علاء الدين ظاهر
تعود فكرة اليوم الدولي للمياه إلى عام 1992، وهو العام الذي عُقد فيه مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في العاصمة الأرجنتينية ريو دي جانيرو وفي نفس العام اعتمدت الجمعية العامة قرارها 47/193 الذي أعلنت فيه يوم 22 آذار/مارس من كل عام يومًا عالميًا للمياه.
وفى هذا الصدد يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار قدسية نهر النيل وقد ذكر المؤرخ اليونانىّ «هيرودوت» أن مصر هبة النيل باعتباره شريان الحياة لمصر والمصريين وهو من أهم مصادر المياه التى تعتمد عليها مصر في توفير احتياجاتها من المياه وهو أطول أنهار العالم وسمى بأبي الأنهار الأفريقية.
وأن التقويم المصرى وهو أقدم تقويم عرفته البشرية مرتبط بنهر النيل ونتج عن شغف المصرى القديم بنهر النيل وحرصه على رصد فيضانه ونتيجة مراقبة المصرى القديم لنجم "سبدت" أو سيروس وهو نجم الشعرى اليمانية لعدة سنوات توصلوا إلى تحديد طول دورته الفلكية بدقة متناهية وقد حددوا طولها أو طول السنة الشمسية ٣٦٥ يوما و٥ ساعات و٤٩ دقيقة و٤٥ ونصف ثانية أى بفارق يوم كل ١٢٧ سنة وبذلك وضعوا المقياس الزمنى الذى يعلن ميعاد الفيضان وهو يوم ميلاد العام والذى أطلقوا عليه التقويم التحوتى نسبة إلى المعبود تحوت إله المعرفة وقياس الزمن.
ويوضح الدكتور ريحان أن الوثائق التاريخية تؤكد الدور المصرى لاستكشاف منابع النيل منذ عصر مصر القديمة نتيجة الاتصال ما بين مصر القديمة وبلاد كوش ويام وبونت وتوغلوا في النوبة والسودان وظهر رحّالة ومستكشفون في الأسرة السادسة معظمهم من أمراء أسوان جنوبي مصر وقد نظم حاكم الجنوب "حرخوف" أربع حملات استكشافية إلى أفريقيا بناء على أوامر من الملكين "مر-إن-رع" و"بيبي الثاني" ح ٢٢٠٠ قبل الميلاد، وحرص "حرخوف" على تسجيل وقائع رحلاته في مقبرته في أسوان.
وينوه الدكتور ريحان إلى تقديس النيل في مصر القديمة واستخدام مياهه للتطهر من أجل الطقوس الدينية وغسل المتوفى وكانت عملية الاغتسال بماء النيل علاوة على المعنى الملموس للنظافة تمثل رمزًا لطهارة النفس روحيًا من كل شائبة والتى استمرت في الحضارة القبطية فيما بعد ويشير نص قديم إلى أن "من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة" وهناك اعترافات للمصرى القديم في العالم الآخر بما يفيد عدم منعه جريان الماء درءًا للخير.
كما ورد في الفصل ١٢٥ من نص "الخروج إلى النهار (كتاب الموتى)" لم أمنع الماء في موسمه، لم أقم عائقًا (سدًا) أمام الماء المتدفق، وفي نص مشابه على جدران مقبرة "حرخوف" في أسوان عدد صفاته أمام الإله من بينها "أنا لم ألوث ماء النهر...لم أمنع الفيضان في موسمه... لم أقم سدًا للماء الجاري... أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى" وارتبطت أسماء معبودات بنهر النيل أشهرهم الإله "حعبي"، الذي يمثل فيضان النيل سنويًا ومصدر الحياة الأولى (بداية الخلق) ومصدر الحياة الأولى للمصري القديم.
وقد جاء في الكتاب المقدس أنه حين أراد الرب أن يصف أرضًا خصبة قال عنها (كجنة الرب كأرض مصر) "تك ١٣:١٠"
ولفت الدكتور ريحان إلى اختصاص الكنيسة القبطية بصلوات القداس الإلهي الخاصة بمياه الأنهار حيث يصلي الكاهن "اصعد المياه كمقدارها كنعمتك؛ فرح وجه الأرض؛ ليروى حرثها؛ ولتكثر أثمارها؛ أعدها للزرع والحصاد؛ ودبر حياتنا كما يليق؛ بارك اكليل السنة بصلاحك؛ من أجل فقراء شعبك؛ من أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف من أجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب اسمك القدوس لأن أعين الكل تترجاك لأنك أنت الذي تعطيهم طعامهم في حين حسن؛ أصنع معنا حسب صلاحك يا معطيا طعاما لكل ذي جسد؛ أملأ قلوبنا فرحا ونعيما لكي إذ يكون لنا الكفاف في كل شيء؛ نزداد في كل عمل صالح".
ويتابع الدكتور ريحان أن نهر النيل تجسّد بشكل فعلى ورمزى في الفن القبطى وقد رتبت الكنيسة صلوات اللقان في ثلاث مناسبات كنسية في عيد الغطاس المجيد وصلوات خميس العهد وصلوات عيد الرسل وفي هذه المناسبات يوضع اللقان وهو حوض ماء مملوء بمياه النيل ففي لقان عيد الغطاس يصلي الكاهن ويقول (نهر جيحون "أي النيل" أملأه من بركاتك ؛بارك اكليل السنة بصلاحك؛ يارب اسمعنا وارحمنا) بالإضافة إلى صلوات أسبوع الآلام "البصخة" فلا تنسى الكنيسة الوطن والأرض والنيل.
ويوضح أن نهر النيل كان له مكانة كبرى في العصر الإسلامى واهتم به حكام مصر للحفاظ على جريانه وضبطه بما يكفل لهم حياة آمنة فأقاموا السدود والجسور عندما كان يطغى ويزيد عن الحد الذي يكفل لهم حياة وزراعة آمنة وأنشأوا مقاييس للنيل أشهرها مقياس النيل بالروضة .
واحتفلوا الاحتفالات البهيجة الرائعة بمواسم فيضانه وأقاموا النظم لربط سنتهم الهجرية بالسنة الشمسية التي تسير عليها مواعيد فيضان النيل والزراعة ودعا الإسلام إلى الحفاظ على الأنهار ومنها نهر النيل، فقد أجمع فقهاء المسلمون على أنه لا يجوز البناء على شاطئ النهر للسكنى ولا لغيرها إلا القناطر المحتاج إليها ولا يجوز التعدى على النهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق