علاء الدين ظاهر
إذا كانت المسلة المعلقة وهي أول ما يستقبل زائر المتحف المصري الكبير في الساحة الخارجية مبهرة وتشعرك بعظمة الحضارة المصرية القديمة،فإن هذا الانبهار سيتضاعف عندما تدخل إلي منطقة البهو العظيم،خاصة أن تصميمه جاء ضمن التصميم العام للمتحف بشكل علمي مدروس،وذلك ليوفر للزوار تجربة متميزة تتماشي مع عظمة الحضارة المصرية،خاصة أن كلمة"بهو"في اللغة العربية معناها القاعة الكبيرة أو المكان الفسيح،وهذا متوفر بالفعل في البهو العظيم،الذي تعرض فيه مجموعة تماثيل ضخمة ربما صممت وصنعت في الأساس لتُعرض في الأماكن المفتوحة،وهذا متوفر في ضخامة واتساع البهو العظيم.
وقبل أن نتحدث عن التماثيل والقطع الأثرية الضخمة في البهو العظيم،لا بد أن نذكر أنه توجد به قائمة الملوك List of Kings،وهي عبارة عن قائمة لخراطيش بأسماء وألقاب التتويج لأهم الحكام في التاريخ المصري،وذلك منذ بداية عصر الأسرات حتى الإمبراطورية الرومانية،وهي مكتوبة بالعلامات الهيروغليفية وبالطريقة التي يعتقد الباحثون الجدد أنها دقيقة تاريخيا،وهي بمثابة لمحة سريعة توفر للزائر معلومات تاريخية بسيطة تؤهلة للمعرفة الأثرية والتاريخية التي تساعده علي إدراك وفهم السياق الزمني للكنوز الأثرية المعروضة داخل المتحف.
* البناء العظيم يستقبلكم
ربما لم يكن هناك ملوك أعظم منه لنجد تمثاله في إستقبال زوار المتحف..إنه الملك رمسيس الثاني أشهر الملوك
في مصر القديمة عبر تاريخها،وأعظم الملوك البنائين كونه خلال حكمه قام ببناء مباني ومعابد ومنشآت كثيرة أكثر من أي ملك مصري آخر،حيث يقف التمثال شامخاً في البهو العظيم،وقد أحسنوا الإختيار بوضعه في هذا المكان،خاصة أن المصريين عندما قرروا نقله هنا اختاروا هذا الموقع في البهو العظيم بعناية شديدة،وذلك لأنه في تارخي مولد ووفاة رمسيس الثاني تتعامد الشمس علي وجه التمثال.
هذا التمثال"دولة حديثة..أسرة 19..حوالي 1213-1279 ق.م..جرانيت أحمر"كان في مكانه الشهير بميدان رمسيس أمام محطة القطار لسنوات طويلة،حيث تم نقله من مكانه الأصلي في ميت رهينة إلي رمسيس في الخمسينات،وفي عام 2006 تم نقله إلي موقع مشروع المتحف،وقد تابع ذلك الملايين في مصر وخارجها عبر وسائل الإعلام المختلفة،حيث لم تكن أعمال الإنشاءات حينها قد انتهت بعد،وفي 25 يناير من عام 2018 م تم نقل التمثال من موقعه في أرض المشروع خارج جدران المتحف إلي موقعه الحالي في البهو العظيم،وهي العملية التي حظت بمتابعة رسمية وإعلامية واسعة في مصر وخارجها.
وتم النقل بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار شركة المقاولون العرب،تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة،وهي جهود تضافرت لنقل هذا التمثال الضخم الذي يبلغ وزنه 80 طنا وربما أكثر من ذلك،ولذلك قبلها أجريت تجربة لنقل كتل حجرية فاق وزنها 100 طنا،وذلك لضمان أقصي درجات الأمان لنقل التمثال الضخم،حيث سارت السيارة التي تنقلها ببطء رغم قصر المسافة بين الموقعين،الا أن ذلك كان ضرورياً ضمن عوامل الأمان والسلامة،حتي وصل التمثال إلي موقعه النهائي الحالي في البهو العظيم داخل المتحف.
وهذا التمثال الضخم للملك رمسيس الثاني"محبوب بتاح"يظهر مدى قوة وثراء صاحبه الملك،وكان هذا التمثال في الأصل قائما خارج المعبد الرئيس للمعبود بتاح بمدينة منف العاصمة القديمة للبلاد"ميت رهينة"،حيث كان الغرض من تمثيل الملك بتلك الهيئة المهيبة أن يجعل رمسيس كحارس أحرم ذلك المعبد المقدس،ولسنوات عديدة عبد هذا التمثال نفسه كمعبود، حيث أقام له الأفراد الطقوس الدينية من تقديم القرابين وتلاوة الصلوات،ويوجد خلف ساقي الملك نقش يجسد اثنين من أبنائه،وهما الأمير خع إم واست والأميرة بنت عنات.
* عمود الإبن المنتصر
وربما لربط الأب بإبنه جاء وضع عمود النصر الجرانيتي للملك مرنبتاح بالقرب من تمثال الملك رمسيس الثاني،والعمود من الدولة الحديثة..الأسرة 19 ..عهد الملك مرنبتاح"1203-1213 ق.م"،حيث أنه بعد وفاة الملك رمسيس الثاني خلفه على العرش ابنه الملك مرنبتاح، والذي خاض الحروب في مواجهة أعداء البلاد من القبائل الليبية وشعوب البحر، وسجلت أخبار تلك الحروب على اللوحات والأعمدة المنقوشة والتي كانت تسمى: كتابات للأبديةوفي النصوص المسجلة على هذا العمود تخاطب المعبودة عنات الملك مرنبتاح قائلة"خذ مقمعتك لكي تهلك المعتدين"
وبجوار عمود مرنبتاح في البهو العظيم تجد المنطقة التجارية بالمتحف والتي تتضمن بيت الهدايا الرسمي وبه كثير من المنتجات التي تحمل لمسه وذوق الحضارة المصرية القديمة،كذلك منتجات خاصة تحمل علامة براند خاص بالمتحف المصري الكبير،ومطاعم مختلفة وخدمات للزوار،حيث تلعب هذه المنطقة التجارية دوراً مهماً في إثراء التجربة السياحية للمتحف،وخاصة في ظل ما يعكسه حجم ومستوى الإقبال المنتظر من الزائرين والسائحين المصريين والأجانب علي الزيارة.
* من قاع البحر
ومن أبرز ملامح البهو العظيم بالمتحف تمثالين ضخمين ورغم ذلك منحوتين بدقة مدهشة،التمثال الأول لملك بطلمي"ربما بطلميوس الثاني"العصر البطلمي..305-30 ق.م..جرانيت أحمر"،وقد تم العثور عليه في قاع البحر الأبيض المتوسط"هيراكليون..خليج أبي قير"،حيث تنحدر الأسرة البطلمية من أحد القادة اليونانيين للإسكندر الأكبر، والذي أصبح فيما بعد بطلميوس الأول،وغالبًا ما كان الملوك البطالمة يُصوّرون أنفسهم كحكام مصريين على جدران المعابد المصرية بالإضافة إلى عبادتهم للمعبودات المحلية. وقد اكتشفت هذه التماثيل الضخمة بالقرب من المعبد الكبير لآمون في مدينة هيراكليون.
والتمثال الآخر لملكة بطلمية ربما تكون أرسينوي الثانية"عصر بطلمي..305-30 ق.م..جرانيت أحمر..هيراكليون..خليج أبي قير"،وتم العثور عليه أيضاً في قاع البحر المتوسط،حيث كان للملكات خلال هذه الفترة أدوار سياسية ودينية مهمة ، وقد أقيمت تماثيل للملوك والملكات في معظم المعابد في جميع أنحاء مصر،وتم تقديس بعض الملكات البطلميات بعد وفاتهن، مثل الملكة أرسينوي التي عرفت بأنها حامية البحارة.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق