزمات الطباعة، واستكمل ما يحتاج إليه من أدوات للطباعة من باريس،وبدأ تصنيع الحبر في مصر ووقف استيراده من أوروبا، وكذلك الأمر بالنسبة للورق، وبالوقت ذاته أنشئت مطابع كثيرة وأُلحق معظمها بالمدارس ليتيسر طبع الكتب بها.



وطبقاً لما تناولته الباحثة في كتابها،فقد جاء بناء المدارس في عصر محمد علي لبناء دولة حديثة، اتجه فيها إلى مشروعات علمية بخبرات أوروبية، لذا كان أهم دعائم دولته العصرية الأركان التعليمية والتثقيفية الحديثة، فسعى لإقامة إدارة فعالة ومزدهرة يدعمها ويحميها عن طريق إنشاء تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي.



والتعليم قبل محمد علي كان مقتصرًا على أروقة الأزهر الشريف، وفيها كان يدرس الطلاب كافة العلوم بمختف تخصصاتها، واعتبر ظهور محمد على إيذانًا بانتهاء ثلاثة قرون من الجهل والضعف والتخلف عاشتها مصر تحت حكم العثمانيين، وبزعت شمس عصر جديد خرجت فيه مصر من كبوتها الحضارية ودُفع بها إلى مصاف الدول القوية.



وأرسى محمد علي الأساس المتين لمصر الحديثة معتمدًا في ذلك على التعليم كنقطة بداية، فقبل حكمه كان التعليم دينيًا فقط يقوم على تلقين مبادئ اللغة وحفظ القرآن الكريم في الكتاتيب، والتي كانت بمثابة مؤسسات التعليم الابتدائية، وكان خريجو هذه الكتاتيب يتجهون إلى الحياة العملية مباشرة أو إلى استكمال دراستهم الدينية في الأزهر الشريف أو أحد المساجد الكبرى التي كانت تُعد آنذاك بمثابة مؤسسات التعليم العليا.




والدراسة في الأزهر الشريف كانت تنقسم إلى مراحل ثلاث،الأولى هي التمهيدية تحت إشراف صغار المدرسين، والثانية المتوسطة على يد أساتذة أكثر خبرة ومقدرة، والثالثة هي المرحلة النهائية التي يدرس فيها الطالب أمهات الكتب على يد كبار علماء الدين، وكان الانتقال من مرحلة إلى أخرى يعتمد على استيعاب الطالب، وهي القدرة التي يستأنسها الطالب في نفسه.



أما الهدف النهائي لهذه الدراسة، فهو إعداد أئمة المساجد ورجال الفتوى والقضاء أو التدريس في الأزهر وغيره من الجوامع والمدارس، ولم يكن ثمة شهادات رسمية من الدولة تشير إلى استكمال الطالب لدراسته، بل كان هناك إجازات يمنحها الشيخ لطلابه بعد امتحانهم فيما تلقوه من علوم.



ومن المدارس التي أنشئت في عصر محمد علي باشا، مدرسة قصر العيني التجهيزية سنة 1303هـ/1825م، والمدارس الحربية ومدرسة الطب ومدرسة الهندسة، في إطار حركة تعليمية جمعت بين التعليمين المدني والعسكري؛ وكانت اللغة الأولى التركية إضافة للعديد من اللغات الأخرى.



وانضمت مدرسة قصر العيني التجهيزية فيما بعد إلى مدرسة الألسن سنة 1319هـ/1841م، وتقرر فيها تدريس اللغة الفرنسية لأول مرة، وألغيت هذه المدرسة في نفس العام بموجب تنظيم التعليم عام 1841م، وأعيدت مرة أخرى في العام ذاته، وتنقلت ما بين منطقتي أبى زعبل والأزبكية، إلى أن ألحقت بمدرسة المهندس خانة في بولاق.



أما المدرسة التجهيزية في الإسكندرية فقد أُنشئت سنة 1836هـ/1837م، واتخذت المدرسة البحرية نواة لها حيث ضمت الابتدائية والتجهيزية معًا، على ست فرق دراسية، ثلاث منها للمرحلة الابتدائية، ومثلهم للدراسة التجهيزية.



كما أُنشئ المكتب العالي في الخانكة، ليقوم بدور المدرستين الابتدائية والتجهيزية، إضافة للمدرستين التجهيزيتين في القاهرة والإسكندرية للالتحاق بالخصوصية، حيث كانت الدراسة بهذا المكتب مخصصة لمماليك الباشا وأنجال الأمراء واليتامى الذين يحظون بعطفه، ومدة الدراسة فيها خمس سنوات، سنتان إبتدائية وثلاث سنوات تجهيزية. 



كما بدأ في تأسيس الجيش وفقًا للنظم الأوروبية الحديثة، وكان ذلك من وجهة نظره ركيزة هذه الإصلاحات، ولما كانت المكتبات العربية والتركية تفتقر إلى وجود كتب تضم هذه الأسس الأوروبية الحديثة، فقرر إدخال الطباعة إلى مصر وتزويد هذه المؤسسات بالكتب اللازمة، حسبما جاء في موقع أرشيف المجلات بمقال جمال الدين الشيال المنشور بمجلة الثقافة بتاريخ 23 يناير 1950م، وكان من أهم المطبوعات "المصاحف الشريفة".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق