علاء الدين ظاهر
شهدت مصر خلال فصل الصيف الحالي ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة والرطوبة،مما يؤثر بشكل أو بآخر علي الآثار،وهذا التأثير يتفاوت بإختلاف مادة صنع الآثار ومدي مقاومتها للتأثيرات الضارة لإرتفاع درجة حرارة الجو،وهو ما يستلزم إجراءات وتدابير للحفاظ علي الآثار في المتاحف والمواقع الأثرية المختلفة ودرء أي مخاطر تهددها.
# مخاطر محتملة
وقبل بدء فصل الصيف أصدرت وزارة السياحة والآثار تعليمات تم اعتمادها من د.محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار،وذلك بناءاً علي ما عرضته إدارة الأزمات والكوارث،وقد عُممت هذه التعليمات علي كل المتاحف والمواقع الأثرية،وذلك لمواجهة ما يصاحب الصيف من ارتفاع شديد في درجات الحرارة والرطوبية النسبية وغير ذلك من المخاطر المحتملة والتأثيرات السلبية للحرارة المرتفعة،وذلك بالتعاون والتنسيق مع الإدارات الهندسية المعنية والإدارة العامة للأمن.
وتضمنت التعليمات مراجعة أنظمة التحكم الكهربائية ولوحات مفاتيح الكهرباء والتأكد من سلامتها بكافة المواقع والمتاحف والمخازن،وتغيير ما يلزم بما يتناسب مع شدة الأحمال خلال فصل الصيف بالتنسيق مع الإدارة الهندسية المعنية،مع ضرورة الالتزام بتخفيف الأحمال بالمقار والمكاتب الإدارية ترشيداً للكهرباء،والمراجعة والصيانة الدورية لكافة أنظمة التكييف بالمتاحف والمخازن المتحفية بما يتناسب مع كافة المعروضات،ومراجعة كافة انظمة الإطفاء وخاصة الاطفاء الذاتي بالمتاحف والمخازن مع صيانة كافة طفايات الحريق والتأكد من جاهزيتها للعمل بشكل جيد،مع توزيعها على المواقع بما يتناسب مع الوضع القائم.
# المكافحة الآمنة
والتأكد من سلامة أجهزة قياس الحرارة والرطوبة بالمتاحف وما في حكمها،والمرور عليها بشكل دوري للتأكد من سلامتها،ومراجعة أنظمة ودرجة الإضاءة بالمتاحف والمخازن، مع وجود فلتر على كافة النوافذ بالمتاحف لمنع مرور الأشعة فوق البنفسجية لصالات العرض أو التخزين،وتفعيل نظام التهوية الجيدة بكافة المواقع والمخازن وما في حكمها،مع مراجعة كافة وصلات المياه والتأكد من سلامتها منعاً لزيادة الرطوبة النسبية.
وإزالة كافة المخلفات والحشائش والنباتات بكافة المواقع الأثرية والحدائق المتحفية والتخلص منها بشكل دوري وآمن،ولا سيما في المواقع التي بها أعمال تطوير أو ترميم مع ضرورة مكافحة الآفات والحشرات التي يكثر انتشارها صيفاً،وذلك بالتنسيق مع الإدارات المختصة بهذا الشأن،كذلك التنبيه والتشديد بعدم حفظ أو تخزين أي مواد كيميائية أو مواد قابلة للإشتعال بأي من المكاتب الإدارية أو المخازن أو المتاحف أو المواقع الأثرية،وإعداد خطة طوارئ قابلة للتنفيذ الفوري من خلال عرفة العمليات بكافة المناطق والمتاحف والمخازن.
# صدأ وتشقق
الدكتور عيسي زيدان مدير عام الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير كشف أن كل الأثار بمختلف أنواعها تتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة والرطوبة،ويختلف هذا التأثر بالنسبة لكل أثر حسب المادة التي تمت صناعته منها وعمره الزمني،وتعد الآثار العضوية"أخشاب ونسيج وجلد وغيرها"الأسرع من حيث التأثر بدرجات الحرارة والرطوبة المرتفعة،والتي تؤدي علي سبيل المثال لإنخفاض كبير في نسبة الماء داخل الأخشاب،وهو ما ينتج عنه حدوث تشققات فيها.
وتابع:فيما يأتي تضرر الأُثار المعدنية بدرجات الحرارة والرطوبة المرتفعة في شكل صدأ خاصة الآثار الحديدية،وان كان الصدأ درجات فإن أخطر أنواعه يسمي الصدأ النشط الذي يؤثر علي المعدن لدرجة أنه يحوله إلي بودرة في بعض الأحيان،مؤكدا أن أفضل حل لتمكين الآثار من مقاومة أي تأثيرات ضارة ناتجة عن إرتفاع درجة الحرارة هو توفير بيئة حفظ جيدة ومهيئة لها بدرجات مناسبة سواء كانت داخل فتارين عرض أو غيرها.
# المدي البعيد
من جانبه قال عيد مرتاح أخصائي ترميم الآثار بالمتحف المصري بالتحرير أن إرتفاع درجات الحرارة له تأثيره على الآثار،مما يتطلب إجراءات لحمايتها،خاصة أن مواقع الأثار المصرية المفتوحة في مصر معرضة لمخاطر درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة،وهذه المخاطر قد تكون قليلة في البداية لكنها تزداد علي المدى البعيد،حيث يؤدي ذلك إلي تأثر ألوان الآثار وخاصة المعابد وقد تتعرض للبهتان نتيجة الحرارة المرتفعة،وما يخفف من تلك التأثيرات الضارة عمليات الترميم والصيانة الدورية التي تقوم بها وزارة السياحة والآثار،وذلك من خلال المرممين المصريين الذين يمتلكون خبرات كبيرة في الترميم وإنقاذ الآثار من المخاطر التي تتعرض لها ومنها الحرارة المرتفعة والتغيرات المناخية المختلفة.
هذا وطرح الدكتور على طه عمر مدير قسم الترميم بالمركز الايطالي للترميم والأثار وخبير الترميم بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى رؤية تناول فيها نقاطا كثيرة،حيث قال أنه وفقا لدراسة أجرتها منظمة اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) واتحاد العلماء المعنيين (UCS)، يعد تغير المناخ أحد أهم المخاطر التي تهدد مواقع التراث العالمي والمعالم الأثرية.
# الرطوبة النسبية
وهناك عدة عوامل مسئولة بشكل مباشر عن تدهور المواد الأثرية، بعضها يرتبط بتغير البيئة المحيطة، خاصة التغير فى درجات الحرارة، حيث يؤدي التغير في درجة الحرارة بشكل مباشر إلى تغير في الرطوبة النسبية (RH)،وتعتبر الرطوبة النسبية ودرجة الحرارة في غاية الأهمية عندما يتعلق الأمر بتدهور المواد الأثرية المختلفة التي تحتوي على أملاح مثل الأحجار، حيث أن التغيير الطفيف قد يؤدي إلى تبلور الأملاح، وبالتالي تحدث التجوية.
كذلك يتغير النشاط البيولوجي أيضًا. وقد يزيد أو ينقص، وبالتالي تتغير نسبة التدهور ، مما يؤدي إلى تغيير الصفات الجمالية للمواد الأثرية وخاصة لونه (أسود، أخضر، أصفر، إلخ)،ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الجفاف، مما يسبب حالات الجفاف وربما الحرائق، والتي يمكن أن تكون مدمرة بشكل خاص للمواد العضوية والعديد من المواد غير العضوية.
وتعد درجات الحرارة من اكثر العوامل المؤثرة علي الآثار و يؤدي إلى تلفها وربما تحللها، حيث انها تلعب دور العامل المحفز فى العديد من العمليات الكيميائية، وتعتبر حالة القطع الأثرية المعروضة فى المتاحف فى حالة مستقرة ولا خوف من درجات الحرارة المرتفعة عليها نظرا لوجود تكييفات بكل متحف للحفاظ على درجات حرارة مستقرة, ولكن الوضع فى المخازن المتحفيه مقلق.
حيث أن معظم المخازن وقد تكون كلها لا تحتوى على أجهزة ضبط درجات الحرارة أو الرطوبة النسبية، كذلك الاثار الثابتة بالمواقع فهناك احتمال اكيد ان تتاثر بارتفاع الحرارة وقد تتعرض الحشائش بهذه الموااقع الى حرائق قد تضر بالمبانى الأثرية،كذلك الحرارة لها تأثير علي المواد.
وتتأثر كل أنواع المواد الأثرية بإرتفاع درجات الحرارة والرطوبة بنسب مختلفة كل حسب مادته، ويؤدى ارتفاع درجات الحرارة فى وجود الرطوبة الى زيادة تبلور الأملاح داخل المسام وعلى أسطح المبانى الأثرية، مما يؤدي إلي حدوث اجهادات داخلية تؤثر فى الخواص الميكانيكية والفيزيائية للأحجار مما يؤدى الى تشققات فى بعضها وتساقط اسطح بعضها بما تحتوية من زخارف وألوان.
كذلك الأثار العضوية هي الأسرع تأثرا وتضررا بارتفاع درجات الحرارة, وهو ما يؤدي الى تدهورها،وتؤدى درجات الحرارة المرتفعة أبضا إلي تقليل المحتوي المائي في الأثار الخشبية،مما يؤدي إلي حدوث تشققات بها, كما أن الرطوبة مع الحرارة تسبب ما يسمي بالتحلل الحراري للخشب حيث أنه يزيد من فقد المحتوي المائي للأثر لدرجة أخطر من تأثير الحرارة بمفردها،كذلك الأُثار المعدنية خاصة الحديد تتأثر بالحرارة والرطوبة المرتفعة والتي تؤدي إلي حدوث عملية صدأ وأخطره النشط الذي يظل يأكل في المعدن حتي يتحول إلي بودرة.
# المباني الطينية
أما في المبانى الطينية الاثرية يؤدي التفاوت فى درجات الحرارة والرطوبة إلي انتفاش الطفلة وبالتالى تؤدى الى جفافها فى درجات الحرارة العالية مما يؤدى الى تدميرها, كما تؤدى الرطوبة فى الجو وتكثفها على سطح الاثر ومع وجود عوادم السيارات الى تكون العديد من الاحماض مثل حمض الكبريتيك عليها, مما يسبب أضرارا على أسطح المبانى الاثرية وتؤدى الى تشويهها وتفتتها وتلفها.
وقد نشر مؤخرا البروفيسور الأسبانى توماس.ر.س، قسم الهندسة المدنية، كلية بوليتكنيكو العليا, جامعة أليكانتي، بحثا يوضح فيه تأثير ارتفاع درجة الحرارة على الجرانيت الأحمر ومقارنته بالدراسات السابقة، ومن المعروف أن حجر الجرانيت من أقوى الأحجار مقاومة للعوامل الخارجية، و بعد إجراء العديد من التجارب استنتج أن حتى الجرانيت تتأثر خواصه الفيزيائية والميكانكية بارتفاع درجات الحرارة، كذلك يتغير درجة اللون.
ويأتى الضرر من ارتفاع درجات الحرارة من ناحية اخرى حيث يبدأ الثلج والجليد أيضًا في الذوبان. ونتيجة لذوبان الثلوج، ترتفع أيضًا مستويات سطح البحر، مما يؤدي إلى غمر وتدمير المواقع فى المدن الساحلية..
وأخيرا، يمكن لتغير المناخ أيضا أن يخلق بيئة غير مستقرة؛ وبالتالي من المتوقع أن تتزايد الظواهر البيئية مثل الزلازل والعواصف والأعاصير، مما قد يؤدي إلى فيضانات وتدمير المواقع التراثية والمتاحف والمصنوعات اليدوية.
ولا يوجد طريقة محدده للحفاظ على المبانى الاثرية المعرضة للهواء لحمايتها من درجات الحرارة المرتفعة، الا المتابعة والصيانة الدورية لهذه المبانى ومعالجة ما قد يظهر من مظاهر التلف، وحل مشكلة المياه الجوفية فى المناطق الاثرية، لانها المسئول عن تسريب الاملاح والشوائب من التربة إلى داخل مسام مواد البناء المختلفة.
أما القطع المتحفية المعروضة فيمكن الحفاظ عليها من خلال ضبط درجات الحرارة والرطوبة النسبية باستخدام اجهزة التكييف، كذلك القطع الثرية فى المخازن المتحفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق